DELMON POST LOGO

حرب غزة تحيي المكارثية تحت طائله معاداة السامية

بقلم : عبدالنبي العكري

يوم الاثنين 28 نوفمبر 2023وصل البليونير الأميركي المثير للجدل ايلون ماسك ,صاحب الميديا اكس (تويتر سابقا) وشركه ستار لنك للاتصالات عبر الأقمار الصناعيه الى الكيان الصهيوني بصفه مفاجئه .وقد التقى رئيس وزراء العدو ,بنجامين نتنياهو الذي رافقه في جوله في كيوبتز كفارازا (احد المستوطنات) المطله على غزه والتي شهدت حدث 7 أكتوبر 2023  كما استضاف نتنياهو في محاوره  مطوله على شبكه اكس  حيث استفاض نتنياهو  في الحديث مكررا الأكاذيب المعروفه ,فيما يعمد ماسك الى التصديق عليها. التقى ماسك  الرئيس "الإسرائيلي "  حاييم هيرتزوج بمشاركه ممثلي عائلات الاسرى "الإسرائيليين " لدى حماس .وقد وبخ هيرتزوج ماسك بقوله "ان شبكته تحتوي على كم هائل من الكراهيه لليهود واللاساميه  وان ذلك ينعكس  سلبا على سلوك الناس تجاههم ولك دور في ذلك". ومره أخرى كرر هيرتزوج السرديه الصهيونيه المعروفه فيما صدق ماسك على هذه الاطروحات .

وكان ماسك قد تعرض لحمله  تشهير  ضاريه باتهامه بتشجيع اللاساميه على شبكته,  من قبل اللوبي الصهيوني  بسماحه لحريه التعبير على موقع اكس لمنتقدي "إسرائيل " وحربها على الشعب الفلسطيني,الى حد اتخاذ إجراءات عقابيه بحق الشبكه بايقاف شركات كبرى لاعلاناتها على الشبكه.ورغم  ان ماسك تمسك بموقفه المبدأي في احترام حريه التعبير والاستعداد لدفع الثمن ,الا انه بزيارته للكيان المحتل, قد سقط سقوطا مريعا بالتصديق  والترويج للاطروحات الصهيونيه الاسرائيليه ليس فقط عن مجريات الحرب الاسرائيليه عل غزه  وانما مايجري في الغرب من احتجاجات وتبرير الجرائم الصهيونيه ووصم حماس و المقاومه الفلسطينيه بالإرهاب .كما تراجع عن عرضه بتوفير خدمات ستارلنك لاتصالات المنظمات الانسانيه في غزه المحاصره ,واتفق مع "الإسرائيليين" بان لاتعمل الشبكه في محال سيطره"اسرئيل" بما فيها غزه الا بموفقه "إسرائيل"

هذا نموذج فاقع على قيام  اللوبي الصهيوني والكيان الصهيوني  والغرب الرسمي,بالضغط بكل الوسائل للمكارثيه الجديده تحت طائله معاداه الساميه لمصادره حريه التعبير وإخضاع من يعارض الكيان المحتل لارادتهم. وهاهو ماسك كواحد من اقطاب الثروه والميديا ,ينصاع لهم.فما هو الرابط مابين المكارثيه ودعوى معاداه الساميه  خلال الحرب الاوسع عالميا المترتبه على الحرب "الاسرائيليه"على الشعب الفسطيني؟

عرفت الولايات المتحده حقبه سؤداء من تاريخها خلال الخمسينيات من القرن الماضي ,عرفت بحقبه المكارثيه واتي تنسب الى عضو مجلس الشيوخ جوزيف مكارثي و كان رئيساً لإحدى اللجان الفرعية بالمجلس واتهم عدداً من موظفي الحكومة وبخاصة وزارة الخارجية، وقاد إلى حبس بعضهم بتهمة أنهم شيوعيون يعملون لمصلحة الاتحاد السوفيتي.

وقد تبين فيما بعد أن معظم اتهاماته كانت على غير أساس. وأصدر المجلس في عام 1954 قراراً بتوجيه اللوم له. ويستخدم هذا المصطلح للتعبير عن الإرهاب الفكري والثقافي الموجه ضد المفكرين والمثقفين.لكنه  وخلال اربع سنوات من حقبه المكارثيه فقد تسببت في اهدار كبير لحقوق عدد كبير من المواطنين الاميركيين ولحرياتهم ومثلت شبحا يهدد الديمقراطيه الاميركيه بعلاتها المعروفه .

اما مصطلح معاداه الساميه قد استُخدم لأوّل مرّة من قبل المؤرخ القومي النمساوي مورتيتز ستاينشنايدر، الذي هاجم  الفيلسوف الفرنسي ارنست رينان بسبب اعتباراته المسبقة المتحيّزة نحو معاداة الساميّة" (وذلك عبر انتقاصه من السامييّن كعرق). في 1860 .

