DELMON POST LOGO

مؤتمر حزب المحافظين ينعقد وسط تراجع شعبيه الحزب

بقلم :عبد النبي العكري

خلال الفتره من1 حتى 5 اكتوبر2023 جرت اعمال مؤتمر حزب المحافظين في مدينه مانشستر تحت شعار "قررارات بعيده المدى مستقبل اكثر اشراق"   حيث وسط اجواء شبح الهزيمه في الانتخابات  العامه القادمه في  2024 وتشير استطلاعات الراي العام الحاليه ان حزب المحافظين والذي يحضى ب 352 مقعدا  في البرلمان البريطاني مما مجموعه 650 سيفقد اغلبيته  وانه يتوقع ان يهزمه حزب العمال بقياده السير كير سترومر باغلبيه كبيره .

ولكن تظل هذه استطلاعات راي  حيث ان هدف المؤتمر هو التأكيد على استمراريه حزب المحافظين في الحكم ويتبقى اكثر من سنه تفصلنا عن الانتخابات التي قد تشهد تحولات في راي الناخبين .

انعقد مؤتمر حزب المحافظين في ظل زعامه ريتشي سوناك  كاول رئيس وزراء من غير الانجلو ساكسون ( من اصل هندي) وبعد ارباك كبير للحزب في عهد بوريس جونسون و بسبب الاستقاله المفاجئه من قبل لزترس بعد شهرين من تكليفها بتشكيل الوزاره خلفا له , وقبل ان تنال الثقه حيث كان ريتشي سونيك منافسها في الشوط الأخير .وهكذا فان حزب المحافظين  الحاكم شهد صراعات وتقلبات عنيفه , حيث ان تغلبه على حزب العمال في ظل قياده جيرمي كوربن اليساري يعود لمعاداة الدوله العميقه لقيادته اليساريه المعارضة للإمبريالية الاميركيه والصهيونيه  . لكن الوضع يختلف الان في ظل زعامه كير سترومر ابن المؤسسه االحاكمه والذي عاد الى الموقع التقليدي الصديق للولايات المتحده و"إسرائيل" .

من خلال رصد مجريات المؤتمر في الأيام الخمسه فان الخلافات ما بين اقطاب الحزب والوزراء محدودة وقد تدخل  رئيس الحكومة وزعيم الحزب سوناك للتاكيد على مواقف الحزب والحكومه  .كما ان بعض الوزراء وقيادات الحزب وهي تطرح ارائها فانها تقدم مايشبه برامجها لمنافسه رئيس الوزراء سوناك .

يأتي مؤتمر حزب المحافظين في ظل أوضاع صعبه جدا ترتبت على خروج المملكه المتحده من الاتحاد الأوربي واستمرار الخلاف معه حول وضعيه ايرلندا الشماليه في هذه العلاقه وفاقمها انقسام في ايرلندا الشماليه حول ذلك والعجز عن تشكيل حكومه ائتلافيه بين ال شين فين (الجمهوري) والحزب الوحدوي(الملكي).كما ان  عده مدن بريطانيه قد شهدت مؤخرا مظاهرات واسعه تطالب بالعوده للاتحاد الأوربي والاستفتاء على ذلك . ومما فاقم الوضع الاقتصادي الزياد الكبيره في الانفاق العسكري بسبب تبعيه  بريطانيا للاستراتيجية العسكريه الاميركيه بنشر المزيد من القوات في انحاء مختلفه من العالم والدعم الهائل والمكلف للحرب في اوكرانيا.واضافه الى ذلك أعباء مواجهه تبعات الخروج من الاتحاد الأوربي وكلفه  التغير المناخي الاقتصاديه والماليه .

لقد أدى ذلك الى تحويل جزء مهم من الانفاق الحكومي من القطاع المدني الى القطاع العسكري والأمني. وكذلك فرض المزيد من الضرائب التي لاسابق لها خصوصا ان سياسه  حزب المحافظين التقليدية تقوم على الحد من الضرائب .ونعرض هنا اهم القضايا المطروحه في المؤتمر ومدى الخلافات والاتفاقات حولها وما سيتم تبنيه منها كبرنامج للمحافظين للانتخابات القادمه.

1-الضرائب : تشكل  الضرائب حاليا 37% من الناتج الوطني العام وهي الأعلى منذ نهايه الحرب العالميه الثانيه . وقد ارتفع معدل الضريبه على الاسرة البريطانيه بمقدار (3500)جنيه إسترليني مقارنه بنهايه 2019 .

وقد حاول عدد كبير من قيادات الحزب ونوابه قبيل المؤتمر اقناع سوناك بالوعد بتخفيض الضرائب لتحسين مكانه الحزب في الانتخابات القادمه ،وهو ماطرحته لز ترس رئيسه الوزراء السابقه لفتره وجيزه, لكن سوناك ومعه اغلبيه الوزراء تمسكوا بعدم تخفيض الضرائب الا بعد انخفاض محسوس للتضخم ( 6,7%) وان  ذلك لصالح البريطانيين خصوصا ذوي الدخل المنخفض.

