DELMON POST LOGO

علي بابا وعصابته يتحكمون ويحكمون

إعداد: عبدالله جناحي

في سياق بحثي لمن يحمي اللصوص من غاسلي الأموال الذين تمكنوا من الحصول على خزائن مضمونة بديلة عن الكهف السري للزعيم علي بابا والأربعين حرامي، كان مصطلح (الكليبتوقراطي) يتكرر كثيراً للتعريف الدقيق للزعيم علي بابا وأمثاله. فما معنى هذا المصطلح الجديد بالنسبة لي، والذي أسمعه لأول مرة، رغم أن مضمونه معروف لدى الجميع؟
حسب تعريف "ويكيبيديا" فإن الكلِبتوقراطية أو حُكم اللصوص، هي حكومة يستخدم قادتها الفاسدون السلطة السياسية للاستيلاء على ثروة شعوبهم، عادةً عن طريق اختلاس أو سرقة الأموال الحكومية على حساب عموم السكان. واللفظ مركب من مقطعين باللغة الإغريقية؛ أولهما «كلبتو» بمعنى لص، وثانيهما «قراط» بمعنى حُكم.
وعادة ما يكون نظام الحكم في تلك الحكومات في الأصل ديكتاتورياً أو استبدادياً، ومع ذلك فقد تظهر الكليبتوقراطية في بعض النظم الديموقراطية التي انزلقت إلى الأليجارية (حكم الأقلية). في نظام حكم الكليبتوقراطية، يُثري السياسيون الفاسدون أنفسهم سراً خارج سيادة القانون، من خلال الرشاوى، أو يقومون ببساطة بتوجيه أموال الدولة لأنفسهم أو لشركائهم. أيضاً، غالباً ما يصدر الفاسدون الكثير من الأموال المسروقة إلى الدول الأجنبية تحسباً لفقدان السلطة.
خصائص هذه الحكومات: ترتبط الحكومات الكليبتوقراطية عموماً بالدكتاتورية والأوليغارية (حكم القلة) والدكتاتوريات العسكرية وغير ذلك من أشكال الحكم الاستبدادي والمحسوبيات والتي تكون الرقابة الخارجية فيها مستحيلة أو معدومة. يحدث ضعف الرقابة أو يتفاقم نتيجة تحكم المسؤولين الكليبتوقراطيين في موارد المال العام ووسائل صرف هذا المال.
يتعامل الحكام الكليبتوقراطيون في كثير من الأحيان مع خزينة دولتهم كمصدر لثروتهم الشخصية، وينفقون الأموال على السلع الكمالية ويبذرون كما تُملي رغباتهم. ويحول الكثير من الحكام الكليبتوقراطيين الأموال العامة سراً إلى حسابات مصرفية شخصية عدة في بلدان أجنبية لتحصين أنفسهم مالياً في حال أُزيحوا عن السلطة. الكليبتوقراطية أكثر شيوعاً في البلدان النامية والدول المنهارة التي تعتمد في اقتصادها على تصدير الثروات الطبيعية. إن اعتماد الدول النامية على مدخول التصدير يكوّن شكلاً من الريع الاقتصادي، الذي يسهل سحبه دون التسبب في انخفاض الدخل. ما يؤدي إلى تراكم الثروة في أيدي النخب، وقد يساعد الفساد بهذا الشكل على زيادة توليد الثروة في الدولة. في الدول المنهارة، يُرجح الاعتماد على الاستيراد من الدول الأجنبية مع زيادة استنزاف الموارد الداخلية للدولة، فتُلزِم الدولة نفسها بعقود مع الشركاء في التجارة. ما يؤدي إلى قيام الكليبتوقراطية. تعقد النخب الصفقات مع خصوم الدولة الأجانب لإبقاء الوضع على ما هو عليه لأطول فترة ممكنة.
