DELMON POST LOGO

اذا لم تكن ليبيا .. فمن وراء تفجير لوكربي ؟

بقلم : محمد الانصاري

تعودت الولايات المتحدة الامريكية منذ انتصارها في الحرب العالمية الثانية ، على تكرار خطة شيطانية للإيقاع بالدول العربية والاسلامية الغنية نسبياً بهدف منع تطورها واستنزاف ثرواتها ، تعتمد هذه الخطة على فبركة حدث كبير لا يخطر على البال مثل ما حصل في أحداث ١١ سبتمر ، حيث انه من المستحيل حدوث كل تلك الثغرات من دون تسهيلات من داخل المنظومة الأمنية الداخلية ، كما ان مسرحية امتلاك العراق أسلحة دمار شامل دليل آخر على مسلسل الخطة المستنسخة الأمريكية ، و الأحداث التي جرت في فترة ما يسمى بالربيع العربي بهدف زعزعة أمن وإستقرار الدول و نهب خيراتها دليل ثالث غير قابل للشك .
في العراق تم إختلاق قصة أسلحة الدمار الشامل ، وبعد ان قامت امريكا باحتلال العراق ، تم إدخال شركة " هاليبرتون " التي يمتلكها نائب الرئيس الامريكي الأسبق ديك شيني ، ومنذ ذلك الوقت تشفط امريكا النفط العراقي رسمياً ، وبمباركة من بعض العملاء والمرتزقة وعلى سنة الله ورسولة ، وهذا ايضاً يجري الآن في سوريا حيث يسيطر الأكراد والامريكان على النفط والغاز السوري الذي أصبح يباع على عينك يا تاجر جهاراً نهاراً في السوق السوداء بأسعار مخفضة.
المؤامرات الأمريكية ضد العرب قديمة ، فقبل ٣٤ عاماً وتحديدا في يوم الأربعاء الموافق ٢١ ديسمبر ١٩٨٨ ميلادية انفجرت طائرة مدنية تحمل على متنها عدداً كبيراً من الركاب الأبرياء ، أثناء تحليقها فوق قرية لوكربي الاسكتلندية غربي بريطانيا ، هذه الطائرة تملكها شركة الطيران ( بان امريكان ) ، وقد أسفر الحادث المؤسف والاليم عن مقتل ٢٧٠ شخصاً ، نسأل الله أن يلهم ذويهم الصبر والسلوان.
أجرت الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا تحقيقات كالعادة بشكل سري ودون إشراك الأمم المتحدة ، و في حينها تم اتهام دول ومنظمات عديدة لديها خلافات مع امريكا ، وإزاء كل تلك الاتهامات لم تقدم امريكا اي دليل قاطع وملموس في حينه ولا حتى الآن ، كما لم تتمكن من إثبات صحة أي من الاتهامات حتى نظرياً ، وبقت كل تلك التحقيقات مجرد تكهنات تهدف لتهدئة عوائل ضحايا الحادث ، ووسيلة تبتز بها كل من يخالفها الموقف والرأي.
بدأت الولايات المتحدة باتهام المنظمات الفلسطينية ، ثم غيرت بوصلتها بإتجاه اتهام سوريا ، لان المنظمات الفلسطينية لا تملك مالاً كي تعوض احد ، ثم اتهمت ايران ، في الوقت الذي لم تتوقف ضغوط اللوبيات على مختلف الإدارات الأمريكية من أجل كشف الحقيقة ، ولم تقف عوائل الضحايا عن طلب العدالة والمطالبة بالتعويضات ، ومقابل كل موجة ضغط كانت تقوم الولايات المتحدة بتقديم سيناريو جديد مختلف عن السيناريو الذي سبق ، حتى وصلت آخر التصورات لاتهام ليبيا وقد كان ذلك في عام ١٩٩١ ميلادية.
أصدرت كل من امريكا وبريطانيا في نوفمبر ١٩٩١ ميلادية أوامر قضائية بالقبض على شخصين يحملان الجنسية الليبية وطلبت تسليمهما ، وذلك لاتهامهما بالمسؤولية عن تفجير الطائرة فوق لوكربي كونهما يعملان بمكتب شركة الخطوط الجوية الليبية بمطار مالطا ، وقد  اتهمت الدولتان المواطنين الليبيين بشحن حقيبة تحوي متفجرات وهم على علم بمحتوياتها و بآثارها الخطيرة .
رفضت الجماهيرية الليبية و زعيمها معمر القذافي الطلب وبدأ القضاء الليبي التحقيق في الاتهام، وأوقف المواطنان الليبيان، وطلب من الدولتين تقديم ما لديهما من أدلة ضدّهما ، بالمقابل أصرت كل من امريكا وبريطانيا على موقفهما دون تقديم دليل ، ما جعل ليبيا في حرج بسبب عدم جواز تسليم اي دوله لمواطنيها لدولة أخرى بدون جريمة و دليل كافي و مقنع ، ثم قامت امريكا بفرض عقوبات منهكة على الشعب الليبي.
استمرت الولايات المتحدة الامريكية بالضغط على ليبيا و الشعب الليبي عبر حصار ظالم مشابه لحصار العراق تسبب في ايذاء عموم الناس ، و ادى الى كساد تجاري و عزله وجوع ، بسبب هذه الوضع قرر المتهمان الليبيان تقديم طلب للحكومة الليبية يهدف الى تسليم أنفسهم لأجل محاكمتهم وإثبات برائتهم ، وبعد ٨ سنوات من الاتهام في عام ١٩٩٩، وافق القذافي على تسليم الرجلين للمحاكمة في هولندا كنتيجة لضغوط ومفاوضات معقدة.
