DELMON POST LOGO

الشعر والصورة

بقلم : أحمد العجمي

علاقة التماس والتقاطع والتشارك بين الفنون كثيراً ما تتجسد من قبل المبدعين نتيجة وعيهم بهذه العلاقة وبإمكانية تحققها بطرق وأساليب فنية متنوعة، وفي هذا السياق نرى اهتمام  الشعراء بالفن والموسيقى واهتمام الفنانين والموسيقيين بالشعر لفتح وتوسعة الفضاءات التي يحلّقون فيها.

وإذ كانت علاقة الشعر بالموسيقي تتجسد في أنماط تركيبية ومتمازجة واندغامية كونهما فنين زمانيين يُدركان من نقطة البداية وبتراتبية زمنية عبر  تلاحق الأجزاء، فإن علاقة الشعر بالصورة (اللوحة التشكيلية - الفوتغرافية) علاقة تماس وتقاطع وتحوّل حيث إن الصورة فن مكاني تُدرك بطريقة كلية والشعر زماني يدرك بطريقة جزئية تسلسلية.

حدث تعاون كبير بين الشعراء والفنانين التشكيليين في إنتاج وإخراج أعمال مشتركة تستهدف التوغل في المناطق المتجاذبة بين الفنين وتفعيلها وإضاءتها جمالياً وروحياً.

وتجسدت هذه الأعمال المشتركة في أخذ الشعراء لوحات فنية لأغلفة دواوينهم أو  انهم يطلبون من بعض الفنانين الأصدقاء القيام بتصميمها بناء على قراءة العمل الشعري، كما ذهب بعضهم إلى الاستعانة بالتشكيليين لعمل لوحات داخلية  تعبر  عن جمالية قصائدهم وتقرأها فنياً.

لكن التجارب الأوسع والأعمق تحققت من خلال أعمال مشتركة شعراً وتشكيلاً، حيث ينجز الفنان التشكيلي لوحات فنية متماسة أو متقاطعة لقصائد الشاعر، أو ينجز الشاعر قصائده في تماس وتقاطع مع اللوحات التشكيلية، وتعرض هذه الأعمال في معارض مشتركة أو في دواوين شعرية.

هذه الأعمال المشتركة لا تعمل حسب المحاكاة أو النقل المباشر أو الانعكاس المرآتي بحيث تكون شروحات أو تفسيرات أو نسخاً لبعضها؛ وإنما تشتغل على القراءة الفنية والتأويلية والإبداعية حتى تكون مساحة الحرية وعمق الوعي والحساسية الفنية هي المحرك النشط لهذا التعالق والتمدد الفني على قوس التوتر الإبداعي.

حين يقوم الشاعر بإنتاج قصائده بناء على أعمال فنية فهو ينطلق من المرئي إلى اللامرئي ومن السطح إلى العمق ومن الخطية إلى الفضائية ومن الخمول إلى الحركة، وعلى نفس المنهج يشتغل الفنان التشكيلي والفوتغرافي.

إن ما يتحقق في هذه الأعمال الإبداعية المشتركة يتمثل جوهره في تغيير حال الفنين في ذات اللحظة؛  الشعر والصورة، حيث يتحول الشعر من الحالة الزمانية إلى الحالة المكانية في الصورة، وتتحول الصورة من الحالة المكانية إلى الزمانية في الشعر. فنشعر بأن الشعر قد تجسد بصرياً وأن الوحة قد ماعت زمانياً.

وبإمكاننا أن نلحظ فنياً بأن الصورة أو اللوحة قد تحولت إلى مجازات بلاغية وصور شعرية متنوعة ولها أصوات يمكن سماعها، كما نلحظ بأن القصيدة قد تشكلت عبر مساحات شكلية ولونية ولها إشعاعات يستقبلها البصر ويرى كائناتها.

فالزماني والمكاني يتفاعلان ويتبادلان فنيتهما عبر تشكلات لا مرئية لكنها ترسل رنينها وخفقانها إلى أرواحنا حين ننظر إلى الفنين معاً في لحظة الاتصال بين الزمان والمكان.