هناك شكل خاص من حكم الكليبتوقراطية يُسمى في الألمانية «اقتصاد السرقة» أو«اقتصاد النهب» إذ يعتمد اقتصاد الدولة بأكمله على السرقة والنهب والسلب في الأراضي التي غزتها.
(خلال فترة دراستي الجامعية، أشار أحد المراجع الرئيسية في الاقتصاد، بأن في الدول التي تحكمها حكومات من الفاسدين، جميع المعاملات والاستثمارات والمشاريع المحلية أو الأجنبية، تضع في دراسات الجدوى، ليس فقط تكاليف عوامل الإنتاج المعروفة اقتصادياً، كتكلفة القوى العاملة، والآلات والأرض، والمصاريف الثابتة والمتكررة والمتغيرة، بل يضعون عاملًا إضافيًا جديدًا، قليل من المفكرين الاقتصاديين الكبار أشاروا إليه كعامل من عوامل الإنتاج، ويسميه مؤلف ذلك المرجع بعامل الفساد الثابت، أي عامل الرشاوى منذ تقديم العطاءات ولغاية تشغيل المشروع، وما بعد ذلك، فضلاً عن النسبة الثابتة من الأرباح للزعيم علي بابا نفسه، أو بعض من أفراد عصابته الذين يعتمد عليهم).
كيف تتعرف على الحكومات الكلِيبتوقراطية:
هناك آثار واضحة وفاضحة مكشوفة تشير بأن هذه الحكومة أو تلك تقاد بإدارة كلِيبتوقراطية؛ فالنظام أو الحكومة الكليبتوقراطية في دولة ما تُضر بمصالح الدولة واقتصادها وشؤونها السياسية والحقوق المدنية فيها. فكلما كان اقتصادها منهاراً ومديوناً وعاجزاً. ومؤسساتها السياسية والقضائية هشة وتابعة. والحقوق المدنية ضعيفة أو معدومة، وكذلك المؤسسات المدنية والإعلامية كسلطة خامسة ورابعة، رقابية ضعيفة ولربما معدومة وتابعة، وهي المراقبة من قبل أجهزة الكليبتوقراطية الأمنية والسياسية والقضائية. كلما كان ذلك موشراً رئيساً بأنها تدار من قبل الكليبتوقراطيين.
أما المؤشر الثاني فهو أن الحكم الكليبتوقراطي يدمر آفاق الاستثمار الأجنبي ويضعف السوق المحلية والتجارة عبر الحدود بشكل كبير. فالاستثمار العالمي النظيف والمؤمن بالشفافية والحوكمة -ولو نسبياً- تراقب عن كثب تلك الحكومات، ولا تجازف الشراكة معها، وإن جاملتهم ببعض المشاريع ذات القيمة المضافة الضعيفة للمجتمع، وذات الربح السريع للمستثمر. وهي ذات "الحيل" الاستثمارية تمارس بين حكومتين كليبتوقراطيتين تقومتان بعقد اتفاقيات اقتصادية ضخمة، مصاحبة بكرنفال إعلامي مزيف، وكلتاهما تبحثان عن سر فتح خزينة الأخرى - الرقم السري لكهف علي بابا "إفتح يا سمسم"!.
والمؤشر الثالث هو أن الكليبتوقراطية في الأنظمة تختلس الأموال من مواطنيها عبر إساءة استخدام الأموال الواردة من الضرائب، أو الانخراط بشكل كبير في غسيل الأموال، فإنها تؤدي إلى تدهور نوعية حياة المواطنين بشكل كبير. وهو المؤشر الفاضح في كل المجتمعات التي تدار بنظام الكليبتوقراطي، حيث لا يتحسن وضع المواطن المعيشي والحياتي، بل يتراجع سنة وراء سنة.
إضافة إلى ذلك، وتكملة للمؤشر الثالث، تُحول الأموال التي يسرقها الكليبتوقراطيون من الأموال المخصصة لبناء المرافق العامة كالمستشفيات والطرق والمدارس والحدائق، إلى مشاريع شخصية ومصلحية، أو وهمية، وهذا ما يؤدي إلى آثار سلبية إضافية على نوعية حياة المواطنين.