ان تعبير الساميين  والتي تطلق على شعوب المشرق (الكنعانيين والعرب  والاقليه اليهودية وغيرهم  ) قد اختزل ليقصر الساميه على اليهود فيما غالبيه اليهود ليسوا ساميين وينتمون لاعراق وقوميات متعدده .لكن اول من استخدم  كلمه  الساميه بالتبادل مع اليهوديه فكان الصحفي الالماني فيلهلم مار في كتابه (انتصار الروح اليهوديه على الروح القوميه الالمانيه ) في 1879 .

وقد تبع هذا الاستخدام لكلمة السامّية بإنشاء مصطلح «معاداة السامية» الذي استخدم للإشارة إلى مناهضة اليهود في ضوء الرفض المتزايد لليهود في اوربا لاسباب عده ومنها دورهم في العمليات الماليه المرفوضه من قبل الاوربيين وأنغلاقهم في جيتوهات خاصه بهم .وقد اتخذت هذه النزعه طابعا معاديا لليهود في ظل الحكم النازي والذي سيطر على معظم اوربا ومارافقه من مذابح (الهولوكست)  والتي لم تقتصر على اليهود  وحدهم ولكن جرى تجييرها لصالحهم.

ومع صعود الحركه الصهيونيه بالشراكه مع الغرب الاستعماري والذي توج بقيام الكيان الصهيوني على حساب الوطن والشعب الفلسطيني ,فقد استخدمت الحركه الصهيونيه والغرب تهمه معاداه الساميه لكل من يعارض الجريمه الكبرى باغتصاب الوطن الفلسطيني , ومجمل الاسترايجيه الصهيونيه بالتوسع على حساب الفلسطينيين والعرب وحروب التدمير االصهيونيه  ضدهم  واحتلال الارض الفلسطينه طوال 75 عاما .والتشهير باي فكر او اطروحه او تحرك لاي انسان او هيئه او مؤسسه او منظمه او دوله تعارض الاطروحات الصهيونيه والسياسه الاسرائيليه , باعتبارها معاديه للساميه يتوجب مواجهتها .

لكنه ومع صعود الثوره الفلسطينيه والاعتراف بمنظمه التحرير الفلسطينيه عالميا فقد جرى تبني قرار من الامم المتحده في في 10 نوفمبر 1975 بتصويت 72 دولة بنعم مقابل 35 بلا (وامتناع 32 عضوًا عن التصويت)، " باعتبار الصهيونيه شكل من اشكال العنصريه يتوجب مواجهتها ".لكن ذلك لم يدم طويلا في ضؤ التراجع العربي الكبير  بعد صفقه كامب ديفيد ,في مواجهه الكيان الصهيوني والحركه الصهيونيه ,وضمن صفقه مشاركه الكيان الصهيوني في مؤتمر مدريد للسلام ,جرى ابطال القرار بالقرار الصادر عن الجمعيه العامه للامم المتحده  رقم 86/46 بتاريخ 15-12-1991.وقد ترتب على ذلك توسع سطوه التشهير باللاساميه.

المكارثيه الجديده ومعاداه الساميه وتجليات الحرب على غزة

ترتب على هذه الحرب ظاهرتين متصادمتين أولها وقوف الغرب الرسمي بكل قواه الى جانب الكيان الصهيوني وتبرير جرائمه والظاهره الثانيه هي الصعود الكبير والواسع لحركه جماهيريه اجتاحت الغرب والعالم للتضامن مع الشعب الفلسطيني ومواجه الحرب الصهيونيه الوحشيه  التي لاسابق لها في الحروب المعاصره .وهنا فان الكيان الصهيوني وحلفائه الغربيين تبنيا اطروحات في ظاهرها قانونيه واخلاقيه واهمها حق "اسرائيل في الدفاع عن نفسها" ووصم المقاومه الفلسطينيه بالارهاب ,واعتبار كل من يقاومها وفي مقدمتهم الشعب الفلسطيني وكل من يناصره بالعداء للساميه .بل تبنى بعضهم الايدلوجيه الصهيونيه .وبالمقابل فقد تبنى الفلسطينيون وانصارهم من شرفاء العالم أطروحات قانونيه واخلاقيه راسخه ومنها لاشرعيه الاحتلال الصهيوني لفلسطين وحروب الاباده والتطهير العرقي وحق الشعب الفلسطيني في مقاومه الاحتلال الصهيوني وتحرير وطنه وبالتالي ادانه الصهيونيه والنزعه الاستعماريه الغربيه حليفتها ,والحاجه لنظام عالمي جديد وعادل.

