DELMON POST LOGO

متى تنضم الصومال لمجموعة العشرين الأقوى اقتصادياً ؟!

بقلم: محمد الانصاري

عندما نشاهد الوضع الإنساني و الاقتصادي السيئ في الصومال ، نتوقع بانها دولة فقيرة ، لكن الواقع ان هذا البلد الأفريقي المٌدمر لدية مخزون احتياطي نفطي يساوي مخزون الاحتياط النفطي السعودي ، كما يزخر بموارد طبيعية عملاقة ، غير أن الشعب الصومالي لم يتح له الفرصة للتمتع بثروته المهدورة ، بسبب غياب الدولة و انعدام الأمن و انغماس الصوماليين في الصراعات الداخلية المسلحة ، ما جعلها مسرحاً لاستقطاب وتكاثر الارهاب و الارهابين ، وبؤرة لتصدير الافكار المتطرفة والمنحرفة الى العالم ، والضحية الوحيد هم أبناءً الصومال الذين اصبحوا يستجدون كسرات الخبز من المتبرعين .
الحديث عن الصومال و ثرواتها ذا شجون ، فهذا البلد الغني تتنوع في مصادر ثروتها ، حيث لدى الصومال مخزون كبير من النفط والغاز و ثروة حيوانية وسمكية وزراعية ضخمة ، فضلاً على مخزون المعادن و الأحجار الكريمة. فالصومال بصورتها الحقيقية مختلفة تماماً عن الشكل المشهور عنها في أخبار المجاعات والفقر و الأطفال الجوعى، وعناوين الحروب الاهلية و العمليات الارهابية التي يقوم بها حركة الشباب في مختلف ارجاء هذا البلد الجريح منذ حوالي ٣٠ عام او اكثر بقليل.
ولكي نتعرف على الصومال بصورة صحيحة، لابد ان نستكشف إمكانيات وموارد هذا البلد، فموارد الصومال الطبيعية تنوع بشكل يفوق ما نتصوره للوهلة الاولى:
اولاً - احتياط كبير من النفط والغاز: يقدر الاحتياطي النفطي الصومالي بأكثر من ثلاثة أضعاف احتياطي نفط نيجيريا، وهي تساوي احتياطي بلد غني بالنفط مثل المملكة العربية السعودية.
نشرت هيئة الاستخبارات المركزية الأمريكية في تقرير لها بشأن الصومال عام ٢٠٠٧، أن الصومال دخل عصر الإنتاج النفطي فعليًا، حيث بلغ إنتاجها اليومي ما يزيد عن ١٠٠ ألف برميل، وهي رغم قلتها توحي بإمكانيات الصومال النفطية إذا ما اخذنا في الاعتبار انها تعتمد على أساليب ومعدات بدائية جداً.
اكتشاف النفط في الصومال سبق دول الخليج، حيث تم هذا الاكتشاف المهم في عام ١٩١٢ على يد المستعمر البريطاني، وقد اعلنت سلطات الاستعمار ذلك في حينه.
في عام ١٩٢٥ اصدر البريطانيون تقريراً حول ثروات الصومال النفطية والمعدنية، كما اصدر الايطاليون تقريراً آخر يضم خرائط جيولوجية لهذا البلد المستعمر ما ادى الى استعار التنافس بين البلدين الاستعماريين في سبيل نهب ثروات الصومال.
في ١٩٧٢ دخلت الصين على خط المنافسة ، حيث قام علماء وباحثون صينيون بعمل مسح جيولوجي للبحث عن النفط والفحم الصومالي.
عام ١٩٧٤ م انضمت الصومال إلى جامعة الدول العربية، وكان ثمرت ذلك ابرام اتفاق شراكة بين الصومال والعراق اسفرت عن بناء مصفى لتكرير نفط العراق في الصومال بغرض بيعه محلياً، وتصدير الباقي الى دول الجوار.
