DELMON POST LOGO

عذاري في الشعر الغنائي

بقلم : عبدالله جناحي

عين عذاري في البحرين تعتبر رمزاً اجتماعياً وفنياً وأسطورياً، وفي الشعر تحولت إلى دلالة سياسية. بوصفها رمزاً للتمييز في التوزيع غير العادل للثروة الوطنية على عموم الشعب بشكل غير متساو، بل رمزاً لتقديم العطايا والمكرمات والموارد والثروات لمن هم غرباء، يتغانون، والأصيل الشريف المكافح المناضل العامل والفلاح والفقير وذوو الدخل المحدود، كالشجرة والنخلة اللاصقة بعين عذاري تذبل وتموت جفافاً وعطشاً وهي بالقرب من الماء/الثروة،وتفقر أكثر وتتألم، في حين الأخريات من الشجيرات المغتربات المتجنسات المنافقات يملئون بطونهم وجيوبهم بثروة عذاري.
وهنا انتشرت الحكمة البحرينية (عذاري تسقي البعيد، وتهد-أي تترك- الجريب-أي القريب-).
عذاري من عين ماء إلى أسطورة:
هناك العديد من المقالات تحدثت عن تحول هذه العين إلى خيال شعبي جميل. ومن هذه المقالات المنشورة التالي:
الأسطورة الأولى:
فتاة جميلة خرجت لتعبر تلك المنطقة التي تقع في وسط جزيرة البحرين، وبينما هي في طريقها خرج لها فارس ملثم أراد الاعتداء عليها، فطلبت منه أن يتركها في حالها، لكن الفارس أصر على الاعتداء عليها فرفعت كفها إلى السماء تستنجد برب العالمين، ومن خوفها ضربت برجلها الأرض بقوة فأحدثت فتحة في الأرض سقطت فيها وخرج من خلال تلك الفتحة ماء عذب، فعرف الناس هذه القصة من هذا الفارس الذي اختل عقله مما رآه فأخذ يروي القصة في كل مكان.
أما الأسطورة الثانية: فهي تختلف قليلاً عما سبقها، تقول إن هناك فتاة رائعة من أجمل عذارى البحرين، وذات صباح خرجت تستروح النسيم الندى، فإذا بالأرض تنشق أمامها عن فارس جميل الطلعة، اقترب منها وهو يتودد إليها، وراح يلقي على مسامعها أرق عبارات الغرام، وحين صدّته أعلن لها أنه إنما جاء ليتّخذها لنفسه زوجة، وسخرت الفتاة منه وهي تقول: “كيف تتزوجني وأنا مخطوبة لفتى أحبه وأهواه ولن أقبل عنه بديلا؟”، لكن الفارس الذي لم يصدقها طلب منها أن تضرب الأرض بقدميها فإذا تفجرت المياه تحت أقدامها تأكد من صدقها ورحل عنها، أما إذا لم تنفجر فهي إذن كاذبة وسيتخذها لنفسه بالقوة، ودقت العذراء الأرض بقدمها، فإذا بالأرض تنفجر ويندفع منها الماء في غزارة ليغطي سطح المكان، وليستمر تفجره فلا يتوقف أبداً، ومنذ ذلك الحين سميت العين: عين عذاري.
وخصصت موسوعة “ويكيببديا” على شبكة الإنترنت معلومات عن عين عذاري، وصفتها بأنها عين تكلم عنها الرحالة عبر التاريخ، وذكرها المؤرخون على أنها أشهر العيون في البحرين من حيث قوة اندفاع الماء من ينبوعها القوي، حيث كانت المياه تصل إلى القرى البعيدة عن قريتها، لهذا كانت عين عذاري بالفعل أسطورة ذكرها العديد من الرحالة قبل 800 عام، وذكرت في منقوشات تاريخية عدة عثر عليها كلها تروي لنا حكاية العين الأسطورة ذات الصيت الواسع، وعين عذاري من العيون الطبيعية المشهورة، ليس على مستوى البحرين فحسب، بل في كل دول الخليج والوطن العربي، فهي عين بحرينية امتازت منذ القِدم عن سائر عيون البحرين.
