بقلم : محمد الانصاري
عند اطلاق فكرة اصلاح سوق العمل قبل حوالي ١٧ سنة، تم استحداث فكرة رسوم هيئة تنظيم سوق العمل ، حيث بينت الأدبيات و التصريحات في تلك الفترة المقصد من وراء الرسوم ، وقد تم تحديدها في هدفين رئيسين وهما :
١- كان أصحاب العمل في القطاع الخاص يفضلون تشغيل العامل الأجنبي رغم وجود أعداد كبيرة من العاطلين البحرينيين في مختلف التخصصات ، حيث كان العدد أثناء رصد وزارة العمل يتجاوز ٢٢ الف عاطل ، وقد كان أهم سبب لتفضيل الانخفاض العامل الأجنبي هو الانخفاض الشديد في اجورهم وتكاليفهم ، وقد كان هذا الانخفاض بالفعل مضراً ، فتلك العمالة تقبل أن تسكن في سكن غير لائق ، كما وتعمل لساعات طويلة تتجاوز ١٢ ساعة في اليوم دون اعتراض ، وترضى بأجور تصل لأقل من ربع الآجر الذي يقبل به المواطن ، لأن هذا العامل سوف يرسل الأموال لعائلته في بلده حيث تساوي الكثير ، لذلك كان لابد من استحداث فكرة تعمل على تقليص الفجوة الكبيرة في التكلفة بين العامل الاجنبي والمواطن ، والتي تبدوا هي السيب الرئيسي في تفضيل أصحاب العمل استخدام العمالة الوافدة بدل العامل البحريني ، وبالفعل استفاد عدد ليس بقليل من البحرينيين من فرض الرسوم الجديدة على جلب واستخدام العمالة الوافدة ، حيث بدأت تستدير تكاليف العمال لتتساوى تدريجيا بين العامل الوطني والاجنبي ، و قد زال بذلك سبب مهم من أسباب العزوف عن العمالة الوطنية.
٢- اما الهدف الثاني الذي استحدثت الرسوم من أجله فهو توفير موازنات كبيرة وكافية لتدريب و دعم أجور العمال الوطنيين ، عبر تخصيص جزء من رسوم العمل و استعماله في برامج متطورة يحتاجها سوق العمل ، كما استعملت الحكومة هذه الأموال لشراء نقص الخبرة عند العمال البحرينيين المنخرطين حديثاً في سوق العمل، عبر برنامج دعم الأجور ، الذي يتم من خلاله دعم نصف أجر العامل البحريني لثلاثة سنوات متتالية ، هذه المدة كافية ليتعلم فيها العامل كل ما يحتاجه بشكل عملي ، كما تصرف أيضا مداخيل سوق العمل على مساعدة الراغبين في تأسيس مشاريعهم الصغيرة و المتوسطة ، هذه الفكرة الرائدة ساعدت الكثير من البحرينيين و دفعت بنجاح الهدف الأول فأصبحت الخطة واضحة و مفيدة بشكل ملموس.
لكن فكرة الرسوم والاستفادة منها لصالح الاهداف التي تخدم رؤية مملكة البحرين توقفت عند حد رسوم هيئة تنظيم سوق العمل، في حين كان يجب ان تستمر في تنظيم التعليم و التدريب و دعم أنظمة الإحلال و البحرنة عبر المسارين الآتيين :-
١- باعتقادي يجب أن تقوم هيئة التعليم العالي بتشجيع ودعم الطلبة الذين يرغبون في الالتحاق بالتخصصات التي يحتاجها سوق العمل، عبر تحديد رسوم أقل لتلك التخصصات في الجامعات والمعاهد الوطنية أو الاهلية، كما يجب أن تفرض بالمقابل رسوم أعلى للتخصصات غير المطلوبة في سوق العمل، وذلك بالتنسيق مع وزارة العمل و هيئة تنظيم سوق العمل، وهما جهتان ممثلتان بشكل فعلي في الادارة العليا للتعليم العالي.
٢- لاتزال بعض الشركات مصرة على الاستعانة بالعامل الاجنبي رغم وجود المواطنين القادرين والراغبين في اداء تلك المهام ، لدى البعض منهم أسباب مقنعة ، لكن الغالبية ليس لديهم اي سبب ، خصوصاً ان برنامج دعم الأجور الذي تطرحه تمكين تجعل البحرين أقل تكلفة بفارق شاسع على مدى خمس سنوات العمل الاولى على الأقل ، ومساوية للسنوات الباقية أو أقل ، وتضمن تحمل تكاليف اي برنامج تدريب يحتاجه العامل البحريني طوال فترة عمله ، لذلك يجب مضاعفة الرسوم على كل صاحب عمل يثبت ان رفضة للعامل البحريني من غير سبب مهني وعلمي مقنع.
طبعاً كي لا يفهمني أحد بشكل خاطئ، الهدف الوحيد من إدارة الرسوم في التعليم والعمل هو تصحيح الميل كي يتمكن الباحثين عن عمل البحرينيين من الحصول على فرص عمل مناسبة، وكي يختار الطلاب التخصصات المطلوبة في سوق العمل، ولذلك أقترح استخدام سياسة العصا والجزرة وفق التصور الأتي :-
أ- فرض رسوم مضاعفة على صاحب العمل الذي لا يتعاون في تشغيل المواطنين، رغم وجود البحرينيين المؤهلين و المناسبين والقابلين بظروف العمل.
بالمقابل : صاحب العمل المتعاون يحصل على حزمة من المميزات وبدعم سخي جداً ، وتخفيض في رسوم الهيئة ، ويستفيد من كافة برامج تمكين ووزارة العمل ، وهيئة تنظيم سوق العمل.
ب- غلق التخصصات غير المطلوبة او زيادة رسومها على الأقل، على الطلاب و أولياء الامور الذين يتم إخبارهم بان التخصص الذي تم اختياره من قبلهم غير مطلوب في سوق العمل، ولن يحصل الطالب بعد تخرجه على وظيفة في المستقبل ، ورغم ذلك يصر من دون وجود اسباب مقنعة ، في هذه الحالة عليه ان يتحمل تكاليف الدراسة من دون أي دعم ، لأنه يتسبب في خلق مشاكل مستقبلية له وللمجتمع
بالمقابل: الطالب الذي يدرس تخصصات مطلوبة يستفيد من نظام الرسوم الأقل نسبياً.
اجد هاتين الفكرتين من الضروري دراستهما من قبل المعنيين، وهما من حيث التنفيذ ممكنتين جداً اذا وجدت الرغبة والقرار في استخدام الأدوات التي من شأنها تصحيح المسار.