DELMON POST LOGO

جميل حميدان .. وزير في الزمن الصعب

بقلم : محمد الانصاري

في منتصف مارس ٢٠١١ اقدم عدد من المسئولين الرسميين من ابناء الطائفة الشيعية الكريمة من قضاة ، و أعضاء مجلس نواب ،و اعضاء مجلس شورى ، و اعضاء مجالس بلدية ، وغيرهم على تقديم استقالاتهم من وظائفهم العمومية ، احتجاجاً على الاحداث التي كانت تمر بالبحرين آنذاك ، وقد صاحبها إضراب عام عن العمل دعا له اتحاد العمال وسانده بعض الجمعيات المهنية والسياسية.
كان الموقف حسب ظني إرتجالياً ، ولم يكن في تصور هؤلاء الذين اقدموا على الاستقاله أو الاضراب أبعاد خطوتهم تلك ، وما سوف يترتب عليها مستقبلاً على المستوى الشخصي او الوطني ، كما وللاسف لم يكن لدى اي منهم خطه او برنامج عمل سياسي من وراء استقالته من شأنها ان تساهم في تخفيف التوتر القائم بين مختلف الأطياف ، بل كانت التصريحات و الاستقالات فقط استجابه للضغوط الشعبية والاعلامية.
ازدادت محاولات بعض الاطراف المتشددة لتضيق الخناق على اي مسئول قريب من المعارضة بشكل عام ، أو من الطائفة  الشيعية بشكل خاص كي يلتحق بقائمة المستقيلين من الوظائف الرسمية العليا او المضربين عن العمل ، وفي ذلك الوقت لم يكن يجرأ  أحد _ من ابناء الطائفة الشيعية الكريمة او من سكنة المناطق المحسوبه عليهم _ الرد على الاصوات المتعالية للمتشددين بين صفوف المعارضة ، حيث كان الجو مشحوناً بالعواطف و التصعيد و غياب العقل ، في ظل هذا المشهد كانت هناك اصوات قليلة عاقلة وجريئة بدأت تعلو ، تدعو للتهدئة والتعقل ، وكان من أبرزها وزير العمل الجديد في تلك الفترة السيد جميل بن محمد علي حميدان والذي لم يمضي على توزيره شهر كامل بعد.
قام حميدان وفي خطوة تحفها المخاطر وفي وقت الانفلات الامني أبرز سماته ، بموقف يسجل له بدعوة المسئولين المستقيلين للعدول عن استقالاتهم ، وللعمال للعودة لاعمالهم ، خصوصاً ان استقالات المسئولين و اضراب العمال سوف يتضرر منها المواطن البسيط اولاً ، بسبب ما سوف يترتب عليه من ارباك في المشهد السياسي المحلي ، وسوف يسبب ازمة في الثقة ستمتد اثارها لزمن طويل جداً ليس في البحرين فقط بل في المنطقة باسرها  ، وقد كان صدى هذه الدعوة كبيرا حيث انه خرج من شخص معروف ومتزن من عائلة شيعية ذات مكانة واحترام ، فهو سليل ابرز علماء الشيعة ظهراً و بطناً ، والدة المغفور له باذن الله تعالى القاضي المعروف في القضاء الشرعي الشيخ محمد علي حميدان ، و اخواله ال عصفور ، وابرزهم المغفور له باذن الله تعالى الشيخ احمد العصفور ، وخاله الاخر الشيخ عبد الحسين العصفور وهم امتداد لسلسلة من اكابر علماء الشيعة في البحرين و خارجها.
برز دور حميدان الذي يدعو علناً ومن خلال صحيفة الوسط المحسوبة على المعارضة لسحب الاستقالات و العدول عن الاضراب و العودة للعمل و الاحتكام للعقل ، و العمل على وئد الفتنة و اعادة الثقة بين اطياف المجتمع و الحكومة ، وكان لحديثة اهمية كبيرة في التخفيف من حدة التوتر في المؤسسات الرسمية وبين العاملين في القطاع الخاص لاسيما الشركات الكبرى المملوكة للدولة ، وقد ساعده كثيرا في تلك الايام معالي الاستاذ علي بن صالح الصالح رئيس مجلس الشورى ، الذي بذل جهدا كبيرا في انهاء مظاهر  نقاط التفتيش غير الرسمية ، ما سهل سرعة عودة العمال لمهامهم ، وقد مهد ذلك لعودة الاعمال تدريجياً وخلال ايام الي وضعها الطبيعي.