من واقع هاتين الأسطورتين تتوضح أن تسمية عذاري في الأصل دلالة لنساء عذريات قاومن حماية شرفهن وكبرياء ذواتهن من اغتصاب المحتلين والغاصبين لهذه الجزيرة الزراعية البحرية الهادئة. ولهذا تحولت هذه الأساطير إلى دلالات سياسية، ليست ضد الاستعمار الأجنبي، بل ضد الاستغلال والتمييز واللاعدالة المحلية.
عذاري في الشعر:
مثلما كل ثيمات الطبيعة كالمطر والنخيل وظواهر الطبيعة كالعواصف والزلازل وغيرهما استخدمت في الفن، فكذلك العيون الطبيعية والشلالات والأنهار، ومنها عين عذاري، وأولى القصائد- حسب اعتقادي- قصيدة للشاعر علي عبدالله خليفة في ديوانه (عطش النخيل):
عـــــذاري لي متى تسگين ذاك النخل لبعيد
عطــاشه ننتخي يمج ونرفـــع صوتنا ونعيد
نشـوف الگيظ عــيّد بالنخـل واحنا بليا عيـد
عذاري لي متى بهالساب يجري الماي من دوني ؟
نشـف ريج العشب ، يا عيب تركج زرعج الدونى
عجــب عكس الوفا تعطين ! يا أهل الخير ودّوني
شمالي العـين كنت يمها وراحت تسگي اللي بعيد
واضح من هذه القصيدة دلالاتها السياسية و"القهرية"، فهي تناجي هذه العين -رمز ثروات هذه الجزيرة/الوطن- بأن الشعب عطاشى/ فقراء، يشاهدون الفرح والرفاهية لدى البعيد من مكافحي هذه الأرض.
ومن المعروف بأن (الساب) يعنى ذلك المجرى الذي تخلقه العين لمجرى مياهها، فإذا بالقصيدة تصرخ: لماذا الماء يجري في الساب إلى صوب غير صوبي؟ فعشبي قد جف، وماء العين لغيري! هل هذا هو الوفاء يا وطني/ يقصد بالمتحكمين بالثروات جميعها. وصرتي تسگين البعيد- أي البعيدين عن الشعب المكافح العامل الفقير-.
لقد غنى هذا الموال المبدع الجميل الفنان أحمد الحداد للشاعر علي عبدالله خليفة، وكانت أولى الأغاني الوطنية التي تعلن عن اللامساواة في توزيع الثروة الوطنية في هذا الوطن المتجسد في عين عذراي.
القصيدة الغنائية الثانية:
كلمات الشاعر المرحوم الشيخ عيسى بن راشد آل خليفة، وغناء وألحان الفنان أحمد الجميري
عذاري
إنت يا سبة حرتي يا فاضح أسراري
يا مضيع أيام العمر و مرخّص الشاري
لو تدري أقدر أهجرك و اللا أداري
ما شفت منك هالجفا آه يا عذاري
آه يا عذاري ياللي بس تدور بعيد
كل ما تقربنا تصد وعنادك يزيد
كذبت إذني اللي سمعت بس عيني شافت
و الحين هاللي غيرك خله لك يفيد
لو تدري أقدر أهجرك و اللا أداري
ما شفت منك هالجفا آه يا عذاري
آلوم نفسي خلتك دوم أتدلل
الناس تحكي كلها أسمع ولا أسأل
ألحين بتعرفني عدل وهيهات تلقى
مني المحبه والوفا مثلات لول
لو تدري أقدر أهجرك واللا أداري
ما شفت منك هالجفا آه يا عذاري
وواضح من هذه القصيدة بأنها هجاء وجفاء من حبيبة شبّهها الشاعر بعين عذاري. لكنه بالمقابل يتقمص السمات والصفات التي اشتهرت بها هذه العين بأنه لن يقدم للحبيبة بعد اليوم أي محبة ولا الوفاء، كعين عذاري التي لا تقدم بركاتها وحبها ومياهها للنخيل اللاصقة بها.
القصيدة الغنائية الثالثة:
من كلمات وألحان الفنان خالد الشيخ، وغناء الفنان محمد الجميري.
