DELMON POST LOGO

ملك وتوحيد دولة .. عبدالعزيز بن عبدالرحمن

بقلم : محمد الانصاري

تخيلوا لو بقت المملكة العربية السعودية دويلات وإمارات مقسمة في الشمال و الوسط والجنوب ، تخيلو حالة التفكك السياسي ، والفقر الاقتصادي ، والتخلف العلمي في تلك المناطق قبل تأسيس هذه الدولة ، هكذا كان حال المملكة قبل ان تتوحد وتصبح دولة لها مكانةً و مركزاً مرموقاً اقليمياً ودولياً ، و لذلك يحق لصانع هذا المجد و مؤسس هذه الدولة ان يسجل إسمه بماءِِ من الذهب في كتب التاريخ وهو المغفور له بأذن الله تعالى جلالة الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن بن فيصل ال سعود.
ولد الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن في 15 يناير 1876 م وقيل 1880 م وتوفى في 9 نوفمبر 1953 عن عمر ناهز 77 عاماً ، سجل خلالها ملحمة من البطولات والإنجازات أهمها تأسيس المملكة العربية السعودية ، التي لو لم تؤسس لكانت خارطة المنطقة الجغرافية والسياسية معتمة ، ولكانت السعودية مجموعة من الدويلات الصغيرة التي لا حول لها ولا قوة ، ولكان سكانها يعانون الفقر والحاجة ، بسبب الحروب والانقسامات التي كانت قبل توحيد المملكة ، ولكانت دول مجلس التعاون بلا ظهر وسند.
الملك عبدالعزيز رحمة الله أول ملوك السعودية الحديثة أو ما تعارف عليه المؤرخون بالدولة السعودية الثالثة ، وهو ابن الإمام عبدالرحمن بن فيصل آل سعود آخر حكام الدولة السعودية الثانية ( الدولة السعودية الثانية : دولة أسسها ال سعود على يد الإمام تركى بن عبد الله ال سعود فى شبه الجزيره العربية فى فترة ما بين 1818 م حتى عام 1891 م ) ، كما ان الملك عبدالعزيز والد الملوك الستة اللذين تولوا الحكم من بعده وهم : الملوك الراحلين الملك سعود بن عبدالعزيز ، ثم فيصل بن عبد العزيز ، ثم خالد بن عبد العزيز ، ثم فهد بن عبدالعزيز ، ثم عبدالله بن عبدالعزيز ، ثم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز.
في عام 1891 تمكن آل رشيد وهم أمراء حائل من إحتلال الرياض التي كانت مركز حكم ال سعود ، ما أدى الى مغادرة الإمام عبدالرحمن وابنة عبد العزيز  وكان عمره لا يتجاوز 15 سنه حينها و جميع أسرته الرياض و الاستقرار في الكويت عام 1892 ،حيث نزل فى ضيافة اميرها الشيخ مبارك الصباح ، حيث تعلم وأكتسب عبدالعزيز من مجالسها و اهل العلم فيها أسرار السياسة وفنون الحرب وحكمة القادة.
لم يقبل عبدالعزيز بالوضع بعد إخراجهم من الرياض ، فعزمه وهمته دفعاه إلى إقناع والده الامام عبدالرحمن بضرورة استرداد إمارتهم، وقد تبلورت الفكرة اكثر بعدما جمع الملك عبدالعزيز 60 رجلاً فى سنة 1900 م وقد كان عمره لا يتجاوز ال 24 سنة ، وقد قاده فطنته والحكمة والروية التي اكتسبها في الكويت الى تحالفه مع العديد من القبائل ، وقد أسفرت تلك الخطة والتحالفات إلى انتصار الملك عبد العزيز و اخراج آل رشيد في عام 1902 م في معركة تاريخية سميت بمعركة فتح الرياض ، ونودي في الرياض أن الحكم لله، ثم لعبد العزيز بن عبدالرحمن وبذلك خطا عبد العزيز خطوته الأولى، لاستعادة حكم آبائه وأجداده، ومن ثم، توحيد معظم أجزاء شبه الجزيرة العربية.
