DELMON POST LOGO

صندوق النقد العربي يُطلق "تقرير نافذة على طريق الإصلاح: إصلاحات نظم الدعم السلعي في الدول العربية"

 أهمية إصلاحات نظم الدعم السلعي في سياق جهود الحكومات العربية لتوسيع الحيز المالي الداعم للنمو والتشغيل وتعزيز المرونة الاقتصادية

إصلاحات دعم الطاقة المُنفذة في عدد من الدول العربية تنجح في تحقيق وفورات مالية تتراوح بين 3.1 و5.1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي

تبني استراتيجية اتصال مكثفة للتعريف بأهمية إصلاحات نظم الدعم السلعي

في إطار جهوده لدعم متخذي القرار وصناع السياسات الإقتصادية في الدول العربية، ارتأى صندوق النقد العربي أهمية إصدار تقرير "نافذة على طريق الإصلاح" كتقرير متخصص يتطرق بشكل مفصل وتحليلي لأحد محاور برامج الإصلاحات الاقتصادية التي يجري تنفيذها في الدول العربية بما يسمح بعرض تجارب تلك الدول، وماهية السياسات والإجراءات التي يجري تنفيذها، والتحديات القائمة، والدروس المستفادة من واقع برامج الإصلاح المثيلة المنفذة عالمياً. يستهدف التقرير مساندة جهود الدول الأعضاء في تطبيق سياسات وبرامج الإصلاح الاقتصادي.
وقع اختيار موضوع " إصلاحات نظم الدعم السلعي في الدول العربية" ليكون محور اهتمام التقرير لعام 2022 في ظل أهمية هذه الإصلاحات في سياق تنامي اهتمام الحكومات حول العالم بإصلاحات المالية العامة، وتسارع تبني تدابير على جانبي الموازنة العامة للدولة من شأنها توسيع الحيز المالي بما يُمكّن الحكومات من المزيد من الإنفاق الداعم للنمو والتشغيل ومواجهة التحديات الاقتصادية. في ضوء ما سبق، يتناول هذا الإصدار من تقرير نافذة على طريق الإصلاح تجارب إصلاحات نظم الدعم السلعي في عدد من الدول العربية.
أشار التقرير إلى تكثف وتسارع وتيرة تلك الإصلاحات خلال العقد الأخير لاسيما في أعقاب عام 2014 في ظل الضغوطات التي شهدتها الموازنات العامة في عدد من الدول العربية سواءً نتيجة للانخفاض المسجل في الأسعار العالمية للنفط الذي تسبب في ضغوطات على موازنات الدول العربية المصدرة للنفط، أو في ظل حاجة عدد من الدول العربية المستوردة للنفط إلى توسيع الحيز المالي بما يسمح بزيادة الإنفاق العام الداعم للنمو والتشغيل.
زاد من أهمية إصلاحات نظم الدعم السلعي مؤخراً الدلائل العديدة التي أظهرت عدم كفاءة نظم الدعم السلعي المُعمم التي تفتقر إلى آليات دقيقة لاستهداف الشرائح المستحقة للدعم، وتوجه الدعم في المقابل إلى الشرائح الأغنى في عدد من الدول التي طبقت هذه النظم، حيث أشارت الدلائل على سبيل المثال إلى توجه النسبة الأكبر من الدعم إلى الشريحة الأغنى من السكان، ناهيك عن دور نظم الدعم السلعي المُعمم في زيادة مستويات هدر الاستهلاك من السلع المدعمة، وتشويه آليات توزيع الموارد الاقتصادية.
