DELMON POST LOGO

توهج سافرة – ديسمبر 1976 الاعتقالات بعد مقتل المدني

- نضالات ومعنويات المعتقلين شامخة وتاريخ ناصع للتيار القومي اليساري الديمقراطي التقدمي

- رفض  المحكمة لمحاولات الادعاء القسرية لربط الجريمة بالجبهة الشعبية وبراءة مكي ومنصور

- لازالت العدالة الانتقالية غائبة ورفض الجميع اغتيال المحامي والبرلماني والصحفي المدني

كتب – عباس هلال

كان خريف 1976 باردا مرتعشا بعد صيف لاهب واللاحق لصيف 1975 حيث حل المجلس الوطني في 26 أغسطس بعد ضربة الاعتقالات الاستباقية في 23 أغسطس لكوادر اليسار، وبين الصيفين كانت كوادر اليسار في جزيرة جدا وتزاحم محاكمات امن الدول ( تجديد او اطلاق سراح ) بموجب المرسوم بقانون بشأن تدابير امن الدولة الصادر في 22 أكتوبر 1974 والذي بدأ تطبيقه فورا رغم بداية دور الانعقاد الثاني للمجلس الوطني . كان خريفا هادئا بعد عودة الطلاب الى الجامعات حيث كان العمل الطلابي عاديا والذي شهد أيضا الحادث المروري الشهير واحتشاد الطلاب في مستشفى السلمانية حيث جرى الحادث لاحمد مطر ومحمد الجميري وعادل العسيري والمرحوم محمد مسعد والذي فقد احد عينينه في سيارة اللانسر الرصاصية حيث تركها عبد الرحمن عبد الرحيم والذي كان في بعثة لامريكا لصديقه احمد مطر . خريف نوفمبر 1976 لم يستمر ساكنا بعد الإعلان الرسمي عن جريمة مقتل عبد الله المدني في 18 / 11/ 1976 .
عبد الله المدني ، المحامي وامين سر هيئة مكتب البرلمان ورئيس تحرير مجلة المواقف الأسبوعية، كان الخبر مفزعا وتزايدت وتطايرت الهواجس بعد الإعلان الرسمي والحملة الصحفية تحت عنوان : العناصر الشيوعية تغتال المدني، وبالفعل بدأت حملة الاعتقالات السريعة بداية من شارع البديع حيث تم اعتقال الثلاثة الذين تم اعدامهم لاحقا وهم محمد طاهر وابراهيم مرهون وعلي فلاح وعرضهم على قاضي التحقيق بتاريخ 21 / 11/ 1976 فاعتقال احمد مكي  وعبد الأمير منصور وسيد إبراهيم سيد سلمان وامتداد اعتقلات لتشمل بعد أيام عبد الله مطويع والشهيد محمد غلوم وشوقي العلوي وفؤاد سيادي ( كان راجعا من الشام ) واستشهاد محمد غلوم بوجيري في 2 ديسمبر 1976 . وبداية المحاكمات حيث قدم الادعاء العام احمد مكي متهما رابعا وعبد الأمير منصور متهما خامسا ( علما بان اعترافات الثلاثة المعدومين امام قاضي التحقيق في 21 نوفمبر 1976 لم يكن فيها ذكر لاحمد مكي وامير منصور ) والشهيد محمد غلوم متهما سادسا !!! تحت حملة صحافية نشطة في اخبار الخليج وصدى الأسبوع والمواقف وفتحت سافرة قلعتها القديمة لحملة اعتقالات لاحقه وبداية تدشين معتقل جديد ومن الأسماء التي توافدت على سجن سافرة منذ النصف الأول من ديسمبر الكثير من المعتقلين 1- المرحوم د.جعفر الطريف ، 2- جعفر الصميخ ، 3 – ميرزا رضي ، 4- ميرز الجنضباري ، 5- خليل إبراهيم   ، 6- جواد العكري، 7- جواد مدن ، 8- عباس هلال، 9- عباس مرهون ، 10- عباس عبد العال ، 11- علي البنعلي، 12- احمد مطر ، 13- إبراهيم بوجيري ، 14- احمد حجيري ، 15- عدنان معراج ، 16- سيد حسن الستري ، 17- صالح مكي ، 18- مهدي مطر ، بعد ذلك مجئ شوقي العلوي وفؤاد سيادي وعبد الله مطويع .
