بقلم : محمد الانصاري
اتجهت البحرين منذ ثمانينيات القرن الماضي حتى منتصف العقد الاول من الالفية الجديدة إلى التوسع والتسهيل في إجراءات منح رخص الفنادق والشقق الفندقية ، كما شجعت الدولة البنوك و المستثمرين على تمويل مشاريع السياحة ، وقد قام بالفعل عدد كبير من التجار بالتجاوب مع الدعوات الرسمية، يحذوهم الأمل في تحقيق أرباح جيدة ، غالبية هؤلاء المستثمرين التزموا بخطط و برامج الدولة ، بل وكانت لهم مساهمات اجتماعية و خيرية ، كما ساهمت الفنادق والشقق الفندقية في توظيف عدد كبير من البحرينيين ، و جعلت البحرين وجهة سياحية في المنطقة .
كانت الامور تسير بشكل طبيعي ، والفنادق والشقق الفندقية تزداد عدداً و تتنوع في مستوى خدماتها ، كما كانت هذه المنشآت السياحية تنعم بالاستقرار ، وتوظف العشرات من البحرينيين خريجي مركز الفندقة وغيرها من المعاهد والجامعات ، حينها كان تفاعل ونمو هذا القطاع كبيراً وسريعاً ، لكن الجهاز الرسمي لم يكن مواكباً لسرعة توسع القطاع السياحي كماً ونوعاً ، وبسبب بطئ نمو الجهاز الرسمي من جهة ، وغياب المختصين في القطاع الفندقي والسياحي من جهة اخرى ، ازدادت الفجوة بين المؤسسات الرسمية من جانب و المستثمرين في السياحة من جانب اخر.
عدم وجود الرؤية لدى بعض المسئولين التنفيذين، وغياب المبادرات الوطنية، وضعف الجهاز الإداري كماً ونوعاً، أدى الى اتجاه بعض المستثمرين لطرق لا تنسجم مع قيم وأخلاقيات المجتمع ، كما أدى إلى اتخاذ مسئولي السياحة لمواقف أشبه بردات الفعل أضرت بالقطاع بشكل عام و بالفنادق والشقق الفندقية على وجه الخصوص ، وصلت الى التسبب في إفلاس عدد كبير من التجار ومن دون تمييز بين المخطئ والمصيب ،وقد كان بالإمكان معاقبة المخطئين منهم فقط .
اولاً : القرارات آلتي أضرت بالقطاع الفندقي والسياحي ، وكانت وراء إغلاق منشآت سياحية وإفلاس الملاك والمستثمرين وتسببت في فصل ما يزيد عن ١٠٠٠ بحريني من العاملين فيها :-
١- قرار غريب تسبب في غلق المعهد الوحيد المتخصص في الفندقة، هذا المركز الرائد الذي تم إنشائه بمبادرة من منظمة العمل الدولية، حيث استمر مركز الفندقة منذ عام ١٩٧٤ م حتى عام ١٩٩٧م ، ثم تمت خصخصته ، وبعد الخصخصة انحدر مستوى المركز ثم أغلق بعد فترة وجيزة ، الجدير بالذكر ان هذا المركز تخرج منه عشرات المسئولين والمدراء التنفيذين في القطاع الفندقي والسياحي ، ليس فقط في البحرين بل حتى من أبناءً الخليج العربي ، وحتى اليوم يظل هذا القرار غامض ومجهول السبب.
والسؤال الذي يطرح نفسة، علي اي اساس تم اتخاذ قرار خصخصة مركز الفندقة الذي أدى إلى غلقه لاحقاً ؟ خصوصاً بان هذا هو المعهد الوحيد الذي كان يدرب في قطاع الفندقة والسياحة النظيفة والراقية و بشكل احترافي ، علما بأن ان هذا القطاع باستطاعته استيعاب ٢٠ ٪ من العاطلين الموجودين حالياً بشكل فوري ، و ٥٪ من المتخرجين الجدد بشكل سنوي ، ففي كل سنة يتم افتتاح عدد من الفنادق الجديدة ، و عشرات المطاعم و المجمعات التجارية و كلها تطلب خرجين متخصصين.
٢- في ابريل ٢٠٠٩ أعلن الوكيل المساعد لقطاع السياحة بوزارة الثقافة والإعلام بأن وزيرة الثقافة والإعلام قد أصدرت قراراً بإغلاق الصالات الفنية في جميع الفنادق البحرينية من فئة نجمة ونجمتين، وذلك بشكل فوري، وكان عدد الفنادق من فئة النجمتين في تلك الفترة ٣٣ فندقا، بالإضافة إلى ٦ فنادق من فئة النجمة الواحدة و ٦ فنادق أقل من نجمة واحدة وهي ما تسمى الفنادق غير المصنفة، بسبب ذلك اتجه عدد من التجار للإفلاس والسجن، و خسر ما يزيد عن ٥٠٠ بحريني وظائفهم في تلك الفنادق.
قد كان من الممكن فرز الفنادق غير الملتزمة بالأنظمة والقوانين واتخاذ القرارات المناسبة ضدها، أو تحويل هذه الفنادق بعضها أو كلها للسياحة العائلية فقط لكن ضمن مبادرة وطنية تستوعب وتمتص الآثار الجانبية، والحديث هنا عن كيفية اخراج القرار وليس مضمونة الذي نؤيده تماماً ضد المخالفين والمتجاوزين.
