بقلم : محمد الانصاري
راهن الكثير من المراقبين ونشطاء حقوق الانسان على التغييرات التي سوف تقوم بها الإدارة الامريكية الجديدة بقيادة الرئيس جو بايدن في سلوكها التقليدي تجاه العرب ، ظن البعض ان المواقف الامريكية من القضايا العربية سوف تكون اكثر عدلاً ، و توقع آخرون ان تقوم الأجهزة الرسمية الأمريكية بمراجعة طريقة عملها في المنطقة العربية ، كانوا يقولون ان الإدارة الجديدة سوف تقف مع الشعب الفلسطيني حتى ينالوا حقوقهم ، وان بايدن سوف يتصل مهدداً رؤساء الدول الدكتاتورية من آجل إعطاء المزيد من الفرص والحريات للشعوب ، وان بايدن قيد يأمر الجيش الامريكي بالتدخل لحسم النزاعات في سوريا و ليبيا و ميانمار ، ولكن خابت تلك الأماني والظنون ، حتى صرنا نغني مع فنان العرب محمد عبدو : " كنت أظن وكنت أظن وخاب ظني ".
وللمزيد من معرفة حقيقة الادارة الامريكية الحالية وسابقاتها نقوم بعرض بعض المعلومات المختصرة عن إحدى برامج دعم الحكومة الامريكية للمعارضة السورية عام ٢٠١٥ في فترة ادارة الرئيس أوباما الذي يسير على نهجه وخطاه الرئيس الحالي بايدن ، لتبيان ما تقوم به من تخبطات و أنشطة أقل ما يقال عنها هدامة.
انفقت وزارة الدفاع الأميركية خلال عام ٢٠١٥ حوالي ٣٨٤ مليون دولار لتدريب وتسليح عدد من عناصر المعارضة العربية السورية التي سميت في حينها بالمعتدلة ، ثم قاموا بدفع هؤلاء العناصر بعد أشهر من التدريب إلى داخل الأراضي السورية لقتال النظام السوري ، ومن دون ان يتم توفير غطاء جوي لهم ، فقُتل بعضهم بقصف النظام السوري وهرب الباقون ، مع علمهم بأن الزج بعناصر لقتال قوات النظام السوري من دون غطاء جوي معناه التضحية بهم و تعريضهم للإبادة مع سبق الإصرار والترصد.
من جهة اخرى وفي نفس الفترة و لنفس المبررات قدمت نفس الحكومة الامريكية مساعدات كبيرة للمليشيات التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي (PYD) المتحاربة مع المجموعة السورية الاخرى التي دعمتها وتحدثنا عنها قبل قليل، حيث تنوعت هذه المساعدات من تدريب واسلحة وعتاد، و يضاف لذلك كافة أشكال الحماية والإسناد لعناصر هذه المليشيات ، وهذه المليشيات لمن لا يعرفها الذراع السوري لحزب العمال الكردساني التركي (PKK) ، وهي مليشيات لم ولن تقاتل قوات النظام السوري ولا المليشيات الموالية لايران او حزب الله ، بل تقاتل حصراً عناصر الجيش السوري الحر الذي تقوم امريكا بتمويلها ايضا ، ذلك الى جانب نزعتها الانفصالية التي سوف تؤدي الى تقسيم سوريا.
والاغرب مما سبق ان صدرت لاحقاً تصريحات عن جهات أمريكية متعددة مفادها ان وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) أوقفت مشروعا مكلفا وغير نافع لتدريب وتجهيز مقاتلي المعارضة السورية ، وحسب مجلة "فورن بوليسي" فإن البرنامج الذي بدأ تنفيذه في ربيع عام ٢٠١٥ كلّف البنتاغون ٥٠٠ مليون دولار من دون أن يحقق النتائج المرجوة.
وكانت الخطة حسب ما اعلنت عنه الادارة الامريكية في حينها تضمنت تدريب وتسليح 5 آلاف مقاتل قبل نهاية العام، ولكن فشل هذا البرنامج حسب ما قال الجنرال لويد أوستن خلال جلسة للجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ الأمريكي في عام ٢٠١٥ بهدف اطلاع المجلس على سير العمليات ، وبناء على هذا التوضيح و معطيات اخرى قررت الادارة الامريكية إغلاق ذلك البرنامج في نهاية عام ٢٠١٥ . وقد عوضت الحكومة الباراكية الامريكية في عام ٢٠١٦ الجبهات السورية ببرنامج آخر حيث وضعت وزارة الدفاع الأمريكية برنامجا جديدا لدعم المعارضة السورية موضع التنفيذ حسب المجلة.
ومن جهة اخرى أعلن المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية الأميرال جون كيربي في يناير ٢٠١٥ أن واشنطن سترسل حوالي ألف جندي لتدريب مقاتلين من المعارضة السورية المعتدلة لمواجهة جهاديي تنظيم "الدولة الإسلامية" المتطرف، وسيتم ذلك في معسكرات تدريب في دول بالمنطقة تم تحديدها في الخطة .
وقد أكد كيربي في تلك الفترة أن المهمة الأولى للمقاتلين الذين سيتم تدريبهم ستكون "حماية مجتمعاتهم ومواطنيهم" وشن "هجمات" ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" المتطرف ، و قد اردف ان هؤلاء سوف يقومون بتقديم الدعم للمعارضة السورية التي تحاول منذ مارس ٢٠١١ الإطاحة بنظام الرئيس بشار الأسد وذلك بهدف التوصل إلى حل للنزاع السوري ، و الان بعد مرور ٧ سنوات من تلك التصريحات يمكننا القول بأن تلك الوعود و الادعاءات لم تكن سوى برنامج كاميرا خفية من إعداد وإخراج الادارة الاميركية و بطولة نجم سينما الواقع الاول في أمريكا .
أما بالنسبة للمعارضة السورية فمن الواضح انها لم تكن مقتنعة لكنها مجبرة على دعم تلك الخطة الامريكية ، فبعد ٨ اشهر تقريباً من بدء تنفيذ الجيش الامريكي برنامج التدريب انتقد النقيب عمار الواوي أمين سر الجيش السوري الحر المعارض الخطة الأمريكية لإنشاء قوة في سوريا لمقاومة تنظيم "الدولة الإسلامية" على قناة ال بي بي سي العربي ، وقد قال الواوي إن القوات الأمريكية فشلت في حمايتهم عندما تعرضوا للهجوم - كما سبق ان بينا عدم توفير الخطاء الجوي جعل استهداف هذه القوة سهلاً جداً - وانه في الواقع لم يتم تدريب سوى ٥٤ مقاتلا ، وذلك خلافاً للخطة التي اعلن عنها.
الذي اريد ان توضيحة لكم مما سبق ، تلك الحقيقة التي يجب ان يدركها الجميع ، ولاسيما الحكومات و المعارضات العربية ، ان البرامج التي تتبناها الادارات الامريكية المتلاحقه لا تخدم سوى توسيع برامج الصراع في داخل الوطن العربي ، و استغرب كل الاستغراب من المهرولين لكسب الدعم والشرعية من امريكا ، وكأن امريكا تحجبت و بايدن دخل الإسلام.
.png)
.png)
