DELMON POST LOGO

اقاله رئيس مجلس النواب الأميركي دلالاتها وابعادها

بقلم : عبد النبي العكري

في يوم الثلاثاء 3 أكتوبر 2023 شهد الكونجرس الأميركي حدثا غير متوقع ولاسابق له في تاريخ الولايات المتحده  الاميركيه  وهو اقاله رئيس مجلس النواب كيفن مكارثي فلم يحدث في تاريخ الولايات المتحده ان عزل رئيس مجلس النواب او الشيوخ  .ويذكرنا هذا  بحدث اخر لاسابق له أيضا عندما اقتحم انصار الرئيس السابق دونالد ترمب مبنى الكونجرس في 9 يناير 2020 ليمنع التصديق على نتائج الانتخابات الرئاسيه والتي فاز فيها المرشح الديمقراطي جو بايدن على المرشح  الجمهوري دونالد ترمب حيث الكونجرس ساحه لاحداث خطيره .

قبل ذلك بيوم, الاثنين  2 أكتوبر تقدم النائب الجمهوري مات جراتز بشكل مفاجئ بمشروع قرار للتصويت على اقاله رئيس مجلس النواب الجمهوري كيفن مكارثي في سابقه تاريخيه حيث الاثنان ينتميان لكنله نواب الحزب الجمهوري. رئيس المجلس مكارثي  خلف الرئيسه الديمقراطيه السابقه نانسي بيلوسي بعد ان توفر للجمهوريين اغلبيه ضئيله(221)  مقابل (212) للديمقراطيين,في يناير 2023 ولكن ليس بسهوله اذ استغرق الامر 15 جوله انتخابات   وبعد مساومات مضنيه مع الكتله  الأكثر تشددا  من النواب الجمهوريين  بقياده مات جراتز الموالي لدونالد ترمب للتفاهم على قضايا مهمه على جدول الاعمال ومنها الميزانيه الفدراليه وقضيه التحقيق في قضيه  ترامب,والثقه في مكارثي  وغيرها,وان مكارثي اضطر لتقديم تنازلات  ليؤمن فوزه بالرئاسه.ويرى مات جراتز ان مكارثي يفتقد الى الصدق والمصداقيه والثقه  فيما يتم الاتفاق عليه معه.فقد توصل لاتفاق مع الرئيس بايدن على الميزانيه المؤقته في حين ان الاتفاق هو عدم إقرار الميزانيه الا بعد الاقتطاعات وشطب المساعدات الى أوكرانيا وقضايا أخرى.

في يوم الثلاثاء 3 اكتوبر طرح مشروع القرار 519 للمناقشه والتصويت عليه , وكان الوضع متوترا وغامضا. الاغلبيه المطلقه للنواب الجمهوريين كانت ضد اقاله مكارثي رغم ملاحظات  البعض عليه .ورغم تأكيد الديمقراطيين انهم لن يدخلوا طرفا في نزاعات الجمهوريين الا انها فرصه على طبق من ذهب للتخلص من مكارثي الذي يتصرف كخصم للديمقراطيين وليس كرئيس لكل أعضاء المجلس .

لقد عمد الى احباط مناقشه انتهاكات ترامب للدستور الأميركي وعطل التوصل لاتفاق حول الميزانيه الفيدراليه محملا الديمقراطيين مسؤؤليه  ذلك وامر بالتحقيق في ادعاءات ضد الرئيس بايدن بهدف عزله وغير ذلك .ولذى فمن مصلحتهم ان يعزل. وهكذا توافقت مصلحه اقليه جمهوره ضئيلة (7 نواب ) مع كتله النواب الديمقراطيين (209) بما مجموعه 216 صوتا مقابل 210 صوت للنواب الجمهورين  بالموافقه على ازاحه مكارثى   في سابقه هي الأولى في تاريخ الولايات المتحده الاميركيه .وفي مؤتمر صحفي قصير اكد مكارثى ان خصمه مات جارتز لم يكن ابدا صادقا ويفتقر للحصافه االسياسيه وهوبذلك يضر بالحزب الحمهوري والعمليه الديمقراطيه. واكد انه لن يترشح لرئاسه المجلس مره أخرى.