٣- في عام ٢٠١٠ تم اكتشاف شبكة المفتشين المرتشين في قطاع السياحة ، حيث وجهت النيابة العامة لمفتشي السياحة المتهمين بأنهم ما بين عام ٢٠٠٤ حتى ٢٠٠٩ طلبوا وقبلوا لأنفسهم من مستثمرين رُشى للإخلال بواجبات وظيفتهم حال كونهم موظفين عموميين «أخصائيو رقابة سياحة» مقابل الامتناع عن اتخاذ الإجراءات القانونية الواجبة بشأن ما شاب منشآتهم السياحة من مخالفات وعدم تحرير محاضر بتلك المخالفات كما أحالت المستثمرين سالفي الذكر إلى المحكمة مع شركائهم من المتهمين من موظفي السياحة في ارتكاب جريمتهم باتفاقهم معهم ومساعدتهم بان أمدوهم بمبالغ الرشوة وتقديم لهم مزايا عينية أخرى ( حيث كان عددهم ١٧ متهما، منهم ٦ متهمين من موظفي السياحة، و ١١ متهما من المستثمرين ).
المأساة هنا ان يستغل معظم موظفي قسم التفتيش في السياحة عملهم لمدة ٥ أعوام كاملة ومن دون ملاحظة او علم المسئول عنهم، و الأدهى والأمر ان يمرر كل هؤلاء المفتشين عشرات المعاملات اليومية المخالفة للقوانين من دون ان ينتبه لهم المدققين أو المسئولين، ما يؤكد عدم كفاءة المعنيين في تلك الفترة.
٤- في يوليو ٢٠١٤ أصدرت الجهات المعنية بالسياحة قراراً مشابهاً للقرار الذي صدر بحق الفنادق من فئة الفنادق ذو النجمة والنجمتين، وبشكل ايضاً مفاجئ و فوري ، ما تسبب في أزمة كبيرة أخرى للمستثمرين و العاملين في القطاع حيث أفلس عدد آخر من هؤلاء المستثمرين ولاحقتهم عشرات القضايا ، و خسر المئات من البحرينيين والأجانب أعمالهم دون سابق انذار وبدون توضيح للأسباب .
ثانياً : القرارات التي لا تزال مستمرة حتى اليوم و التي من شأنها ان تتسبب في غلق عدد جديد من المنشآت السياحية وإفلاس اصحابها وفصل العاملين فيها :
ا- وضعت الجهات المعنية بالسياحة معايير جديدة لتصنيف وترخيص الشقق الفندقية ، هذه المعايير لم تكن موجودة في الماضي عندما تم بناء عدد كبير من الشقق الفندقية في منطقتي الحورة والقضيبية ، وهي حالياً اما سجلات قائمة بالفعل ومعرضة للغلق او هي سجلات تم تجميدها من قبل السياحة وهي في طريقها للغلق النهائي .
هذه الشقق الفندقية تدفع التزاماتها للدولة من الرسوم المطلوبة منها ، كما هي ملتزمة بدفع الضرائب ، و المستهجن ان تقوم الجهات المعنية بالضغط على هؤلاء لهدف غير معروف لدرجة التسبب في خسارتهم و وصولهم للإغلاق الكلي.
هذه الشقق تم تصميمها من الأساس لغرض الإيجار اليومي ، واجراءات السياحة تستهدف تحويلها لمباني عادية من دون رخصة الايجار اليومي ، الأمر الذي يجعل صاحب المبنى يتوجه لغلق العقار ، كما ان السياحة حاليا لا تقوم بتجديد سجلات هؤلاء الا بطلوع الروح ، واذا حدث اي خطأ بشري مثل نسيان تجديد السجل أو تحويل السجل من شخص لشخص آخر يتم وقف إجراءات المبنى كلياً ، وهناك مستثمرين توقفت إجراءاتهم منذ ٥ سنوات ، و منذ ذلك الوقت وهم يحاولون دون جدوى.
٢- بعض الفنادق فئة الثلاث نجوم كانت صالحة ومؤهلة لترفيعها لمستوى اربعة نجوم، بشرط إجراء بعض التعديلات، و تغيير الفرش و الممرات والمداخل لتتناسب مع المعايير المطلوبة لهذه الفئة، وبالفعل قام ملاك هذه الفنادق بالاستثمار في منشآتهم بمبالغ كبيرة جداً، ورغم مرور مدة طويلة جداً من جهوزيتها، الا ان السياحة لم تبت بشكل نهائي في تصنيفها ما يجعلها في حالة إغلاق حتى صدور قرار السياحة، لذا وجب التنويه لضرورة إسراع المعنيين في إصدار القرارات النهائية لتصنيف هذه الفنادق.
ختاماً:-
الفنادق والشقق الفندقية مؤسسات مهمة وحيوية ، فهي قادره على استيعاب عدد كبير من العاطلين ، وشريكه في جذب السياح للمملكة ، والآمال معقودة في الشباب المتعلم و المثقف الذين هم الان في سدة ادارة وزارة السياحة ، خصوصاً في ظل وجود رؤية واضحة لاقتصاد مملكة البحرين ٢٠٣٠ ، وفي وقت حبا الله البلاد بولي عهد و رئيس مجلس وزراء حكيم و مقدام في اتخاذ اي خطوة تخدم البلد ومصالح العباد.