DELMON POST LOGO

البنوك الإسلامية القائمة اساءة لنظريات الاقتصاد الاسلامي ومحاربة الربا والجشع

بقلم : محمد الانصاري

قبل عدة أعوام قررت ان استثمر في المشاريع العقارية ، وبسبب عدم توفر السيولة المالية المطلوبة بالكامل ، بدأت بالبحث عن طريق بديل يساعدني على توفير التمويل اللازم ، وبعد بحث معمق لطرق تمويل المشاريع ، لم اجد سبيلاً سوى الاقتراض من البنوك ، وكان اكبر هم عندي هو حرصي أن لا اقع في القروض الربوية ، لانني على قناعة تامة بأن الاموال التي تاتي من الربا ليست فيها بركة ، وإن المرابين سوف يكون مصيرهم كما جاء في القرآن ( الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ) ، لذلك قررت ان اقترضَ من مصرف متوافقاً مع الشريعة الاسلامية ، فأخذت قرض " إجارة " و هو قرض يشتري بموجبة البنك العقار ويؤجره على المقترض بمبلغ محدد ولمدة زمنية محددة ، على وعد التملك بعد انقضاء مدة القرض.
بعد فترة رغبت في إجراء بعض المعاملات في حساب قرض " الإجارة" الذي أخذته من المصرف الإسلامي، حالي حال اي مقترض ، إلا انني تفاجأت بأن القروض الاسلامية ليست فيها مرونة ابداً وهي تميل كل الميل لصالح المقرض ( البنك )، وأنها قروض خالية من الرحمة مقارنةً بالقروض الربوية المحرمة ، لذلك ورد عندي شك في مدى مشروعية تلك القروض ومدى توافقها فعلياً مع الشريعة الاسلامية ، وأذكر على سبيل المثال امرين مهمين تتميز فيهم البنوك الربوية و تتشدد فيهم البنوك الاسلامية و الواضح في الأمر ان الدافع هو المكاسب المالية  :-
١- التسديد المبكر للقرض ، في حالة رغبة المقترض التعجيل بسداد القرض تقوم البنوك الربوية بخفض مقدار الفائدة النهائية بشكل متناسب مع قيمة المبالغ التي تدفع قبل حلول اجلها ،أمًا في البنوك الاسلامية فلا يجوز ابداً تسديد القرض بشكل مبكر و هذه البنوك تتسلط على الناس بدون رحمة حتى يأخذوا كل قيمة الفائدة ، وبسبب ضغط المجتمع  تدخل البنك المركزي من أجل السماح بالتسديد المبكر ، فقامت البنوك الاسلامية بالتلاعب في توجه المصرف المركزي بالسماح لمرة واحدة فقط ، على خلاف القروض الربوية التي تسمح بتسديد اي مبلغ مقدم وفي أي وقت في أصل قيمة القرض ، وهذه المسألة توفر على المدين ارباحاً كبيرة يقوم بدفعها للدائن وهو البنك ، وعند سؤالي لماذا ؟ كان الجواب بأن اشتراطات القرض الاسلامي لا تسمح بذلك ، وان إدارة الحساب والمشرف الشرعي ( شريعة بورد ) لا يوافقون على هذه الخطوة لمخالفتها الشريعة.
٢- كما رغبت في احدى المرات ان اهب جزءً من العقار الذي اشتريته بالقرض لأحد اقربائي ، فتفاجأت ان القرض الاسلامي لا يسمح بذلك رغم انني لن أغير في الضمانات ، ولا يوجد اي ضرر على البنك ، والسبب هو نفس المبرر السابق.
وبسبب ما مررت به من تجارب سيئة مع البنوك الاسلامية ،  قمت ببحث مفصل حول القروض الاسلامية ، وقراءة أمهات الكتب في هذا المجال ، لمعرفة مدى توافق القروض الاسلامية في البنوك المحلية ، و أصل الشريعة الإسلامية السمحاء ، التي ديدنها التيسير خصوصاً على ذوي الحاجة ،  حيث ان القوانين والشرائع تصاغ لحمايته حقوق الحلقات الأضعف ، على عكس الصياغات الموجودة حالياً والتي تحمي ثروات المصارف في مقابل سحق المقترضين الضعفاء.
بدايةً فلنتفق على أسس ننطلق منها في تحديد تعريف الربا ، والأثر السلبي الظاهر للربا ، و ماهي الحيل والوسائل التي يستعملها البعض لأكل أموال الربا ، ومن هم المرابون بالطريقة الشرعية.