عذاري وين الماي وينه
عذاري وين الماي وينه ..
عذاري لو تدرين .. لو تدرين زرعي مات
أنا سنين يا عيني كنت أسقيه ببحر العين
زرعنه بالعرق حبات روينه ورود
مع الأيام يا عيني يموت الزرع في يومين
عذاري لا تبكين على اللي راح
نور الصيف يا عيني
يرد الورد مثل ما كان
لو تبي عذاري تحكي اليوم روح قولها
يا عذاري الماي وينه ايش غيره
عذاري وين أغاني حق عصافير الهوى
وين أغاني الليل وينها يا ترى
عذاري وين فلاح العمر اللي روى
أراضي زينه كلها مخضره
ياما شمس القيظ في الحر ياعذاري اسجدت
والقمر صلى لسيفك واعشقه
يا عذاري يا عذاري
إنشيل غصون ونزرع غصون ونعيش أيامنه حق عذاري
يا عذاري .. يا عذاري
يغني الطير ويرقص الطير ويضحك الطير حق عذاري
يا عذاري يا عذاري
القصيدة واضحة في معانيها التي تتضمن ذات المعاني التي قصدها الشاعر علي عبدالله خليفة في مواله المتقدم ذكره.
القصيدة الغنائية الرابعة:
كلمات ربيع بلال، وألحان سليمان الملا، وغناء المطربة الكويتية نوال.
سموك عذاري
مع الغير أطباعك غير معاي أنا بالذات
أبد أبد ما فيك خير سمّوك سمّوك عذاري
أشره أشره أشره وأتشره عليك لأني منك وفيك
ظنيتك ظنيتك بر الأمان بر الأمان لين جيتك ألقى الحنان
وصار ظني فيك غير روح تلقى خير
غدرك غدرك غدرك ما يأثر علي إحساسي فوق كل شي
مليتك مليتك وهذا اللي صار إسمح لي بهذا القرار
لو حبي فيك غير روح تلقى خير روح تلقى خير
مع الغير أطباعك غير معاي أنا بالذات
أبد أبد ما فيك خير سمّوك سمّوك عذاري.
القصيدتان الغنائيتان الخامسة والسادسة للأسف لم أتمكن من الحصول على كلمات الأغنية كلها، ولا مؤلفها، ولكن الذي غناها الفنان الكويتي المبدع عبدالكريم عبدالقادر كأغنية وطنية للبحرين
لبسي قلايد من ذهب ياعين عذاري
‏وروي بساتين على صبح وعصاري
‏غني معاي للعيد يا حلوة التغريد
أما القصيدة الأخيرة فهي من غناء الفنان عبدالله رويشد في العيد الوطني للبحرين، ومن كلمات يوسف ناصر وألحان  حمد راشد الخضر:
يا نخلة البحرين لبسي القلايد
وغني ابساتينج حلو القصايد
في عيد غالينا حمد .. مليكنا وجه السعد
يالله عسى يسلم لنا طول العمر قايد
قبّل محياه الهنا في عيده الزاهر
وصافح يمينه المنى وغنا له السامر
يا عين عذاري عيدي فرحي معانا واسعدي
القاصي والداني حضر يهني ويعايد
وهاتان "القصيدتان!"، عكس جميع القصائد الأربع السابقة، لم تعطيا لعين عذاري أي دلالة كما في تلك القصائد، والأساطير التي ذكرت عن عذاري. بل بالعكس، فقد قدمت هذه العين بأنها تروي البساتين كلها صباحاً وعصراً دون تمييز أو تفرقة، وأن على عذاري وجميع البساتين بنخيلها ولوزها وفواكها وخضرواتها أن تفرح.
لذلك ممكن القول بأن رمزية عين عذاري باعتبارها دلالة لعطش النخيل بدل سقيها بمياه العين، لا توجد سوى لدى المنخرطين، أو الذين كانوا متعاطفين مع التاريخ الوطني، والمطالبين بالمساواة والتوزيع العادل للثروات/المياه كما في كل العيون المائية على كوكبنا، لا أن تكون تسقي البعيد وتهمل القريب!.