الوزير حميدان عملت معه في احلك واصعب الظروف ، اعتبره في مقام الوالد وهو جدير بذلك ، رجل دولة وقانون ، متواضع و متبسط مع الناس ، يحتكم دائما للعقل و يبتعد عن شخصنة الامور ، وهو بعيد كل البعد عن الشللية او الطائفية وغيرها من الامراض المنتشرة في هذا الزمن الصعب.
سار الوزير حميدان على ارض ملئها الشوك فقائمة الاتهامات والتخوين جاهزة من اناس جلسوا في الجحور و اخذو الكيبورد لهم سلاحاً ، لكنه استمر في عمله دون كلل او تردد، وواجه المشككين فيه سواءً من زملاءه في الحكومة او المعارضة و حتى عموم الناس ، حيث انه يعتقد ان بالانجازات فقط تحقق الانتصارات، و هنا ولقربي الشديد منه وددت ان ابين  ثلاث انجازات مهمة كانت على يده ، وقد اثرت بشكل ايجابي وكبير على المستوى الوطني وتركت اثر واضح وملموس.
١- كان الرجل التنفيذي بعد صدور امر جلالة الملك باعادة المفصولين لاعمالهم حيث عمل تحت توجيهات مباشرة لسمو الشيخ محمد بن مبارك و معالي الشيخ خالد بن عبدالله لتسوية هذا الملف الشائك الذي وصلت امتداداته لتقديم شكوى من قبل ١٣ منظمة عمالية في منظمة العمل الدولية ، ولقد كان لجهود الوزير حميدان اثر كبير ورئيسي في تسوية هذا الملف ، على خلاف بقاء الكثير من الملفات الاخرى التي كانت بيد مناوئي حميدان في ذلك الوقت على الطاولة حتى اليوم من دون حل.  
٢- لعب حميدان دوراً فاعلاً في موازنة العلاقة بين الحكومة و العمال واصحاب العمل ، حيث ان العلاقة تضررت كثيراً نتيجة للازمة المالية في ٢٠٠٨ و الازمة السياسية في ٢٠١١ ، كانت نتائجها انقسام العمال لفريقين بينهم تنافر وصراع ( الاتحاد العام ، والاتحاد الحر ) ، بالاضافة الى احتدام الخلافات مع اصحاب العمل في ظل ما آلت اليه الاوضاع ، ورغبت الكثير منهم في الغاء النقابات العمالية او عدم التعاون معها ، او شروع بعض اصحاب العمل في احلال العمالة الوافدة بدل العمالة الوطنية تحت ذريعة تخوفهم من نشاطات العمالة البحرينية.
أدى الوزير حميدان دوراً صعباً في تقريب وجهات النظر بين الحكومة واطراف الانتاج الاخرى من اصحاب العمل والعمال ، و تخفيف حدة الخلاف بين العمال و اصحاب العمل من جانب و بين العمال وانفسهم من جانب اخر.
و لقد كان لمساعي الوزير اثر كبير في اعادة المياة الى مجاريها ، حيث كان ينظر لمصلحة الوطن اولا قبل اي مصالح فردية لاشخاص بعينهم.
٣- اما انجازاته على صعيد التنمية فهي أيضاً كثيرة ، لكني اعتبر من اهمها العلاقة الودية التي تنامت في عهد الوزير حميدان بين الحكومة ممثلة في وزارة العمل والتنمية الاجتماعية والجمعيات الاهلية التي تمثل مؤسسات المجتمع المدني ، هذه العلاقة التي انقلبت من علاقات فاترة و متذبذبة الى علاقات نوعية وشراكة تعكس مدى التاثير الايجابي لسياسات الوزارة الجديدة والمتجددة ، وهنا لابد اننا عندما ننظر لهذا الإنجاز الإيجابي ان لا ننظر اليه في معزل عن الظروف الداخلية والاقليمية التي باتت تتسم في التخفيف من الحريات و دور المجتمع المدني.
ختاماً لا ادري هل اهنئ الحكومة على هامة شامخة مثل جميل حميدان ، ام اهنئ جميل بمحبة الناس ، ام اهنئ نفسي على وجود معلم مثل الوالد ابا هاني اتعلم منه ما لا يوجد في الكتب و المكتبات ، ادامك الله وحفاك بموفور صحته و ستره ورضاه.