في عام ١٩٧٧ احتدم الحرب بين الصومال واثيوبيا بدعم غربي امريكي، وكان نتيجة هذا الحرب خسارة الصومال، ما أدى لخروج الخبراء الروس، وقد قام الامريكان بسد فراغ الغياب الروسي، وفي هذه الفترة زادت من وتيرة التنقيب في البلاد، حيث قاموا بتقسيم الصومال الى مناطق لنفوذ الشركات الغربية والامريكية المنقبة.
في الثمانينات بدأت الحرب الاهلية في الصومال، ثم توسع نطاق المواجهة لتصل لمرحلة الثورة ضد الرئيس سياد بري التي بدأت في عام ١٩٨٨، في هذه الاثناء كانت مقرات الشركات النفطية لا تزال تعمل، حتى الاطاحة بنظام سياد بري في ١٩٩١ م.
ومع سقوط النظام الصومالي احتدم التنافس بين الفصائل الصومالية المسلحة على مواقع نفوذها وغنائم الحرب، وكل ذلك في فترة لا توجد فيها حكومة ولا حتى أجهزة للدولة، وبسبب ذلك عمت الفوضى في ارجاء الصومال ، ما أدى الى انهيار تمام للدولة بين عامي ١٩٩٠ الى ١٩٩٢ وبالتالي انهيار للقانون العرفي المنظم للبلاد . ما أدى الى ان تقرر منظمة الأمم المتحدة إرسال مراقبين عسكريين للصومال في يوليو عام ١٩٩٢، وتبعتهم قوات حفظ السلام.
مع بداية الفوضى في الصومال عام ١٩٩٠ م قامت الشركات النفطية الاجنبية تدريجياً بمغادرة الصومال ، في حين بقية شركة واحدة امريكية فقط اسمها " كونوكو " مستمرة في نشاطها ، وقد قامت هذه الشركة بتهيئة شبكة اتصالات واسعة مع مجموعات الحرب في تلك الحقبة ، مستغلة هروب الرئيس سياد بري للخارج ، والغريب ان مقر الشركة الأمريكية تحول لاحقاً الى موقع رسمي للسفارة الأميركية ، ثم تطور الأمر لدرجة قيام الولايات المتحدة الامريكية بإنزال قواتها تحت غطاء أممي كما أسلفنا في عام ١٩٩٢ يدفعها التطلع للظفر بالثروة النفطية وكان مبررها في حينة حماية الشعب الصومالي.
لم تستمر القوات الامريكية في الصومال طويلاً، حيث ان المقاومة الشعبية، ادت الى انسحاب جيش الولايات المتحدة الأمريكية من الصومال في مسلسل مشابه لما جرى في العراق وافغانستان، هذا الانسحاب الذي اتاح إبرام عقود التنقيب عن النفط في الصومال لشركات فرنسية بدل الشركات الأمريكية، فخرج مستعمر وحل مكانها مستعمر آخر.
في عام ٢٠١٩ عقد مؤتمر في لندن بهدف بيع امتيازات التنقيب عن النفط في شواطئ الصومال و كينيا ، هذا الامتياز هو بهدف التنقيب في مساحة حوالي ١٧٣ ألف كيلومتر مربع، تحوي ٥٠ حقلًا نفطيًا، وقد اسفر المؤتمر عن منح شركة " إسبيكترام " البريطانية النرويجية هذا الامتياز ، لكن محلياً اعترض رؤساء ثلاثة احزاب سودانية على هذا الامتياز ما أدى الى تجميده لأجل غير مسمى.
في هذه الأثناء صدرت دراسات جديدة من شركات مختصة في بحوث التنقيب وتقدير الاحتياطات النفطية، حيث أكدت هذه الدراسات التقديرات السابقة التي تفيد بأن احتياط نفط الصومال يزيد عن احتياط نفط المملكة العربية السعودية.
ثانيا - ثروة حيوانية عملاقة تكفي احتياجات معظم الدول العربية : يتمتع الصومال بثروة حيوانية كبيرة ، حيث انها تحتل المرتبة الأولى عالميا من حيث تعداد الإبل كما تمتلك الصومال اكثر من ٤٥ مليون رأس من الأبقار والخراف والماعز  والابل وفق احصائيات اصدرتها الحكومة الصومالية عام ١٩٨٦ م ، وهي ثروة متقاربة مع ثروة نيوزيلندا الحيوانية ، مع فارق كبير في العوائد بين الدولتين لصالح نيوزيلاند بسبب الاستقرار الذي تنعم به .
