- نضالات ومعنويات المعتقلين شامخة وتاريخ ناصع للتيار القومي اليساري الديمقراطي التقدمي
- رفض المحكمة لمحاولات الادعاء القسرية لربط الجريمة بالجبهة الشعبية وبراءة مكي ومنصور
- لازالت العدالة الانتقالية غائبة ورفض الجميع اغتيال المحامي والبرلماني والصحفي المدني
كتب – عباس هلال
كان معتقل سافرة – القلعة القديمة – والصندقات الخشبية في مطلع ديسمبر 1976 وما بعدها عصيبا مثل ما ذكرنا ، اشعل استشهاد محمد وسعيد لهيب وعنفوان وانين وتوهج المعتقلين في وحدة موحده سياسيا ووجدانيا ، استحضرنا عذابات المعتقلين السابقين، والسجون العربية ونضالات السجون العالمية وشهداء واسرى فلسطين من خلال الادبيات المحفوظة لقصائد محمود درويش والقاسم والمناصرة ( ليتني كنت طليقا في سجون الناصرة !! ) والسجون العربية ( المزه وعذرا وتدمر وعبد الحميد السراج في قتله لفرج الله الحلو والأنظمة اللاحقة والسجون المصرية – شهدي عطية – وفق ادبيات احمد فؤاد نجم والشيخ امام وصلاح جاهين .. الخ وقصر النهاية والمعبد البهائي – بغداد وأبو غريب السجن المركزي وادبيات الجواهري ومظفر النواب ، والمهدي بن بركة 1965 – الحي اللاتيني – سان جرمان – حانة لب – باريس . وادب السجون في قصائد قاسم حداد بلهيب قصيدة الشهيد ورمانسيات قلب الحب والذي زدانت وتزينت وزانت بها رسائل الشباب لزوجاتهم واحبابهم !!!.
وغنائيات علي الشرقاوي وقصص وروايات المرحوم عبد الله خليفة وقصص ومنمنمات ابراهيم بشمي .
خرجت دفعات تلو أخرى تعانق الحرية ، ومع كل فرحة اطلاق سراح تتجدد محنة وزفير وشهيق أهالي الشهداء .
رغم غليان الظروف الإقليمية والدولية والتي حجبت الى حد كبير الاعلام عنا !! خاصة بعد الحرب الاهلية في بيروت وانتهاء الثورة في ظفار وبعد مقتل الملك فيصل في 25 مارس 1975 ، وفي نهاية 1976 وبداية 1977 كنا نتابع الاحداث من خلال الراديو الصغير – ترانسستر – وبقيت اخبارنا في الخارج مقتصرة على البيانات وبعض الشذرات في المجلات اللبنانية المهاجرة الى لندن وباريس – الدستور – الوطن العربي – النهار العربي والدولي . لكن للسجون طقوسها ونضالاتها تخلق خلقا من رحم ابداع المعاناة وشرايين الإصرار.
جاء موعد الرحيل الى السجن الجديد في جو ، في 24 يونيو 1979 لمن بقى من المعتقلين وهم قاسم حداد وعلي الشرقاوي والمرحوم احمد الذوادي والمرحوم يوسف العجاجي وسلمان كمال الدين والمرحوم عبد علي احمد المقهوي وجاسم سيادي وفؤاد سيادي وإبراهيم بشمي والمرحوم جواد العكري وعباس هلال والمرحوم محمد السيد وإسماعيل العلوي ومحسن مرهون وشوقي العلوي والمرحوم عبد اللطيف راشد والمرحوم محمد جابر الصباح وعبد الله مطيويع والمرحوم عبد الله خليفة وعبد الواحد احمد واحمد زينل وتوافد اخرين عودة إبراهيم كمال الدين وعادل العسيري في جو ووصول محمد حسين نصر الله وفيصل عرشي واحمد مكي وعبد الأمير منصور وبعد ذلك وفي جو الشيخ محمد علي العكري قادما من ايران متوهجا !! ، واحمد الشملان ومجيد البلوشي بعد تخرجهما من الاتحاد السوفيتي.
كانت أوضاع الزنازن افضل من سافرة ، ونظافة المرافق والسماح وفق الوعود السابقة في سافرة بالكتب ( 4 كتب في المقابلات لكل معتقل ) وتراكمت كتب كثيرة تاريخية وفكرية وادبية وسياسية ( شكلت لاحقا مكتبة مزدهرة لسجن جو المركزي ) وعلي سبيل المثال موسوعة جواد علي تاريخ العرب قبل الإسلام من عشرة أجزاء وفجر الإسلام وضحى الاسلام وظهر الإسلام لاحمد امين ، والنزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية لحسين مروة ، وتراثية مثل الفرق بين الفرق لابي منصور الجرجاني والملل والنحل لابي عبد الكريم الشهرستاني .
دواوين شعرية ومسرحيات عالمية ، الظريف او المفارقة الحلوة ديوان قلب الحب لقاسم حداد مطبوعا 1981 والمكتوب في سافرة !! وبلون الحب اللون الأحمر .
لم تكن البداية سجن جو طبيعية ، وانما كانت بداية افتعال صدام من رئيس العرفان أ.ق ضد رفاقنا فيصل عرشي والمرحوم عبد اللطيف راشد وبعدهما المرحوم عبد الله خليفة ومحسن مرهون وعقوبات بدنية ونقل لزنازن القلعة الانفرادية . فيما كانت رد فعل المعتقلين شديدة بالاصوات والطرق علي أبواب الزنازن والعرائض ومعارك الأمعاء الخاوية الاضراب عن الطعام .