بالطبع فان محاباه "اسرائيل " والتصدي لكل من ينتقدها او يدعوا الى اتخاذ اجرءات للحد من سياساتها وإجبارها على الالتزام بالقانون الدولي او مقاطعتها لم تتوقف في الغرب منذ قيام الكيان الصهيوني في 1948 حتى اليوم ,ولكننا سنركز على مرحله جديده بدات في 7 اكتوبر 2023.

كشفت حرب الاباده الصهيونيه على الشعب الفلسطيني وخصوصا في قطاع غزه عن حرب اخرى  خطيره وقبيحه ملازمه  لها وتتمثل في سياسات وتشريعات و اجرءات  في الغرب , لعدم مساءله "اسرائيل عن حرب الاباده ضد الشعب الفلسطيني منذ 7 اكتوبر 2023 والمستمره حتى الان ,بل ودعم ماتقوم به بكل الوسائل العسكريه والسياسيه والاقتصاديه والدبلوماسيه ,والتصدي تحت رايه معاداه الساميه  لكل من ينتقد ذلك بكل مايتطلب ذلك من تشريعات وسياسات واجراءات , لاسابق لها وتتنافى مع المستقر عليه في النظام الغربي , وتقاليد ودساتير وتشريعات مخلف البلدان الغربيه ,ولنعرض بعضا من هذه :

1- اعتبار الحرب التي تشنها "اسرائيل" على الشعب الفلسطيني بانها حرب بين الحضاره التي تمثلها "اسرائيل " والمساندين لها من غالبيه اليهود والغرب الرسمي من ناحيه , والإرهاب (او التوحش) الذي تمثله حماس والمقاومه الفلسطينيه وحضنها الطبيعي الشعب الفلسطيني,فيما يوصف من يناصر قضيتهم بمؤيدي الارهاب من ناحيه  اخرى .ولذى يتوجب دعم استراتيجيه "اسرائيل " ياستئصال حماس باي ثمن يدفعه شعب فلسطين .من هنا الاصرار على الاستمرار بدعم "اسرائيل" في رفض وقف انسانني  لاطلاق النار ووقف الحرب في غزه , ويوصف اي انتقاد لحرب الاباده "الاسرائيليه". باللاساميه .

2-اعتبار حماس منظمه ارهابيه واعتبار كل من يتعاطف معها او مع المقامه الفلسطينه خطر على الامن القومي ,ومن هنا اتخذت بعض البلدان اجراءات قاسيه بحقهم مثل المانيا التي عمدت لشن حمله اعتقالات بحق المئات من "النشطاء الذين تعتبرهم مؤيدين لحماس" تمهيدا لمحاكمتهم وابعاد المقيمين منهم واجرءات اخرى ضد الالمان منهم.وفي بلدان غربيه اخرى يجري ملاحقه المنظمات والافراد المعارضين للصهيونيه و"اسرائيل" ومناصره فلسطين ومحاكمتهم .

3-اتخذت بعض الاحزاب الغربيه  اجراءات ضد الاعضاء  المناهضين للحرب الصهيونيه والمطالبين بوقف اطلاق النار تبعا لذلك.مثال ذلك حزب العمال البريطاني المعارض بقياده كير سترامر الذي وقف الى جانب حزب المحافظين الحاكم في التصويت البرلماني في 15-11-2023 على ادانه حماس وعدم وقف الحرب بل توقفا مؤقتا لاسباب انسانيه في تطابق مع الموقف الاسرائيلي.وقد عارض 56 نائبا عماليا ذلك ,وترتب عليه اعفائهم واستقاله بعضهم من وظائف برلمانيه وحكومه الظل في انحياز الكامل "لاسرائيل" او منع الترشح على قائمه الحزب الانتخابيه مثل جيرمي كوربن.هذا على سبيل المثال لاالحصر.

4- اتخذت في بعض البرلمانات اجراءات قاسيه بحق هؤلاء ومنها مجلس النواب الاميركي الذي وضع النائب  الفلسطيني السيده رشيده طليب تحت الرقابه كخطوه تسبق اسقاط العضويه لمجرد عرضها لمعاناه المدنيين الفلسطينين وخصوصا الاطفال بسبب الحرب "الاسرائليه "على غزه  والدعم الاميركي لها .وقد اطلقت الصحافه الصهيونيه على مجموعه البرلمانيات الست المتصامنات مع طليب  بالعصبه والاتهام بالاساميه .وهذا على سبيل المثال لاالحصر.