لكن ازاحه مكارثي ليست نهايه الشقاق في صفوف الجمهورين او عدم التوافق داخل المجلس مابين الحزبين او التفاهم مع السلطه التنفيذيه والرئيس بايدن , بل ستفاقم االخلافات والانقسامات المذكوره وغيرها. اثر التصويت اعلن الرئيس المؤقت باتريك مكهنري ان المجلس في اجازه لاسبوع حتى يتاح الوقت لتفاهمات على مرشح لرئاسه المجلس ويبدو ان عمليه الاتفاق على مرشح جمهوري ستكون صعبه ومعقده وطويله في حين انه يتوجب انتخاب الرئيس قبل استحقاق إقرار الميزانيه الفدراليه قبل منتصف نوفمبر 2023 ويبدو  ذلك مستحيلا.كما امر بإخراج رئيسه المجلس السابقه نانسي بيلوسي من مكتبها في مبنى الكونجرس الى مكتب خارجه في بادره سلبيه تجاه الديمقرطيين في المجلس.

وبالنسبه لكتله النواب الجمهوريين والحزب الجمهوري عموما فان الانقسام الحالي سيتفاقم لان مكارثي كان يمثل القاسم المشترك للنواب الجمهوريين.  ويبدو انه لا توجد شخصيه بديله متفق عليها لرئاسه  المجلس قادره على تامين وحده النواب الجمهوريين  والتفاهم مع   النواب الديمقراطيين  والتوافق داخل المجلس  ومع اداره بايدن.وفي ظل التاثير الكاسح لدونالد ترمب على الحزب الجمهوري وهو يخوض معركته القضائيه وحملته الانتخابيه بنزعه يمينيه  وصداميه مع الديمقراطيين والليبراليين فان الصدام سيستمر في مجلس النواب .

ابعاد الاقاله ومضمومنها

تمثل اقاله مكارثي من رئاسه مجلس النواب وشريك مجلس الشيوخ كسلطه تشريعيه سابقه خطيره من حيث هيبه المجلس ورئاسته .كما تعكس غياب التوافق داخل مجلس النواب  والمؤسسات الفيدراليه حول القضايا الوطنيه .وقد شهدت فتره رئاسه دونالد ترامب المزيد من الاستقطاب  في الحياه السياسيه ,وصعود المد اليميني في جميع مناحي الحياه وتراجع الاندماج الاجتماعي ,وزياده الفوارق الطبقيه ,وتصاعد العنصريه.اضحى الحزب الجمهوري اكثر يمينيه ومعارضا بقوه لما تحقق للشعب الأميركي من حريات مدنيه معينه , وتعدديه ثقافيه .وشكل  صعود ترمب لسده الرئاسه مؤشرا ومنعطفا خطيرا  ,اذ انه لم يات من صفوف الطبقه السياسيه بل من أوساط ملاك الكازينوهات والعقارات ,وخاض معركته الانتخابيه تحت شعار "لنجعل اميركا عظيمه مره أخرى "بمفهوم تفوق البيض وتراجع الملونين والمهاجرين , واطلاق العنان للراسماليه,والتحريض ضد المهاجرين  كونهم يحرمون الاميركيين من فرص العمل . لهذا امر باقامه جدار عازل على حدود أمريكا مع المكسيك . كما طغت في عهده عدم توافق سلطه الرئاسه مع السلطات الأخرى.

لكن المنعطف الخطير تمثل في تعاطيه مع خسارته انتخابات الرئاسه  للمرشح الديمقراطي جو بايدن, حيث لم يسلم بنتيجه الانتخابات ووصفها انها مسروقه ومختطفه وتدخل بفجاجه في سير العمليه الانتخابيه  ليغير نتيجتها ,وعندما فشل في ذلك دعى أنصاره لاقتحام الكونجرس لمنع إقرار النتيجه ولم يتم تسليم السلطه لمنافسه في البيت الأبيض كما جرت العاده  .

منذ ذلك الحين تتالت الدعاوئ القضائيه الدستوريه والسياسيه والماليه والاخلاقيه  ضد ترمب ومعاونيه ,لكن ذلك لم يؤد الى عزله سياسيا بل العكس فقد تزايد نفوذه في الحزب الجمهوري وشعبيته في أوساط اليمين , وشعبويته في اوساط الجمهور البسيط . هو اليوم ابرز مرشحي الحزب الجمهوري للرئاسه ويتقدم كثيرا على اقرب منافسيه.وقد كان له تاثير كبير على اختيار وفوز المرشحين الجمهوريين للكونجرس وحكام الولايات ,حيث نجح الجمهوريون بالفوز باغلبيه ضئيله لمجلس النواب , فيما احتفظ الحزب الديمقراطي  باغلبيه ضئيله في مجلس الشيوخ .وبشكل عام فان اغلبيه ممثلي الحزب الجمهوري ذوي اتجاه يميني وينحون لمواجهه ممثلي الحزب الديمقراطي واداره بايدن .