كما بدأت دفعات اطلاع سراح لمجموعات بداية من منتصف 1979 وديسمبر 1979 – وبقى الحال ساكنا في جو حتى الرحيل المفاجئ للمجموعة الباقية من الكوادر اليسارية في 10 ديسمبر 1981 الى القلعة في المنامة – بدية زنزانة البرج ليلة واحدة بعدها سجن الجيل الجديد ( ( THE JAIL.
( الجيل لغة تطلق على السجون وفق معناها السجن لكنها عرفا تطلق على سجن القلعة ) كان سجنا قديما وعاصرنا ايامه نصف مهدوم في 1975-1976 أيام المقابلات اثناء مرحلة جدا ، رجعنا له سجنا جديدا خرسانيا مغلقا اللهم من فتحة العين ذات الجفون المعدنية !!.
وأسماء ترحيل 10 ديسمبر 1981 للقلعة إبراهيم كمال الدين ومحمد حسين نصر الله وعباس هلال وجواد العكري وعادل العسيري واحمد مكي وعبد الله مطيويع واحمد الشملان ومجيد البلوشي ، كان سجن الجيل مزدحما بمعتقلي الإسلام السياسي ، وكانت المفاجئة وجود المرحوم سيد كاظم العلوي الرئيس التاريخي لهيئة المواكب الحسينية والمرحوم الشيخ احمد مال الله ( من النعيم ، وكان يقرأ عندنا في الحورة طوال الستينات واكمل علمه في الفقه والفلسفة في النجف )، وتم اطلاق سراحهما بعد فترة من الزمن ، فيما كانت الصلوات والادعية تصدح من خلال الزنازن – اللهم نسألك في دولة كريمة تعز بها الإسلام واهله وتذل بها الكفر وأهله !! - المرحوم الحاج علي المهندس.
في زنازن أخرى كان البعض من معتقلي 1979-1980 جمال عتيق وكريم سلمان (سترة) وفي 1982 سلمان سيادي ، كانت أوضاع سجن الجيل اكثر من قاسية ، حرمان من الكتب المجلات ، زنازن خرسانية مغلقة ، وعودة على بدء بالمطالبات.
فيما كانت متابعاتنا للعالم عبر الصديق المتنقل معنا راديو الترنسستر سواء الحرب العراقية الإيرانية ، اجتياح بيروت والعدوان الإسرائيلي وملاحم المقاومة اللبنانية في خلده والناعمة وحصولنا على أوراق جريدة اخبار الخليج حول اللجنة الوطنية لمساندة الشعب اللبناني الندوة التلفزيونية لرئيس جمعية الأطباء د.خليل حسن ورئيسة جمعية النهضة المرحومة وداد المسقطي – ومتابعة كأس العالم يونية – يوليو 1982 من خلال بي بي سي BBC ، وصوت المذيع لقد صال الأخضر البلومي وجال ضد المانيا 1-2 لمصلحة الجزائر في ربع النهائي والان المغرب !! ( أريك المغرب يشرق اريك الشام يشب يعب الكأس من ادبيات سافرة – قاسم حداد .
في مساء 23 يوليو 1982 ، فيما كان عنبر السجن ساكنا ، جاء المنادي من مكتب السجن عباس هلال وعادل العسيري ، نقل الى زنزانة البرج لاطلاق السراح ، وزعنا اغراضنا ، وفي اليوم الثاني صباحا ، نقلنا على القسم الخاص ، بخلاف العادة والعرف وكانت المناسبة عيد الفطر ، وانتهاء اربعينية الملك خالد ، وتولي فهد الحكم من بعد خالد في المملكة العربية السعودية ، اطلاق سراح مباشر وفق العرف والعادة ، وتم نقلنا للقسم الخاص وتم الطلب منا التوقيع على تعهد رفضت انا وعادل فأعدونا للزنازن القسم الاخر للجيل مقابل اللنكر lunger المطبخ وفرح الباقي مع وصول الاخبار لاهالينا اننا في الطريق الى بيوتنا ، في المساء خرج عادل العسيري وبقيت انا حتى 2 أغسطس 1982 صباحا وفي مكتب السجن كان الميجر سميث مستعد للذهاب لجدا قائلا you will go home وتم تكليف شرطي توصيلي بسيارته الخاصة لبيتنا في الحورة ( احمد مثنى والذي كان في إجازة ذلك اليوم - توفى رحمه الله في الالفية بنوبة سكر في سيارته ) فيما بقى الاخوة الرفاق وتم اطلاق سراحهم على دفعات جواد العكري وإبراهيم كمال الدين في 1983، و1984 . فيما نقل احمد مكي ومطيويع الى جدا مرة أخرى وتم اطلاق سراحهما في 1984.
بعد اطلاق سراحهم كانت أجواء القلعة مزدحمة ومتوترة اثناء وجودنا وتدفق دفعات الإسلام السياسي فيما تم تخصيص سجن جو لمحاكمات الجبهة الإسلامية – الشيرازية ( جماعة هادي المدرسي ) وابرز محكومين فيها سيد جعفر سيد كاظم العلوي – جمعة الجفيري ( بين 15-20 سنة ) – جاسم حسين رضا ( امين سر المجلس البلدي للعاصمة ) وعشرات.
لازلنا في صفحات محدودة من تاريخ المعتقلات لكوادر اليسار ، صفحات ومحطات ومحاكمات اريد لها النسيان وأريد لها الغموض ، ومن الواجب ان تبقى حاضرة للأجيال جيل بعد جيل تنويرا للحقوق واظهارا للنضال وتخليدا للوفاء .