DELMON POST LOGO

الاعلام والفن وسنوات الاحتضار والموت البطيء

بقلم : محمد الانصاري
اصبح العمل الاعلامي في البحرين بحاجة ماسة لإعادة احيائه من جديد ، حيث تراجع كثيرًا وتدريجياً في السنوات الاخيرة حتى صار يحتضر في الوقت الحالي ، بعد ان كان في مقدمة الصف الخليجي ، فلم تعد البحرين تنتج المسلسلات الرمضانية الرائعة و لا الاوبريتات الجميلة ، كما بات العمل المسرحي يواجه تحديات غير مسبوقة تهدد بتوقفه بشكل نهائي ، وحتى الاعمال الخليجية الزائرة التي كانت تقدم في مسارح المملكة و الحفلات العائلية التي كانت مقصدًا للمواطنين والخليجيين هاجرت ومن دون عودة الى بلدان الجوار .
منذ سبعينات القرن المنصرم و حتى نهاية التسعينات كانت البحرين وفي كافة المجالات الاعلامية والفنية تنتج أعمال متميزة ومستمرة ، عندها لم يكن في البلد جامعات بها كليات و أقسام متخصصة في الاعلام ، ولم يكن لدينًا آلاف المتخصصين في النقد والاخراج والصحافة والتلفزيون ، كما كان التمويل المالي مسالة اصعب من الوقت الحالي بكثير ، وأجهزة الاعلام من كاميرات و كمبيوترات وبرامج اخراج و غيرها كانت محدودة ، رغم كل ذلك لم تتوقف البحرين عن انتاج اعمال فنية وإعلامية حُفرت في ذاكرة الناس حتى اليوم.
انه بات من الضروري مراجعة الوضع الذي آلت اليه الأعمال الفنية و الاعلامية التلفزيونية والمسرحية ، كما اصبح ملحاً جداً المصارحة والعلاج بأسرع وقت.
انني اعتقد انه هناك اسباب كثيرة وراء هذا الحال الذي وصلنا الية ، و لكني ارجح سببين رئيسين هما على الأرجح العلة التي ان تمكنّا من علاجهما سوف نعود لسابق عهدنا بل و أفضل و هما :-
اولاً : خلط السياسة بالفن و الثقافة والاعلام ، وهذه مشكلة تواجة البحرين ليس فقط في الاعمال الاعلامية والفنية بل في كل زاوية من زوايا الحياة اليومية ، عشرات الاعمال المسرحية و التلفزيونية تهرب من البحرين بهذا السبب ، واذكر على سبيل المثال في عام ٢٠١٣ كان المخرج البحريني الرائع علي  العلي على وشك تصوير عمل تلفزيوني متميز تم عرضه في التلفزيونات الخليجية الا انه وللأسف مُنع من التصوير في البحرين ، وكان المنع بسبب مرتبط بالظروف والاوضاع والمحتوى السياسي للعمل ، رغم ان العمل عرض في اكثر من قناة تلفزيونية  خليجية ولم يتحدث أحد بسلبية عن محتوى العمل.
ان اي فنان و أعلامي اصبح يتردد كثيرًا قبل تنفيذ اي عمل فني وإعلامي خوفاً من مقص الرقيب وادواته القانونية من حبس وغرامة و إساءة في وسائل الاعلام و التواصل ، وبين قمع الجمهور الذي اصبح يقيس كل شيء بمسطرة القواعد والتحالفات السياسية ، وهذا اذا لم يتوقف لن يكون لاي اعلام وفن حر و راقي مكانً في هذا البلد.
اما السبب الثاني فهو في القائمين على اجهزة الاعلام ، حيث ان الكثير من المسئولين في مختلف الاماكن المرتبطة بالاعلام والانتاج الفني والثقافي ليس لهم علاقة بهذا المجال من قريب او بعيد ، لذلك وكما يقول المثل فاقد الشيء لا يعطيه.
ختاماً ادعو المسئولين و الاعلاميين والفنانين ان يراقبوا الإنتاج المحلي في شهر مضان المبارك و ايام العيد ، وان يقارنوا هذا الانتاج بالانتاج قبل ربع قرنٍ من الان وسوف يتضح لهم بشكل جلي عمق الخسارة التي نحن فيها الان.