كان ليالي سافرة موحشة بدون ملابس ولا فرش ، وبلا أدوات نظافة ازدادت رعبا خبر اعتقال سعيد العويناتي واستشهاده بعد ساعات.
وفي مطلع يناير 1977 تم نقل كوادر اليسار القابعة في جدا من المعتقلين الباقين منذ ضربة اعتقالات مايو 1974 ، المرحوم احمد الذوادي والمرحوم يوسف العجاجي وعباس عواجي ، ومن ضربة اعتقالات 23 أغسطس 1975 علي الشيراوي ، إبراهيم كمال الدين ، قاسم حداد ، جاسم سيادي ، علي الشرقاوي ، سلمان كمال الدين ، المرحوم عبد اللطيف راشد ، المرحوم عبد الله خليفة ، احمد زينل ، المرحوم محمد السيد ، المرحوم عبد علي احمد ، إسماعيل العلوي ، إبراهيم بشمي ، عبد الواحد احمد ، محسن مرهون .
- تم توزيع المعتقلين على عدة مرات بين زنازن القلعة القديمة والصندقات الخشبية التي تم تشييدها بشكل مستعجل ، وبلا كتب بلا كهرباء ، ومرافق بعيدة بائسة لكن معنويات المعتقلين كانت عالية ونضالها مستمر في تحسين الأوضاع ومعارك الأمعاء الخاوية استقرت فقط على الرسائل الشهرية والمقابلات الموسمية وتوقف محاكمات امن الدولة وصار توقيفا مفتوحا ، فالداخلية لم تلتزم هي الأخرى بمرسوم امن الدولة الإجرائية !!! ، كان الوضع في سافرة في حالة استنفار ، هدأت قليلا بعد تنفيذ حكم الإعدام في الثلاثة ( محمد طاهر ، إبراهيم مروهون ، علي فلاح )والثالث كان حكمه مؤبد في الابتدائي وم تعديله الى الإعدام في الاستئناف – فيما تمت تبرئة احمد مكي وعبد الأمير منصور في المحكمة الابتدائية والاستئناف ، فتم توقيفهما في التحقيقات الجنائية ما يقارب ثلاثة اشهر بعد تم نقلهما الى مستودع الجيش البريطاني القديم في  الجفير لثلاثة اشهر أخرى وبعد ذلك  في سجن القلعة – الجيل – قبل نقلهما الى جو في منتصف 1979.
-  في دورة صيف 1977 ضاق الحال واشتدت الحرارة فتم الردح والضرب على الأبواب ليليا للمطالبة بالنوم في العراء ، واستنفرت القوات في سافرة فتم حشرنا جميعا في مخزن القلعة القديمة المتراكم الاتربة ، كانت ليلة 23 يوليو فيما كانت انشودة الشاعر علي الشرقاوي تصدح وباعلى الأصوات – ياسجنا خبر أهلنا – واكتب امل واكتب صار – بكرة عيد الانتصار – ياسعيد ويا بوجيري قتلتك هزت ضميري .
وبداية استذاكر ادب السجون وقصائد مظفر النواب – البراءة ، حن بويا حن ، والابوذيات واشعار المقاومة الفلسطينية محمود درويش والقاسم والمناصرة .. فيما كان ادباء الاعتقال قاسم حداد وعلي الشرقاوي في ابداعات غزيرة ومثل ذلك المرحوم عبد الله خليفة وإبراهيم بشمي .