5-منع المظاهرات والمسيرات والتجمعات المؤيده لفلسطين والمستنكره "لاسرائيل " وقد منعت المظاهرات في عدد من المدن الالمانيه وتم تفريقها بالقوه واعتقال العديد من المحتجين .وفي بريطانيا عارضت وزيره الداخليه هذه المظاهرات لكن قياده الشرطه تمسكت بصلاحياتها في الترخيص .ورغم ذلك اجتاحت العالم الغربي وبلدان اخرى مظاهرات احتجاجيه مليونيه لاسابق لها لتاايد القضيه الفلسطينيه واستنكار الانحياز "لاسرائيل"

6- في انحياز فاضح لمؤسسات الاعلام الغربيه في انحيازها "لاسرائيل" ومعاداتها للفلسطينين  وتخل عن مهنيتها , فقد ترتب على ذللك تبني السرديه "الاسرائيليه " الكاذبه والتركيز على حدث 7 اكتوبر 2023 وتهميش مايجري من حرب اباده "اسرائيليه ضد الفلسطينيين" ولا انسنه الفلسطيني.والاخطر هو تسريح العديد من الاعلاميين والصحفيين من مؤسسات  مرموقه .مثال ذلك تسريح المحرر المرموق مارك  لامونت هيل من ال (سي ان ان ) بعد خطاب انتقادي لاسرائيل  في الامم المتحده  في نيويورك .اما الجارديان المشهوره كصحيفه يساريه  انهت عقدها مع رسام الكاركتير ستسيف بل بسبب نشره كاريكاتير لنتنياهو وبجسمه ندوب غزه . اما ال (بي بي سي) فقد عمدت الى تجميد عمل عدد من مراسليها العرب  لقيامهم بواجبهم  المهني في تغطيتهم لحرب الاباده "الاسرائيليه "على الشعب الفلسطيني ,وكذلك بعض وسائط الاعلام الجديد مثل الانستغرام والفيسبوك في سابقه تاريخيه

7- وبالنسبه للمؤسات الاكاديميه والمعروفة بحرمتها والتي شهدت احتجاجات لاسابق لها في اهم الجامعات الاميركيه والاوربيه والغربيه عموما مثل هارفارد وكولمبيا وباريس ولندن وبرلين وغيرها ,فقد اتخذت بعض اداراتها اجرءات تحد من حريه التظاهر كما اتخذت اجرءات عقابيه بحق بعض المحتجين في بعضها .فقد حذر  بعض الممولين لجامعه هارفارد من استمرار الاحتجاجات ضد "اسرائيل" ملوحين بامتناعهم عن التمويل .كما ان بعض مكاتب المحاماه وغيرهم والتي توظف وتدرب الطلبه  فقد طلبت تزويدهم بقاءمه المحتجين ليصار لحرمانهم من  التدريب والعمل مستقبلا .اما جامعه كولمبيا فقد عمدت لحضر على منظمتين طلابيتين فلسطينيتين.

8- تتعامل "اسرائيل" مع الدول ورؤسائها  ومسؤؤليها من الذين يعارضون ماتقوم يه من حرب اباده ضد الشعب الفلسطيني ,بعنجهيه مفرطه دون احترام لسياده الدول ومكانه قادتها .هناك اليوم عدد ولو محدود من البلدان المحترمه ومسؤليها ذي الكرامه ممن امتلكوا الشجاعه والنزاهه ليواجهوا الكيان المحتل ومنهم رئيس الوزراء الاسباني بيدرو سانشيز ورئيس الوزراء البلجيكي الكسندر دي كراون واللذان  حالت "اسرائيل " دون دخولهما غزه وعقدا مؤتمرا صحفيا امام بوابه رفح من الجانب المصري ,عبرا فيه عن رفضهما لقتل المدنيين الفلسطينين دون تمييز, وطالبا بوقف الحرب فورا.واثر ذلك استدعى وزير الخارجيه "ألاسرائيلي "كوهين سفيري البلدين واتهم بلادهما بدعم الارهاب .

هذه  عرض لبعض تجليات المكارثيه الجديده تحت غطاء معاداه النازيه,والتي اضحت طاهره عالميه لاحتواء ظاهره نقيضه من حملات احتجاج من قبل الجماهير وفي مقدمتهم الشباب والطلبه في مواجهه  التحالف الغربي الصهيوني ,الذي يريد ان يكرس شطب الشعب الفلسطيني والغاء الوطن الفلسطيني وتكريس الكيان الصهيوني على كامل فلسطين,والسير بمخطط خطير لشرق اوسط جديد تقوده "اسرئيل "بشراكه غربيه.وياتي ذلك ضمن مخطط تكريس سيطره الراسمايه الغربيه بقياده امريكا على العالم في وجه تحديات انعتاق الشعوب وتحررها من هذه السيطره.