DELMON POST LOGO

محاضرة مملكة هُرمز العربية.. حكاية لم تنتهِ.. 2-3

تُعتبر البحرين نقطة عبور مهمة للطرق البحرية بين مضيق هُرمز وميناء البصرة وجسر رئيس للرحلات التجارية البحرية من مضيق هُرمز وإليها

 تجارة الخيول ودور المواني العُمانية فيها زمن هُرمز:
كانت تجارة الخيول العربية التي تصدر من سواحل شبه الجزيرة سواء من البحرين أو خورفكان أو جلفار أو سواحل عمان الأخرى، تُعدُّ المورد الاقتصادي الثاني للخليجيين بعد اللؤلؤ، وهو ما كان يشكل عنصراً ورقماً مهماً في ميزانية هرمز السنوية ومملكة الجبور في شبه الجزيرة العربية. وأكبر دليل على ذلك أن تجارة اللؤلؤ البحريني وحده كان يشكل ما بين 15-40 ألف أشرفي ضمن ميزانية هرمز العامة سنوياً.
وقد كانت تجارة الخيول تساهم في دخل هرمز مثلاً بحوالي 36 ألف أشرفي عام 1523، بينما أرتفع هذا المبلغ إلى 126 ألف أشرفي عام 1540. وكان سعر الحصان الخليجي في أسواق الهند عام 1520 يساوي 1500 أشرفي ذهبي، ولكن هذا السعر تضاعف بشكل كبير مع نهاية القرن السادس عشر للميلاد حيث وصل إلى 13,333 أشرفي ذهبي بما تضمن ذلك من عمولات للبائعين وللمسئولين البرتغاليين في الهند. وكانت الخيول العربية تُصدر من مواني عُمان النشطة جداً آنذاك، مثل: مسقط، وقلهات، وقريات، وظفار، وصُحار، وخورفكان.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن مملكة الجبور دخلت على خط تجارة الخيول بعد سيطرتها على تجارة اللؤلؤ والزراعة في البحرين في عهد أجود بن زامل. فقد كان ضمن شروط المساعدة التي قدمها السلطان أجود للإمامة الأباضية في عُمان ضد الملوك النباهنة، أن يقوم السلطان الخروصي بدفع جزء من حاصلات عُمان الزراعية إلى الجبور كل عام مع شئ من حرية التنقل تجارياً بين سواحل عُمان قرب ظفار بعيداً عن سيطرة الهرامزة على الساحل  العُماني حتى قريات وفتح طريق تجارة الخيول إلى تلك الموانئ ثم إلى الهند
وصفها البرتغاليون الخيول العربية بأنها من ثلاثة أنواع: خيول الجواهر النقية، خيول الرحلات، وخيول الاحتفالات. "وكان كل رأس منها يباع في الهند بداية الأمر ما بين 300 إلى 400 (Cruzado).
عدد الخيول التي تصدر كل عام من الخليج وساحل عُمان، مسقط وقلهات وقريات، وخورفكان ما بين 1500 إلى 2000 حصان. يرتفع أحيانا إلى ما بين 3000 - 4000 حصان.
قام شيوخ عُمان باستخدام الطرق الداخلية عبر الصحراء العربية وأسسوا منافذ جديدة لتجارة الخيول والبضائع. وإنشاء موانئ جديدة على الساحل الجنوبي من غرب من عُمان، في ظفار، ومرباط تحديداً للتجارة تلك.
العُمانيون لم يتبعوا سياسة الاحتكار بل الانفتاح على الآخر، وبشرف التاجر العربي المسلم؛ وهو الطريق الأمثل للربح.
كل الفعاليات الاقتصادية يقوم بها العُمانيون مع كوادر اقتصادية هُرمزية، وهناك مثل التاجر والزعيم المسقطي الشيخ راشد بن ربيع المسقطي وذريته. وهو الذي جعل هُرمز تحت سيطرة الكوادر العُمانية، بين 1530-1540م، إذ حكم وعاش الشيخ راشد المسقطي في هُرمز، كما جرت محاولة لاغتياله وأحرق بيته، وقُتل ابنه أحمد.
 أثر سيطرة مملكة هرمز على النشاط التجاري البحري العُماني:
- بقي النشاط البحري العُماني طوال وجود مملكة هُرمز، ولكن كانت أرباحه لصالح المملكة عموماً وليس للكيانات العُمانية ككل. إلى أن قام ناصر بن مرشد اليعربي بمشروع تحرير كل أراضي عُمان بين الداخل والساحل بعد تنصيبه إماماً، كما يذكر السالمي في ”تحفة الأعيان“، العام 1024 هـ (1615م.)، بينما يذكر ابن رزيق في ”الفتح المبين“ أن ذلك في العام 1034هـ (1624م). وعادت الأمور إلى نصابها تماماً العام 1650م.
