DELMON POST LOGO

الكيان الصهيوني وجذوره الدينية في الكراهية والقتل والانتقام 1-2

إعداد : عبدالله جناحي.

في 17 سبتمبر 1978 أعلن عن جاهزية اتفاقات كامب ديفيد، التي تم التوقيع عليها في عام 1979 بين الرئيس المصري أنور السادات ورئيس وزراء الكيان الصهيوني مناحيم بيغن. في ذكرى هذا الإعلان الذي كان بداية المشوار "العلني" للتطبيع العربي مع هذا الكيان، وقبل أيام -١٣ سبتمبر- كان ذكرى التوقيع على معاهدة أوسلو بين الكيان وبعض القوى الفلسطينية، وبالأخص فتح. وفي استمرارية التطبيع، لابد من الكشف عن خبايا ولاشعور المسؤولين الصهاينة في تدمير مصر أولاً، والقضاء على الشعب الفلسطيني لاحقاً. وأعتقد بأن ما ورد من نصوص في كتاب اليهود (التوراة) خير دليل على هذه الخفايا التي لا يريد هذا الكيان أن يعرفها الرأي العام العربي والعالمي، ويحاول إخفاءها بقدر الإمكان. ومن هنا أحسست بضرورة التوسّع قليلاً في تلك النصوص التوراتية ذات العلاقة بأرض مصر باعتبارها الأرض التي عاش عليها اليهود، وقادهم النبي موسى إلى فلسطين. هذه الهجرة التي امتدت أكثر من أربعين عاماً كشفت عن جوهر ومعدن ربهم "يهوه"، وسياساتهم الانتقامية بحق الشعب العربي في مصر وفلسطين.

صحيح بأن التوراة يعتبر كتاباً مقدساً لليهود في العالم، لكن جزءًا كبيرًا من مضمونه أصبح من ثوابت الحركة الصهيونية العالمية، ثم من ثوابت الكيان الصهيوني بعد إعلان دولتهم في عام ١٩٤٨.

أولاً: جذور الحقد اليهودي على مصر:

المفكر السوري فراس السواح، المتخصص في الأديان والأساطير، يكشف ويحلل في كتابه (مغامرة العقل الأولى) بأن اليهود عاشوا في مصر "عيشة العبيد والأذلاء، وفروا منها استجابة لدعوة رجل فولاذي هو موسى". وقد تضاربت الآراء حول هذه الشخصية الفذة. ولعل أكثر هذه الآراء إثارة، النظرية التي ذكرها العالم النفساني "فرويد" في كتابه (موسى والتوحيد) بأن موسى مصري الأصل وليس عبرانياً، وأنه قائد عسكري من أتباع ديانة أتون، أول ديانة توحيدية معروفة تاريخياً، أسسها الفرعون أخناتون. ولما هلك أخناتون، ودمر كهنة الديانات التقليدية كل ما بناه تفرق أتباعه وأهله. إلا أن موسى التابع المخلص لأخناتون أخذ على عاتقه متابعة الرسالة، فقام باختيار اليهود، تلك الفئة الغريبة المضطهدة، للتبشير بينهم، وقادهم، لقاء اهتدائهم، في مسيرتهم الطويلة للخلاص من العبودية. ولعل هذا الاختيار الذي قام به موسى هو الذي أعطى فكرة اختيار الإله يهوه لليهود كشعب الله المختار في التوراة. بيد إنه عند محاولة موسى الهجرة مع اليهود كطائفة مظلومة بهدف نشر الدين الأتوني، كان فرعون مصر رافضاً لهذه الهجرة لعبيده وعماله اليهود. وهنا بالضبط هو سبب حقد اليهود/الصهاينة لاحقاً على الشعب المصري والأرض المصرية. ويتجلى هذا الحقد والانتقام في نصوص التوراة.

يشير فراس السواح أن إله العبرانيين "يهوه" من أكثر الآلهة ولعاً بالدماء والكوارث الشاملة. ففي سفر الخروج نجد موسى يحاول إقناع فرعون عبثاً بالسماح لشعبه بمغادرة أرض مصر إلى الأرض الموعودة في كنعان، وبعد أن ينال منه اليأس يلجأ إلى ربه الذي يشن حملة من الفتك الشامل بفرعون وقومه لإجباره على إطلاق العبرانيين. فيملأ آبار المصريين بالدم: (خذ عصاك ومد يدك على مياه المصريين وأنهارهم وخلجانهم ومناقعهم وسائر مجامع مياههم، فتصير دماً ويكون دم في جميع أرض مصر). ثم ينتقل لفنون تدميرية أخرى: (فمد هارون يده على مياه مصر فصعدت الضفادع وغطت أرض مصر، وبعد ذلك مد هارون يده بعصاه فضرب تراب الأرض فكان البعوض على الناس والبهائم. كل تراب الأرض صار بعوضاً. ودخلت الذباب بيت فرعون وبيوت عبيده وجميع أرض مصر بكثرة وفسدت الأرض من قبل الذباب، فماتت مواشي المصريين بأسرها، ومن مواشي بني اسرائيل لم يمت احد. فأخذ من رماد الأتون -المدينة التي تأسس فيها الدين (الأتوني) كأول دين توحيدي- ووقف بين يدي فرعون وذراه موسى إلى السماء فصار قروحاً وبثوراً منتفخة في جميع أرض مصر، فكان بردًا ونارًا متواصلة بين البرد شيء عظيم جداً. فضرب البرد في جميع أرض مصر، جميع ما في الصحراء من الناس والبهائم، وضرب البرد جميع عشبها وكسر جميع أشجارها. وساق الرب ريحاً شرقية على الأرض ذلك اليوم وطول الليل، وعند الصباح حملت الريح الشرقية الجراد على جميع أرض مصر. فغطى جميع وجه الأرض حتى أظلمت، فكان ظلامًا مدلهمًا في جميع أرض مصر ثلاثة أيام لم يكن الواحد يبصر أخاه، فلما كان نصف الليل ضرب الرب كل بكر في جميع أرض مصر، من بكر فرعون الجالس على عرشه إلى بكر الأسير الذي في السجن وجميع أبكار البهائم. فقام فرعون ليلاً هو وجميع عبيده وسائر المصريين، وكان هناك صراخ عظيم في مصر حيث لم يكن بيت إلا وفيه ميت. وعند هذا الحد فقط يقتنع فرعون بضرورة إطلاق بني إسرائيل فيفعل ذلك وهو مكره على أمره). ومن عادة يهوه  إفناء المدن بكاملها، فلا يترك منها أحداً أن ينجو ليحدث بأهوال ما حدث لها.

وتتكرر مثل هذه النصوص "الانتقامية" في التوراة، لدرجة أن هكذا "حقد" تجاه شعب وأرض مصر أصبح في "جينات" الصهاينة بعد اغتصابهم لأرض فلسطين، لذلك لم يتردد الكيان الصهيوني في المشاركة مع بريطانيا وفرنسا في شن العدوان الثلاثي، وبعده حرب ١٩٦٧، وبعد اتفاقيات كامب ديفيد كان لدى هذا الكيان الكثير من الإستراتيجيات الأمنية والاقتصادية والزراعية والمائية وغيرها والتي تهدف إلى تدمير اقتصاد واجتماع مصر، تماماً كما فعل ربهم "يهوه" قبل الميلاد، ويبدو أن هذا الأمر مستمر "كحلم" يهودي/صهيوني، وكثابت من ثوابت إستراتيجية هذا الكيان.