ثالثا - ثروة سمكية متجددة وكبيرة: ورغم ان الصومال تمتلك سواحل كبيرة تمتد من ساحل عدن حتى المحيط الهندي، وهذه السواحل تزخر بالثروة السمكية ومصائد اللؤلؤ، فضلاً عن امكانية تحويل سواحلها الى موانئ حيوية في المنطقة، الا ان القرصنة و الحروب تحرم الصوماليين من هذه الثروة الكبيرة، وحالياً لا يتجاوز مساهمة الثروة السمكية ٢٪؜ من الموارد الوطنية، رغم ان معظم الصوماليين يشتغلون في الصيد.
رابعا - الثروة المائية: تزخر الصومال بثروة مائية كبيرة، تستقيها من نهرين كبيرين وهما جوبا وشبيلي، و منبعهما الرئيسي هي المرتفعات الإثيوبية، ورغم ان المجتمعات تزدهر و تنمو على ضفاف المياة الصالحة للشرب البشري و الحيواني، الا ان هذين النهرين يصبان دون استفادة الانسان منهما بشكل سليم وكافي، فيصب نهر شبيلي في البحر بينما يجف نهر جبوبا في اليابس.
خامساً - الثروة الزراعية: كما لدى الصومال أراضي زراعية خصبة واسعة، حيث تقدر مساحة الاراضي الزراعية بحوالي ٨ ملايين هكتار ، اي نحو حوالي ١٢٪؜ من مساحة الصومال ، وهي كافية لسد حاجة معظم الدول العربية مجتمعة ، في حين ان الدراسات تؤكد صلاحية حوالي نصف مساحة هذا البلد للزراعة اذا تم استصلاح اراضيها والاهتمام بطرق التخصيب والري.
تعد الزراعة من اهم القطاعات الاقتصادية في الصومال، رغم أنها لا تزال بدائية، الا ان عوائدها بالإضافة الى عوائد الثروة الحيوانية تشكل حوالي 40% من إجمالي الدخل القومي في الصومال، والذي يساوي 65% من إجمالي عوائد الصادرات.
سادساً - الثروات المعدنية: كما تمتلك الصومال ثروات معدنية مهمة، يكفي ان الصومال يكتنز في أراضيها أكثر من ٢٥٪؜ من مخزون اليورانيوم في العالم حيث يقدر ما بجوفها بحوالي ٨٠٠ ألف طن من هذا العنصر النادر، فضلاً عن امتلاك الصومال احتياطيات غير مستغلة من العديد من الموارد المعدنية الاخرى، مثل خام الحديد، القصدير، النحاس، البوكسايت.
ختاماً:
ان الصومال دولة غنية جداً، ثروتها تؤهلها لان تنافس أغنى دول أوروبا في الإمكانيات ، وهي مؤهل ان تقارن بدول الخليج في قدراتها النفطية ، و من المفترض ان يكون المواطن الصومالي منعماً بهذه الثروات ، حيث يجب ان يعيش بمستوى المواطن الإماراتي والقطري ان لم يكن أفضل ، نظراً لحجم وتنوع الثروات ، كما ان الصومال من المفترض ان تكون ارض الكنوز والفرص ، التي يتمنى الناس العيش فيها ، لكن هذه الحروب والنزاعات دمرت هذا البلد الغني وجعلت حاله كما تعرفون.
اخيراً ان البلدان المستقرة تنمو وتزدهر والبلدان المتحاربة والتي تعيش الأزمات تدمر و تصبح فاشلة، الوضع الصومالي وايضاً الليبي والعراقي
يجب ان يكون امام أعين اي حزب أو قائد أو جماعة تتطلع للوصول للسلطة باي ثمن، لان الثمن قد يكون حياة الناس وقد يكون أكثر من ذلك، وإذا ورث البلد قد لا يرث الا دار خربة منثور فيها جثث الأهل لا تملك سوى حفنة تراب لا يساوي قيمة حملها.