ثم شرع الملك عبدالعزيز في توحيد باقي مناطق وقرى نجد تدريجيًا ، حيث بدأ في الفترة من 1902 حتى 1903 بضم المناطق الواقعة جنوب الرياض بعد هزيمة آل رشيد في بلدة الدلم القريبة من الخرج ، وبعدها بايعته كل بلدات و قرى الجنوب بما فيها الخرج والحريق و الحوطة والافلاج و وادي الدواسر.
استمرت جهود الملك عبدالعزيز في ضم المناطق الجديدة حتى عام 1921 عندما واجه ال رشيد في إمارة جبل شمر التي انتصر فيها الملك في 2 نوفمبر 1921 م و بعد مناوشات عديدة استطاع فيه عبدالعزيز من ضم حائل وإنهاء حكم ال رشيد في الجزيرة العربية ، وبعد ضم حائل عقد علماء نجد ورؤسائها مؤتمراً في الرياض قرروا فيه أن يتخذ حاكم نجد، الأمير عبدالعزيز بن عبدالرحمن ومن يخلفه، لقب "سلطان". وبتكليف من المؤتمر كتب الأمير عبد العزيز كتابًا إلى المفوض السامي البريطاني، يخبره بذلك واعترفت الحكومة البريطانية، في عام 1921  لابن سعود، ومن يخلفه من ذريته، بلقب "سلطان نجد" ، التي أستمرت حتى إعلان المملكة العربية السعودية عام 1932 م.
استمرت قوات الملك عبدالعزيز في ضم مناطق شبة الجزيرة حتى بلغت في عام 1924 م الطائف ، وسيطرت عليها بعد معارك مع الأمير علي بن الحسين ،  في تلك الأثناء تنازل الملك حسين عن العرش لأبنه الأمير علي بن الحسين، وخرج الحسين من مكة متجهاً إلى جدة، ثم غادرها ، وفي 16 اكتوبر 1924 وصلت قوات عبدالعزيز الى مكة و نجحت في السيطرة عليها وقد وصلها الملك في 4 ديسمبر 1924 م.  ونتيجة لهذا النصر الكبير غيّر الملك عبد العزيز لقبه من سلطان نجد إلى ملك نجد والحجاز .
بعد الانتصارات الكبيرة التي حققها عبدالعزيز رحمه الله ، أدركت الحكومة البريطانية قوته وسيطرته على معظم مناطق السعودية الحالية، فدفعت ذلك بريطانيا لعقد معاهدة معه سميت بمعاهدة جدة في عام 1927 م ، ومن عام 1927 إلى عام 1932 استطاع عبد العزيز السيطرة على باقي الجزيرة العربية بأكملها. فقام بتغيير اسم المنطقة من أرض نجد والحجاز إلى المملكة العربية السعودية، وعلى إثرها اصبح ملكاً المملكة حديثة النشوء.
في 1932 م أصدر الملك عبد العزيز قراراً يعلن فيه عن نظام توحيد المملكة، وتحديد يوم الخميس 21 جمادى الأولى يوماً لإعلان توحيدها تحت اسم "المملكة العربية السعودية"؛ فتوحدت جميع أجزاء المملكة العربية السعودية بشكل رسمي يوم 21 جمادى 1351 هـ الموافق 22 سبتمر 1932 م ،
ثم اتجه بنظره تجاه عسير فعقد معاهدة الطائف بينه وبين اليمن لتحل المشاكل الحدودية بين اليمن والسعودية عام 1934 هـ.
هناك تفاصيل كثيرة مهمة و تستحق التمعن والدراسة في تاريخ الملك عبدالعزيز ، فلقد تميزت سيرته بالكثير من الأحداث ، حيث عاش الحرب العالمية الاولى والثانية و سقوط الخلافة العثمانية و صعود نجم الولايات المتحدة ، و في كل تلك الأحداث كانت له مواقف وآراء تستحق الدراسة والفهم ، الا ان هذا المقال يركز على الجهود و العزيمة لدى الملك عبدالعزيز رحمة الله لتوحيد المملكة التي صارت واحة خضراء مزهرة ، بعد ان كانت صحراء جرداء قاحلة.