إتفق العلماء على تعريف الربا اللغوي ، حيث قالوا ان الربا في اللغة هو الزيادة. قال الله تعالى: ( فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت) ومعنى ربت بالإجماع اي زادة.
اما أصل الربا الزيادة، إما في نفس الشيء وإما مقابله كدرهم بدرهمين، ويطلق الربا على كل بيع محرم أيضا ، كما ورد تعريف الربا كمصطلح شرعي في الدين الاسلامي( هو الزيادة في أشياء مخصوصة ،وهو يطلق على شيئين: يطلق على ربا الفضل وربا النسيئة )،
كما حرمت الاديان السماوية مثل اليهودية والمسيحية الربا ، فقد جاء في العهد القديم في الكتاب المقدس «إن أقرضت فضة لشعبي الفقير الذي عندك فلا تكن له كالمرابي. لا تضعوا عليه ربا» (سفر الخروج ، 22- 25). وفي العهد الجديد :«اقرضوا وأنتم لا ترجون شيئًا فيكون أجركم عظيماً» (انجيل لوقا 6، 34-35).
اذن كل الربا حرام في الاسلام و المسيحية واليهودية ، و من أهم الأسباب الظاهرة في حرمتها ،  وظاهر الحكمة الربانية في تحريمها :-
اولاً : الربا يعني أخذ مال المقترض دون عوض، لأن من يقترض يعيد الدرهم درهمين نقداً ( كاش ) ويسمى " الفضل " ، أو بضاعة بديلة بزيادة ويسمى " نسيئة " فيحصل الدائن زيادة من غير عوض ، واموال الناس ومتعلقاتهم لها حرمة عظيمة، وقد قال في ذلك صلى الله علية واله وصحبة وسلم : "حرمة مال الإنسان كحرمة دمه" ، لذلك فإن اخذ مال الناس بدون عوض محرم قولاً واحداً.
ثانياً : ان الله عز وجل حرم الربا لانه يغني الناس عن العمل والكسب و الجد و الاجتهاد ، حيث انه اذا تمكن صاحب رأس المال من الكسب بطريقة الربا فما الداعي ان يتكبد عناء العمل ، فتغرق المجتمعات وتتخلف وتنحدر تدريجياً ، وينقطع منافع فئة في المجتمع فتحرم من عطائها .
ثالثاً : الربا يتسبب في انقطاع المعروف بين الناس ، حيث ان القرض كان ينمي هذا الاحساس و اثاره بين الناس.
رابعاً : ان المقرض دائماً يكون غنياً ، والمقترض غالباً يكون صاحب حاجة ، و قد يكون فقيراً ، و لذلك حرم الله عز وجل الربا ، كي لا يوجد مبرر يآكل به الغني مال الفقير او الضعيف بسبب ظرفه.
ولذلك فان اي شكل من أشكال استغلال الحاجة في إقراض الناس ، يعتبر صفه متلازمة للربا المحرمة شرعاً ، ولا يتغير حكمه الشرعي حتى اذا تم تغطية ذلك بالمبررات المصاغة على يد رجال يلبسون الزي الديني ، فمعظم البنوك الاسلامية تقوم بتوظيف مثل هؤلاء الذين يقومون بتزين ذلك العمل بلي الآيات والأحاديث.
وهنا اقول اي مكسب إنساني يقدمه المصرف الربوي ، يجب ان يقابله نفس المكسب في المصرف الشرعي ان لم يكن  افضل منه ، فاذا كان القرض الربوي قادر ان يحقق الارباح من المعاملات المخالفة للشرع ، و يقوم بين فترة وأخرى بإضافة ميزات انسانية للمقترضين فمن باب الواجب ان تقوم المصارف الاسلامية بإضافتها ايضاً للمقترضين الذين اختاروا عدم مخالفة الشريعة.
اخيراً أدعوا البنوك الاسلامية لمراجعة سياساتها الظالمة التي آثرت كسب الاموال بعيداً عن المبادىء التي يجب ان يحملوها بسبب طرح نفسهم كبديل شرعي إسلامي ، لدرجة أنها فاقت الرأسمالية في إستغلالها للناس ، فصارت صورة بشعة من ظلم المحتاجين ، و اكاد امام هذه الصورة المؤسفة ان انظم لكثيرين من اصحاب التجارب الذين اكتووا بالقروض الاسلامية ، حتى صار اغلبهم يقول ان المصارف الإسلامية كذبة كبيرة و حق يراد به باطل.