وأخيراً-وليس آخراً- تفرخ هكذا نظام كليبتوقراطي، الأوليغارية -أقليات- غير الرسمية الناتجة عن النخبة الكليبتوقراطية "الديمقراطية"! -أو أي صيغة سياسية أخرى- تكون من مصلحتها الاستمرار في حكم الكليبتوقراطي، لأنه الحكم المناسب لهم، حيث يشربون من ثديه فتات الثروة والهيبة والقوة.
حكومة اللصوص هذه لم ولن تستطيع إنقاذ الاقتصاد المنهار، ولن تتمكن في علاج وتشافي مفاصل هذا الاقتصاد، مهما استخدمت من سياسات حديثة، لأنها هي أصلاً المسببة الرئيسية لهذه الأزمات، هي التي تسرق الثروة الوطنية في مسار الخطط المعلنة للتنمية ورفع مستويات المعيشة. فهي التي تفتح الثغرات في قنوات الاقتصاد لتمتص منها الجزء الأضخم من الثروة الوطنية. فالتسرب Leaking في مجرى الاقتصاد هي مسببها! فمن يُصلحَ الملحُ، إذا الملحُ فسدْ؟.
كيف يحمي الحرامي علي بابا نفسه وعصابته؟:
حددت الدراسات المعاصرة كليبتوقراطية القرن الحادي والعشرين بأنها نظام مالي عالمي يقوم معظمه على غسيل الأموال-يقدر صندوق النقد الدولي أن 2-5% من الاقتصاد العالمي هو اقتصاد كليبتوقراطي-. ينخرط الكليبتوقراطيون في غسيل الأموال بهدف إخفاء أصول ثرواتهم الفاسدة وحمايتها من التهديدات المحلية كعدم الاستقرار الاقتصادي ومنافسة الكليبتوقراطيين الجشعين. يصبحون بعد ذلك قادرين على تأمين هذه الثروات في الأصول والاستثمارات في الدول الأكثر استقراراً، حيث تُخزن للاستخدام الشخصي، أو تُعاد إلى البلد الأصلي لدعم أنشطة الكليبتوقراطيين المحلية، أو تـُنشر في مكان آخر لحماية مصالح النظام خارج الدولة، حيث تُحول الأموال غير المشروعة من نظام حكم كليبتوقراطي إلى الدول الغربية بهدف غسيل الأموال وتأمين الأصول. يشير تشوك غراسلي في تقريره The Peculiarities of the US Financial System make it ideal for Money Laundering، مارس 2018م-المصدر: وكيبيديا- أنه منذ عام 2011، يُنقل أكثر من تريليون دولار من البلدان النامية سنوياً في تدفقات مالية غير مشروعة نحو الخارج. ووجدت دراسة في عام 2016 أن 12 تريليون دولاراً سُربت إلى خارج روسيا والصين والاقتصادات النامية. مقدمو الخدمات المهنية في الغرب جزء أساسي من النظام المالي الكليبتوقراطي، حيث يستغل هؤلاء الثغرات القانونية والمالية في دولهم لتسهيل عمليات غسيل الأموال.  وهو ما أشار إليه التقرير أيضاً.
ومن أجل إخفاء مسروقاتهم ينشىء الكليبتوقراطيون أو من يعمل لصالحهم شركاتٍ وهمية مجهولة الهوية لإخفاء الأصول وملكية الأموال. ويمكن إنشاء عدة شبكات متشابكة مؤلفة من شركات وهمية مجهولة الهوية ويعينون مدراء لها لإخفاء هوية المالك المنتفع النهائي. كما تُحول أموال الكليبتوقراطيين إلى النظام المالي الغربي عبر حسابات تخضع لإجراءات ضعيفة لمكافحة غسيل الأموال أو لا تخضع لهذه الإجراءات مطلقاً، فبعد شراء الكليبتوقراطي لأحد الأصول، يصبح قادراً على بيعه مجدداً، وهذا ما يوفر أصلاً قانونياً للأموال يمكن الدفاع عنه. أظهرت الأبحاث أن شراء العقارات الفاخرة والطائرات الخاصة واليخوت الراقية وسيلة مفضلة للكليبتوقراطيين. وبالطبع قد يستخدم الكليبتوقراطيون بعضًا من أموالهم المغسولة للانخراط في عمليات غسيل السمعة وتوظيف شركات العلاقات العامة لتقديم صورة عامة إيجابية، ومحامين لكبح الملاحقة الصحفية لعلاقاتهم السياسية وأصول ثرواتهم.