بالنسبه لما جرى في مجلس النواب باقاله مكارثي بمبادره من اليمين الجمهوري  المتشدد فانه يعكس صعود اليمين في الحزب وفي الحياه السياسيه والعامه بشكل ملحوظ .لقد كان مكارثي ضمن الخط الرئيسي للحزب الجمهوري , ورغم ذلك فقد كان فوزه عسيرا بسبب معارضه المجموعة الجمهوريه المتشدده(20 نائبا) وتطلب الامر ان يقدم تنازلات وتعهدات حول كثير من القضايا للخط اليميني المتشدد و15 جوله من الانتخابات حتى فاز برئاسه المجلس .

ورغم كل ماقدمه لليمين الجمهوري ,فان توافقه مع النواب الديمقراطيين ومع اداره الرئيس بايدن لموافقه المجلس على الميزانيه الفيدراليه المؤقته للحؤؤل دون توقف الجهاز الفدرالي المدني , خلافا لرغبه الجناح المتشدد, كان كافيا لان يبادر هذا الجناح لطلب اقالته وهو مانجح فيه بتوافق مع الديمقراطيين.

ومن المتوقع ان يواجه خلفه وضعا وخيارات صعبه.معنى ذلك ان تستمر سياسه المواجهه وعدم التوافق مع الديمقراطيين ومع اداره بايدن بشان الميزانيه وغيرها ,والسير في التحقيق بحق بايدن تمهيدا لعزله وحجب المساعدات عن أوكرانيا والمزيد من التشريعات المنتقصه للحقوق المدنيه .واذا سار عكس ذلك فان الجناح الجمهوري المتشدد له بالمرصاد.

ستشهد الولايات المتحده الاميركيه على الصعيد الفيدرالي خلال 2024 منافسات الترشح لانتخابات الرئاسه وانتخابات أعضاء مجلس النواب  وثلث أعضاء مجلس الشيوخ  في 5 نوفمبر 2024 وما سيترتب عليه  من احتدام الصراعات مابين الحزبين الديمقراطي والجمهوري وداخل كل حزب وخصوصا الحزب الجمهوري . في ذات الوقت فان محاكمه ترمب في عدد كبير من القضايا سيلقي بظلاله على المعارك الانتخابيه خصوصا انه يتخذ موقف التحدي تجاه القضاء وهومستمرفي المشاركه في المهرجانات الانتخابيه التمهيديه وغيرها متمسكا باجندته اليمينيه وشعبيته مرتفعه حيث هو ابرز المرشحين الجمهوريين للرئاسه  حتى الان .لكنه اذا ادين ترمب وحكم عليه بالسجن قبل  انعقاد مؤتمر الحزب الجمهوري لاختيار مرشحه لانتخابات الرئاسه في  5 نوفمبر 2024 فان المعطيات ستتغير وبالتالي سيترتب عليها نتائج مختلفه ومنها اختيار مرشح اخر اكثر اعتدالا وذا سجل نظيف, مثل حاكم فلوريدا رونالد دي سانتوس .

اما بالنسبه للحزب الديمقراطي فهو اكثر اعتدالا وتماسكا لكن المشاكل قد تحتدم مع استمرار محاكمه هنتر ابن الرئيس  بايدن في قضايا جنائيه قد تنعكس عليه سلبا .كما ان أداء بايدن وعثراته وكفاءته  تؤثر بلا شك على حظوظه الانتخابيه خصوصا اذا كان منافسه ترمب .كما ان إخفاقات ادارته في الداخل والخارج ستكون ماثله امام الناخبين وسيستغلها الحزب الجمهوري ومرشحيه للرئاسه والكونجرس وغيرهم .

هذا وتواجه  الولايات المتحده  احتمالا كبيرا للركود الاقتصادي سينعكس سلبيا على حياه الاميركيين, حيث تعاني حاليا من التضخم وارتفاع أسعار الفائده والعجز الضخم في الميزانيه  وزياده الانفاق العسكري ’ بسبب  حرب أوكرانيا وغيرها وارتفاع الدين العام بما يتجاوز 33 ترليون دولار.لكن اختيار الحزب الديمقراطي لمرشح اخر يتمتع بالكفاءه والحيويه والتوافق داخل الحزب الديمقرطي والمجتمع الأميركي ستترتب عليه نتائج أخرى.

النائب الجمهوري الذي ساهم في اقالة رئيس مجلس النواب

رئيس المجلس المقال