DELMON POST LOGO

الربيع الذي بدأ يُزهر

بقلم : محمد الانصاري
ترك الاستعمار موروثاً تجاوز تقسيم الحدود الجغرافية ، والفتن الدينية والمذهبية ، حيث أن العدو تعمد نشر نمط من التفكير  السرطاني المريض ، وزَرع اشكال التخاذل و الاستسلام في ذهنية الناس ، حتى وصل للهيمنة على همم الكتاب و والفنانين ورجال الدين و النخب السياسية ، ولم يكتفي بذلك ، ففرض علينا المناهج التعليمة المتخاذلة الخانعة ، وحوَّل الاستعباد لنمط حياة نعيشها كل يوم ، تحت مسمى العصرية او التمدن و غيرها من المسميات.
ان المرحلة الدقيقة والاستثنائية التي تمر بها المنطقة والتي بدأت قريباً ، أصبحت تشكل اساساً للتحرر ، ومنطلقاً للنهوض بالأمة فكراً ومنهجاً ونمطاً للحياة ، حيث ان همةً جديدةً بُعثت لتحي تراث الامة و تُرمم كيانها ، و تُنير طريق الأجيال القادمة ، لقد هبت رياح التغيير في هذا الجزء من العالم ، بعد ان كان يسودها عقلية التنازع و المواجهة و الانغماس في تركة الدول الاستعمارية التي زرعتها في آسيا وأفريقيا.
لقد قررت دول الشرق الاوسط وإفريقيا ان تخرج من تحت عباءة الفكر الاستعماري ، وان تتصالح فيما بينها ، وان تبني اقتصاد تكاملياً يخدم أبناءها ، يساهم في تنمية مستقبلها ، لذلك فان قادة الخليج عندما قرروا في يناير ٢٠٢١ التوقيع على بيان العلا ، و إطلاق مبادىء التسامح والتفاهم ، لم يكن ذلك منبثقاً من دفعة مشاعر أخوية بين ابناء الخليج الواحد فقط ، بل هي نتاج فكر واعي جديد يسود المنطقة وينمو و يتصاعد فيها.
كما ان التفاهمات الخليجية مع مصر والعراق واليمن وسوريا لبنة أخرى من لبنات العهد الجديد الذي يرسم ملامح التغيير القادم في المنطقة ، ولم تقف هذه التغييرات على حدود التفاهمات السهلة والطبيعية بين الأشقاء العرب ، بل إتسعت المصالحات لتصل إلى الجيران فشملت تركيا بعد ما يزيد عن عقد من الصراع معها إثر مواقفها في الربيع العربي وما لحقها من تغيرات.
كانت أكبر صعوبة تواجه المنطقة الوصول الى خط التفاهم مع الجارة ايران ، وقد تمكنت المملكة العربية السعودية بثقلها التوصل لتفاهمات سياسية واقتصادية تاريخية مع هذه الجارة المهمة ، ما فتح الباب أمام باقي دول الخليج لفتح صفحة جديدة في العلاقات الخليجية الايرانية ، وإعادة فتح السفارات و بدء التعاون الاقتصادي والسياسي والامني ، ايذاناً بعهد جديد من الشراكة والسلام والاستقرار في مياة الخليج الدافئة.
لقد قادة المملكة العربية السعودية الدول المصدرة للنفط في ( اوبك بلس ) موخراً ( ٢ أبريل ٢٠٢٣ ) لتخفيض جديد في كميات تصدير النفط بهدف المحافظة على الأسعار المناسبة لنا كدول مصدرة للنفط ، وقد أنضمت كل من العراق والامارات والكويت والجزائر لهذه المبادرة الجريئة والجبارة ، بهدف ضمان مصالح الدول المصدرة ، ويعتبر هذا الموقف سابقة مهمة تندرج ضمن حزمة الاستقلال الشامل ، وتؤسس لمبدأ حقوق دولنا في السيادة الكاملة على مواردها الطبيعية وقراراتها السيادية الوطنية على مواردها .
موافقة السعودية التبادل النفطي والتجاري مع الصين باليوان ، و مساعي مصر لإعادة سوريا للحضن العربي ، و فتح البحرين والإمارات العلاقات الدبلوماسية مع سوريا ، والاعلان من قبل الحوثيين التوصل لتفاهمات من أجل وقف الحرب في اليمن ، و تجميد قناة ال ( ام بي سي ) بث حلقة تاريخية مثيرة للجدل ، ولطف اللقاء بين وزيري خارجية السعودية و إيران ، وانطلاق العديد من الدول العربية في بناء المصانع و بدء عملية الإنتاج الحقيقي ، كلها تغريدات خارجة عن نمط التفاهم مع الدول الاستعمارية الكبرى والتبعية لها ، بإتجاه التحرر و الاستقلال وبناء الدول.
ختاماً :
١- ان دولنا بلا استثناء تحتاج ان تستمر  وتتوسع في مصالحتها الخارجية مع بعضها ومع جيرانها ، كما تحتاج ان ترسخ مصالحتها الداخلية قبل كل شيء.
٢- خطوات موفقة من الشركاء في المنطقة لكن لابد ان تذيل بالعمل الصادق وبالإصرار لمواجهة اي تحدي أمامها بهدف والمضي قدماً في بناء مستقبل مزدهر للمنطقة .
٣- سوف يسعى الغرب لتدمير اي تفاهم من شانه اصلاح وبناء دول قويه ، لذلك يجب ان نكون جميعاً واعين وان لا ننساق خلف الإعلام الغربي المعادي لمصالحنا.
٤- المتمصلحون من الفتن و المستفيدون منها قد يحاولون من وقت لآخر إثارة بعض اللغط ، لا تعيروهم اي اهتمام ولا تلتفتوا لهم ابداً.