بناءً عليه، تبنت الدول العربية العديد من الإصلاحات لنظم الدعم السلعي تركزت في التحرير التدريجي لأسعار الطاقة، وتبني آليات التمرير التلقائي للتغيرات في الأسعار العالمية للطاقة إلى السوق المحلية، وتوجيه الوفر المالي الناتج عن تلك الإصلاحات إلى تقوية شبكات الأمان الاجتماعي، والتوجه في المقابل إلى تبني نظم الدعم النقدي سواءً المشروط أو غير المشروط لتمكين الفئات الهشة من تحمل التبعات الاقتصادية الناتجة عن برامج الإصلاح الاقتصادي المختلفة التي تم تبنيها خلال تلك الفترة. ركزت الجهود المبذولة في سياق هذه الإصلاحات على الاستهداف الدقيق للمستحقين للدعم وعلى وضع أسس واضحة للاستهداف، وبناء قواعد بيانات وطنية، وسجلات اجتماعية تتضمن كافة خصائص الأفراد والأسر المستحقة للدعم، بحيث يتم تتبعها زمنياً بما يسمح بتحديث قوائم المستحقين بشكل مستمر.
لقد لعبت شبكات الأمان الاجتماعي القوية دوراً مهماً في تمكين عدد من الدول العربية من مساندة الأسر والأفراد المستحقين للدعم خلال فترة جائحة كوفيد-19، وساهمت في التخفيف من التبعات الاقتصادية والاجتماعية للجائحة على تلك الفئات، وأظهرت ديناميكية ملموسة في التعامل مع المستجدات التي فرضتها الجائحة ولعل من أهمها، إمكانية توسيع نطاق المستفيدين من الدعم في إطار هذه الشبكات ليشمل العمالة غير الموسمية خلال فترة الجائحة.
وفي ظل تركيز العديد من هذه الشبكات على آليات الدعم النقدي المشروط، تمكنت بعض الدول العربية من تحسين مستويات معيشة الفئات المستحقة والمساهمة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة من خلال ربط الحصول على الدعم النقدي، بانتظام التحاق أبناء الأسر المستحقة بالتعليم، أو بالانتظام في الحصول على الخدمات الصحية، وغيرها من شروط الحصول على الدعم التي ساعدت على زيادة مستويات العائد الاجتماعي والاقتصادي من تلك الشبكات. كما تميزت هذه الشبكات كذلك بتركيزها مؤخراً على بناء مقدرات الأسر المستحقة للدعم من خلال توفير التدريب لتلك الأسر أو تمكينها من تأسيس مشروعات صغيرة ومتوسطة. بالتالي العمل على تعزيز الاعتماد على الذات والاستقلالية المالية لتلك الأسر من خلال التركيز على مجموعة من البرامج والمشاريع الهادفة إلى تحويل الأسر من أسر محتاجة إلى أسر مستقلة مالياً من خلال الدور القوي لشبكات الأمان الاجتماعي
كما ترافق مع هذه الإصلاحات سياسات شاملة لإصلاح قطاعات الطاقة في الدول العربية، تم بمقتضاها تبني سياسات تعديل تسعير منتجات الطاقة بما يسمح باسترداد التكلفة، وتعزيز مستويات الاستثمار والربحية، إضافة إلى سياسات موازية كذلك لتشجيع مصادر الطاقة المتجددة وفق الاستراتيجيات والرؤى المختلفة التي تبنتها الدول العربية مؤخراً والتي تستهدف زيادة نصيب مصادر الطاقة المتجددة في مزيج الطاقة في الدول العربية إلى ما يتراوح بين 30 و50 في المائة مستقبلاَ.
وفي ظل الإصلاحات المنفذة لنظم الدعم السلعي، شهدت كلفة تلك البرامج انخفاضاً ملموساً وهو ما خلق وفورات انعكست إيجاباً على موازنات عدد من الدول العربية، خاصة فيما يتعلق بدعم الطاقة، حيث تشير الإحصاءات المتاحة إلى تراجع مخصصات دعم إنتاج واستهلاك الطاقة كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي في إحدى عشرة دولة عربية ما بين عامي 2015 و2020.  بما ساهم في تحقيق وفورات تقدر بنحو 2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في المتوسط على مستوى هذه البلدان، فيما ترتفع وفورات إصلاح دعم الطاقة كنسبة من الناتج بشكل كبير في الدول العربية التي نفذت إصلاحات ناجحة لدعم الطاقة والمشمولة في هذا التقرير، تراوحت ما بين 3.1 و5.1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.