2- الهجره : لاشك ان بريطانيا هي الوجهه الثانيه المرغوبه في اوربا للمهاجرين ومعظم الهجره من أراضي فرنساعبر بحر المانش حيث تحدث كل يوم ماسي الغرق. وترتبط بريطانيا باتفاقيات مع الدول التي ينطلق منها  المهاجرون وخصوصا فرنسا حيث تدفغ بريطانيا كلفه عاليه لمكافحه الهجره غير الشرعيه بما فيها كلفتها من الجانب الفرنسي .وسياسه المحافظين هي الحد من الهجره غير الشرعيه بكل الوسائل ,بما في  ذلك نقلهم بعضهم الى رواندا حيث حكم القضاء البريطاني والاوربي بعدم شرعيتها واسكان اللاجئين في سفن .وبالمقابل هناك الهجره الشرعيه والاستقرار لخريجي الجامعات والكفاءات وهو مرغوب لسد نقص البلاد من الكفاءات في ضؤ انحسار نسبي للمقيمين من مواطني الاتحاد الأوربي.

طرحت وزيره الهجره سويلا بريفرمان (من اصل هندي ) بان ليس من عمليه اندماج المهاجرين في المجتمع البريطاني,وهو مايستوجب التشدد تجاه الهجره,مثيره بذلك ردا قويا من قبل بعض الوزراء ورئيس الوزراء سوناك.

3-التغير المناخي: تواجه بريطانيا تبعات التعاطي مع التغير المناخي بما في ذلك التحول من الوقود الاحفوري ومصادر الطاقه الهايدروكربون الى الوقود والطاقه النظيفه والمتجدده .ورغم ان سوناك اكد تمسكه بالتحولات والمؤشرات  والجدول الزمني لهذا التحول الا انه اكد انه يتوجب ان تكون هناك مرونه في التحول بما في ذلك السماح بفتره انتقال أطول فيما يخص القيود المفروضه على  السيارات مع الالتزام بالهدف النهائي للحياد الكربوني في 2050 مما اثار شكوكا في سياسه الحزب تجاه التزامات بريطانيا.

4- طرحت في المؤتمر قضيه مشاريع المواصلات الكبرى وخصوصا مايعرف( بي اس)2 لانشاء شبكه سكه حديد كبرى تربط جنوب إنجلترا بوسطها وشمالها للقطارات السريعه بكلفه تبلغ 106 مليار جنيه مما يشكل عبئا ثقيلا على الخزانه البريطانيه وعلى حساب المشاريع المحليه .وقد اعلن سوناك ان المشروع سيختزل وتحول بعض اعتماداته لمشاريع تنمويه محليه.

5- منذ وصول سوناك الى زعامه المحافظين  ورئاسه الحكومه فقد ظل توجهه لتهدئه الخلافات والصراعات في حزب المحافظين والتي سادت الحزب منذ خروج بريطانيا من الاتحاد الاوربي واستقاله ديفد كاميرون , في ظل تيريزا ماي وبوريس جونسون ,ويمكن القول ان خط سوناك هو التوافق فيما بين قيادات الحزب استنادا الى الخط التقليدي المحافظ المعتدل سياسيا واقتصاديا واجتماعيا .وقد شدد خطاب سوناك على  ان المحافظين "يؤمنون بالعائله والهويه الجندريه وان الرجل رجل والمراه امرأه" وهو ماقد يجر عليه انتقادات واسعه  وقد تؤثر على حظوظه الانتخابيه.

5- دور بريطانيا في النظام الدولي مسآله مهمه ويترتب عليها سياسات والتزامات كبيره .تعتبر بريطانيا بنظر المحافظين قوه عظمى حليفه للولايات المتحده وتحالفها الدولي فيما يعرف باستراتيجه القطب الواحد. ويرتب على ذلك تبعات أهمها نشر قوات بحريه وغيرها في مناطق حيويه او تنافسيه  كالخليج وبحر العرب والبحر الأحمر وبحر الصين الجنوبي والمتوسط والبحرالاسود وغيرها. واقامه قواعد بحريه حيث اعادت بناء قاعدتها في البحرين وتامين تسهيلات بحريه عسكريه في عدة بلدان .وارسال قوات الى مناطق النزاعات مثل كوسفو. وتاتي بريطانيا  في المرتبه الثالثه بعد أمريكا وألمانيا في تسليح أوكرانيا ودعمها ولهذا كلفه عاليه .

وقد اكد المؤتمر على التمسك بهذه الاستراتيجه . وبالنسبه للقضايا العربيه فهي تتبع السياسه الاميركيه المنحازه الى الكيان الصهيوني على حساب الحق الفلسطيني والعربي ,والتحالف مع الانظمه الحاكمه في تعارضها مع مصالح واراده شعوبها .

الخلاصه هي ان مؤتمر المحافظين بزعامه سوناك توافق على السياسات التي يتبعها الحزب حتى الانتخابات القادمه وتوافق على القيادات الرئيسه للحزب واستمرار التشكيله الوزاريه الى حين والتي سيخوض بها المعركه الانتخابيه  القادمه . ورغم شحنه الامل التي بثها سوناك وكبار المسؤلين والوزراء في المؤتمر واوساط حزب المحافظين والجمهور البريطاني الاوسع ,الا ان البعض لم يتردد عن التصريح عن عدم ابداع حزب المحافظين وقيادته لسياسات وحلول مبتكره لمواجهه اوضاع صعبه وتحديات المستقبل وان على الحزب ان يعد نفسه لخساره الانتخابات القادمه.