 علاقة هُرمز بجزر البحرين:
جزر البحرين، كانت تضم آنذاك أكثر من 30 جزيرة، في أرخبيل تُقدر مساحته بـ 706 كيلو متر مربع، وهي تبدو مثل رقعة الشطرنج طافية على مياه الخليج. وأطول جزرها هي جزيرة البحرين، أو بما كانت تعرف به من اسم (أوال)، وتقدر مساحتها طولًا بـ 30 ميلًا من الشمال إلى الجنوب، وعرضًا بـ 10 أميال تقريبًا. وتعتبر شواطئها ذات مستوى منخفض عن سطح البحر، وعلى امتداد الشاطئ الشمالي يوجد حزام أخضر من الأراضي بطول 2 إلى 3 ميل مغطى بأشجار النخيل وغيرها من المزروعات. وكان الماء متوافرًا في جزر البحرين بكثرة عند وصول البرتغاليين إليها، وبسبب كميات المياه الوفيرة تلك؛ فقد تميزت منطقة الشمال الغربي والشرقي منها بالحقول الخضراء وبأعداد كبيرة من الماشية. ومن منطقة رأس الرمان في الشمال وحتى شاطئ قرية باربار في الغرب؛ كان يقع خليج صغير في المنطقة التي حدثت فيها أول معركة بين الجبور والبرتغاليين في عام 1521م، ثم أقام البرتغاليون في ذلك الموقع قلعتهم على قواعد حصون إسلامية قديمة. وهناك طريق تجاري بحري يربط البحرين بداخل شبه الجزيرة العربية، يمر بموانئ صغيرة في الجزيرة العربية، وهي العقير، والقطيف. وعبر هذه الموانئ كانت تصل البضائع إلى منطقة الهفوف، المدينة الرئيسة لواحة الأحساء، ثم عن طريق منطقة نجد، تصل إلى إقليم الحجاز. ونُشير هنا إلى أن قُطّاع الطرق من قبائل الصحراء كانوا غالبًا ما يقومون بتعريض هذه الطرق التجارية إلى المخاطر. أما المسافة في البحر بين مضيق هُرمز وجزر البحرين؛ فكانت تتطلب حين قطعها فوق المياه؛ حوالي 5 أيام ذهابًا ومثلها إيابًا في حالة وجود رياح مواتية.
إضافة لذلك، تُعتبر البحرين نقطة عبور مهمة للطرق البحرية بين مضيق هُرمز في جنوب الخليج وميناء البصرة في شمال الخليج، وجسر رئيس للرحلات التجارية البحرية من مضيق هُرمز وإليها، والبرية منها وإلى القطيف ثم إلى الحجاز على شواطئ البحر الأحمر.
وتُعتبر البحرين أيضًا مركز صيد اللؤلؤ في منطقة الخليج. ولهذا السبب فالجزيرة كانت تجذب جيرانها الأكثر قوة  من أجل السيطرة عليها، خاصة هُرمز، ذلك أن صيد اللؤلؤ كان في بداية القرن السادس عشر للميلاد؛ هو أهم عامل اقتصادي جاذبيةً في العالم الشرقي. إذ كانت جزر البحرين والقطيف تشكل مورداً مالياً حيوياً لمملكة هرمز يتمثل في صيد اللؤلؤ وبيعه والثروة الزراعية التي تنتج بهما، أضف إلى ذلك، أن البحرين والقطيف بالذات تعتبران رأس جسر للتجارة البحرية - البرية عبر الخليج ثم أراضي شبه الجزيرة العربية ثم إلى البحر الأحمر والشام. ومع كل تلك الأهمية الاقتصادية للمنطقتين التوأم؛ إلا إنهما شكلتا قلقاً سياسياً وصداعاً مزمناً لحكام هرمز. فكثيراً ما كانت تقع الخلافات والحروب بين مملكة هرمز والقبائل العربية الطموحة لتطوير كيانات سياسية لها مشابهة لهرمز على السواحل الشرقية لشبه الجزيرة العربية وقريبة من البحرين وعُمان ويكون أول ميدان لاختبار قوة هرمز أو ضعفها هو في محاولة سيطرة تلك القوي العربية على القطيف والبحرين تحديداً. ومن تلك القوي قبائل الجبور، الذين كافحوا للتخلص من سيطرة مملكة هرمز على السواحل العربية في الخليج، والعمل على المشاركة في أرباح التجارة الدولية العابرة لمنطقتهم عبر مد طموحاتهم للسّيطرة على مضيق هرمز من بوابة القطيف والبحرين والأراضي المتاخمة للمضيق في جلفار وصحار.
صورة تذكارية مع المحاضر