الديمقراطيات الغربية تحمي علي بابا:
يشير التقرير المتقدم ذكره، بأن الولايات المتحدة تعتبر البلد المفضل عالمياً لغسيل الأموال، وحماية حكومات اللصوص-الكلبتوقراطية- ويرجع التقرير إلى دراسة قضائية في عام 2011 حول قضايا الفساد الكبرى، وجد البنك الدولي أن الولايات المتحدة كانت البلد الرائد في تأسيس الكيانات التي تشارك في غسيل الأموال. حيث تقدر وزارة الخزانة الأمريكية أن 300 مليار دولار تُغسل سنوياً في الولايات المتحدة. ويرى التقرير بأن هناك ثلاثة أسباب لازدهار النظام المالي للصوص الكبار العالميين في الولايات المتحدة وهي:
إن عدم وجود سجل ملكية انتفاعية يعني أن الولايات المتحدة أسهل بلد يمكن فيه إخفاء ملكية الشركة. حيث تنتج الولايات المتحدة سنوياً ما يفوق مليوني شركة أو مؤسسة، وما يزيد عن 10 أضعاف مجموع عدد الشركات الوهمية في 41 دولة أخرى من الدول التي تعد ملاذاً ضريبياً. المعلومات التي يحتاجها الحصول على بطاقة مكتبية حالياً أكثر من المعلومات اللازمة لإنشاء شركة في الولايات المتحدة.
بعض المهن الأكثر عرضة لخطر الاستغلال من قبل غاسلي الأموال لا تلتزم الاحتراز الواجب على العملاء المحتملين، بما فيهم الوكلاء المؤسسون والمحامون والسماسرة. ويشير التقرير إلى دراسة سرية في عام 2012 أن 10 فقط من 1722 من وكلاء التأسيس في الولايات المتحدة رفضوا إنشاء شركة مجهولة الهوية لحساب عميل مشبوه. ووجد تحقيق في عام 2016 أن واحداً فقط من 13 مكتب محاماة بارز في نيويورك رفض تقديم المشورة لعميل مشبوه.
يمكن لمثل هذه الشركات مجهولة الهوية الدخول بحرية في المعاملات دون الحاجة للكشف عن مالكها المنتفع. كما تُجرى الغالبية العظمى من التعاملات الأجنبية بالدولار الأمريكي، حيث يجري تداول تريليونات الدولارات الأمريكية في سوق الصرف الأجنبي في كل يوم ما يجعل المبالغ الكبيرة من الأموال المغسولة مجرد قطرة في بحر. ويذكر التقرير بأنه في الوقت الحالي لا توجد في الولايات المتحدة إلا نحو 1200 إدانة فقط تتعلق بغسيل الأموال، كما أن القانون يفشل في كشف غسيل الأموال على يد اللصوص العالميين الكبار وغيرهم من المجرمين الماليين في 99.9٪ من الحالات.
تضم الدول الغربية الأخرى التي يفضلها عصابات من أمثال علي بابا والحرامية الذين معه: المملكة المتحدة وما يتبع لها، وخاصة جزر فيرجن البريطانية وجزر كايمان وغيرنسي وجيرسي. تشمل الدول في الإتحاد الأوروبي قبرص وهولندا، وما يتبع لها من جزر الأنتيل الهولندية.