- في ديسمبر 1977 وبمناسبة عبد الجلوس والعيد الوطني تم اطلاق سراح مجموعة منهم علي الشيراوي ، إبراهيم كمال الدين ، المرحوم د.جعفر الطريف ، جعفر الصميخ ، جواد مدن ، احمد مطر ، إبراهيم بوجيري ، عباس عبد العال ، ميرزا رضي ، ميرزا الجنضباري ، عدنان معراج ، علي البنعلي ، سيد حسن الستري ، مهدي مطر ،  وبعدهم دفعة أخرى في ابريل خليل إبراهيم ، واحمد حجيري وغيرهم .. وبعد ذلك وصل عدد من المعتقلين الى سافرة ولفترات قصيرة منهم عيسى ملكة ، د. علي مكامل ، عبد الله جواد ، محمد جابر الصباح ( بقى الى جو ) ، فيما كانت الأجواء الخارجية حيث شرعت الحكومة في تكثيف البعثات وتاسيس اندية للطلبة بديلا للاتحاد وفروعه نهاية بسحب الجوازات.
- كان عام 1978 عامرا في سافرة كان فيها المعتقلون في دورة الانسجام والاندغام في وحدة موحدة سياسية إنسانية ووجدانية وتزايدت ابداعات الادباء وتوهج الرفاق ، فكان فجر السابع من فبراير 1978 ميلاد قصيدة الشهيد الشهيرة لقاسم حداد في زنزانة رقم 2 ، وفيما تناثر عطر قصائد الشرقاوي الغنائية والتي غناها لاحقا خالد الشيخ وروايات عبد الله خليفة ونمنمات وقصص إبراهيم بشمي .
- كان شتاء وربيع وصيف 1978 بداية زلزال المنطقة تفجر الثورة الإيرانية وكنا نتابع الاخبار طبعا عبر الراديو ترنسستر صغير ، كان الاعلام العالمي مشغولا عنا  !! ( تابعنا أيضا كاس العالم بالاخبار وفوز الارجنتين 3-1 على هولندا في النهائي 1978 ، ومثل ذلك في سجن القلعة – الجيل  THE JAIL، 1982 فوز إيطاليا على المانيا 3-1 ، ومثلما تالق المغرب الان تالق الأخضر البلومي  منتخب الجزائر بفوزه على المانيا  2-1 ، وقبل ذلك في بيروتAUB  مع الشباب 1974 وفوز المانيا عى هولندا 2-1 ) !!!!.
- بقينا في سافرة حتى 24 من شهر يونيو 1979 ، وكنا قبلها على علم بنقلنا لاحقا الى سجن جديد في جو ووفق رواية احد الضباط سيكون حالكم افضل وتقرر السماح لكم بالكتب هناك وتوفر المرافق الصحية والماء الحار !!! فبامكانكم الكتابة لاهاليكم وبتزويدكم بالكتب والمجلات خلال الشهر القادم !! .
كان نصيبي من الصناديق الخشبية ثلاث دفعات !!! الأولى مع خليل إبراهيم ، والثانية مع علي البنعلي والثالثة مع عبد الله مطويع ، وطوال الاعتقال الطويل في جدا وسافرة وجو القلعة لم يصدف ان صرت في زنزانة مع الحبيب المرحوم جواد العكري ، كنا ضمن المجموعة في السجن .
هذه شدرات سريعة ولنا فيما تفصيل عن سافرة والتي غادرناها غير اسفين الى جو في 24 /6/1979 ولنا وقفة تفصيلية في سجن جو والقلعة ، كما ستكون هناك حلقات عن ضربة ومحاكمات – اللجنة التاسيسية – الجبهة الشعبية ) في 1979 والمعتقلين الشباب عبد الجليل العرادي ومحمد رضا معراج ورضي الجبل وقبل ذلك فيصل عرشي وكريم سلمان واعتقالات أخرى متفرقة ، عبد الحميد مراد ، عبد الاله العربي ، وغيرهم.. الخ . وضربة ومحاكمات الجبهة الإسلامية ، جماعة هادي المدرسي ، وحلقات مفصلة عن ضربة ومحاكمات جبهة التحرير في صيف 1986 والمعتقلين الشباب احمد الذكير ورضي السماك وحسن المحروس .. الخ .
هكذا كان نضال المعتقلين وصمودهم واملهم وحلمهم شامخا لامعا .