وفي عام ٢٠٠١، حكم على ضابط الاستخبارات الليبية عبد الباسط المقرحي بالسجن مدى الحياة بعد إدانته ب ٢٧٠ تهمة قتل تتصل بالتفجير ، في أغسطس ٢٠٠٩ أفرجت الحكومة الاسكتلندية عن المقرحي لأسباب إنسانية بعد إصابته بسرطان البروستاتا ، وتوفي في مايو ٢٠١٢، بعد أن كان الشخص الوحيد الذي تمت إدانته بالهجوم ، وقد أكد باستمرار على براءته.
في عام ٢٠٠٣ ميلادية ، قبل القذافي المسؤولية عن تفجير لوكربي ودفع تعويضات لأسر الضحايا، على الرغم من أنه أصر لآخر يوم في حياته على أنه لم يعطي الأمر بالهجوم ، هذه التعويضات دفعت على أساس ان القضية تنتهي بشكل كلي ونهائي ، لكن قبل عامين تراجعت الولايات المتحدة كعادتها عن تعهداتها وقامت بتوجيه اتهامات إلى مسعود أبو عجيلة بدعوى أنه لعب دورا رئيسيا في تفجير لوكربي ، وخلال الشهرين الماضين وبطريقة هوليوديه اختطفت الولايات المتحدة أبو عجيلة من ليبيا لتفتح التحقيق معه من جديد.
مفاجآت لوكربي :-
ارتكزت التحقيقات الأمريكية في اتهاماتها لليبيا و المواطنيين الذين تم محاكمتهما ومن ضمنهم المقرحي و أيضا فيما نسب لأبو عجيلة على ان تفجير لوكربي جرى عبر استخدام شريحة من شركة " ميبو " السويسرية ، و قد تصلوا لباقي المعلومات نتيجةً لتتبع الشريحة السويسرية المذكورة ، مؤخراً أدلى السيد " أدوين بولييه " مالك المؤسسة السويسرية المُصنعة لشريحة تفجير الطائرة بتصريحات تسببت في إرباك التحقيقات الأمريكية.
والملفت بان رئيس الشركة السويسرية كان مصراً و واضحاً و محدداً في التصريحات والشهادة التي أدلى بها لصالح ليبيا في التحقيقات المقامة مع مسعود أبو عجيلة ، الذي تتهمه واشنطن بالتورط في القضية.
ماذا قال بولييه بشأن الشريحة التي أستخدمت في التفجير :-
اولا: إن ما تم ذكره في آخر محاكمة تمّت بشأن طائرة لوكربي حول الشريحة المستخدَمَة في تفجير القنبلة، يمكن إثبات أنّه غير صحيح ، وبالتالي تبرئة ليبيا وأبو عجيلة والمقرحي الذي توفى من تهمة تفجير الطائرة.
ثانياً : اوصى الشاهد بصفته رئيس الشركة السويسرية المصنعة للشريحة بمثول شهود آخرين للاستجواب، منهم ضباط وخبراء من شرطة اسكتلندا.
ثالثاً : قال الشاهد ان عبد الباسط المقرحي (المتهم الأساسي في الواقعة) لا علاقة له بمأساة لوكربي، وتم كشف كذب الدليل المستخدم ضده بأنه اشترى الملابس من مالطا.
رابعاً : اكد الشاهد ومن خلال معلوماته داخل ان الشركة السويسريه زوّدت ألمانيا الشرقية بنفس الأجهزة التي استخدمت في التفجير قبل فترة قصيرة من الحادث؛ وهذا يعطي احتمالية بأن المانيا الشرقية هي مَن ألصقت تهمة الأجهزة لليبيين.
خامساً : كشف الشاهد بأن شريحة التفجير المزعومة ظهرت لأول مرة في فرانكفورت الألمانية؛ ولهذا السبب تمت تبرئة مدير المحطة الأمين خليفة أفحيمه (أحد المتهمين).
سادساً : كما قال الشاهد انه يمكن إثبات أنه تم التلاعب بتلك الشريحة.
ومن هذه الشهادة التي تثبت إختلاق أدلة ادانة ليبيا في حادثة لوكربي ، الى الشهود و الوثائق التي أثبتت علم الولايات المتحدة الامريكية و بريطانيا بعدم امتلاك العراق أسلحة دمار شامل ، وبآلاف الادلة التي قدمها عشرات الباحثين حول الثغرات المتعمدة في أحداث ١١ سبتمر ، و بعد الكشف عن غرف العمليات  الأمريكية التي أنشأت بهدف التدخل في سوريا ، والوثائق المسربة عن مؤمرات امريكا في هايتي و مالي و الصومال و مصر و الخليج ، كلها تثبت ان لدى الولايات المتحدة الامريكية سيناريو متكرر لابتزازات الدول و سلب اموالها وتعطيل تطورها.
ختاماً :-
الإدارات الأمريكية المتعاقبة تلعب نفس الخطة مع مختلف الدول العربية ، وعلى الحكومات والشعوب ان تكون واعية ، وان تدرس اي عرض أمريكي او غربي بشكل دقيق ، العلاقات الجيدة مع آمريكا مطلوبة لكن بشرط الوعي والحذر.