على مستوى الموازنات العامة، نتج عن إصلاحات نظم الدعم السلعي مكاسب تمثلت في خفض نسبة الإنفاق على الإعانات إلى إجمالي الإنفاق العام وبالتالي ترشيد الإنفاق العام، بما أدى إضافة إلى إصلاحات تعزيز جانب الإيرادات العامة إلى تراجع مستويات العجوزات في الموازنات العامة للدول التي تبنت هذه الإصلاحات كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي خلال الفترة (2016-2021)، وهو ما يشير إلى نجاح تلك الإصلاحات في توسيع الحيز المالي المتاح لتلك الدول، ويتضح من تراجع مستويات عجز الموازنة العامة في هذه البلدان التي طبقت إصلاحات نظم الدعم السلعي نتيجة دور تلك الإصلاحات في ترشيد الإنفاق العام.
في ضوء ما سبق، خلص التقرير إلى عدد من الدروس المستفادة والانعكاسات على صعيد السياسات نوردها على النحو التالي:
 أهمية تنفيذ إصلاحات دعم الطاقة في إطار خطة شاملة لإصلاح قطاع الطاقة يتم بمقتضاها التسعير العادل لمنتجات الطاقة بما يسمح باسترداد التكلفة وتحقيق عائد يساعد على تعزيز الطاقات الإنتاجية.
 التدرج في تنفيذ إصلاحات دعم الطاقة بالبدء بمصادر الطاقة الأكثر استخداماً من قبل الشرائح الأعلى دخلاً، وإرجاء إصلاحات مصادر الطاقة الأكثر أهمية بالنسبة للفقراء إلى نهاية البرنامج وإلى حين يتوفر الوقت الكافي للدولة لتقوية شبكات الأمان الاجتماعي.
 الاستفادة من آلية التمرير التلقائي للتغيرات في الأسعار العالمية للطاقة إلى السوق، والاستفادة من المرونة التي يتيحها استخدام هذه الآلية في أوقات الأزمات الاقتصادية.
 أهمية شبكات الأمان الاجتماعي كآلية للوقاية من الصدمات الاقتصادية، ومواجهة الأزمات الاقتصادية، وتخفيف عبء تكاليف الإصلاح على الفئات الهشة، وكبديل أكثر كفاءة لنظم الدعم السلعي المُعمم.
 أهمية توجيه الوفورات الناتجة عن إصلاح نظم الدعم السلعي إلى تقوية شبكات الأمان الاجتماعي وتوسيع نطاق شموليتها للفئات المستحقة، عن طريق تخصيص نسب محددة من هذه الوفورات لدعم المخصصات المالية الموجهة إلى هذه الشبكات.
 التحول إلى نظم الدعم النقدي المشروط بما يسمح بتحسين مستويات معيشة الفئات الفقيرة والمساهمة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة لاسيما فيما يتعلق بربط الدعم بتحسين مستويات النفاذ إلى التعليم والصحة والتدريب وأسواق العمل.
 تبني نظم دقيقة تستند إلى معايير وأسس واضحة للاستهداف على المستوى القومي يتم تطبيقها في سياق بناء قواعد بيانات شاملة وسجلات اجتماعية وطنية، وتنقيح هذه القوائم بشكل دوري بالاستفادة من الدور المحوري للجمعيات الأهلية في هذا الإطار.
 الاستفادة من فرص التحول الرقمي في الربط الإلكتروني لقواعد البيانات ذات الصلة ومن التحويل الإلكتروني للأموال لمستحقي الدعم عبر حساباتهم المصرفية أو المحافظ الرقمية المتوفرة من خلال الهواتف الجوالة بما يساعد على زيادة مستويات الشمول المالي.
 المراجعة الدورية لنظم تسعير إنتاج واستهلاك الطاقة بما يساعد على تشجيع مصادر الطاقة المتجددة.
 تبني استراتيجية اتصال مكثفة للتعريف بأهمية إصلاحات نظم الدعم السلعي للحصول على الدعم الشعبي الواسع، وهو ما يعتبر متطلباً أساسياً لنجاح إصلاحات الدعم.