DELMON POST LOGO

تسونامي سوف يجرف ٣٠٠ مليون وظيفة في العالم

بقلم : محمد الانصاري
صدر مؤخراً تقرير مهم وحساس عن بنك غولدمان ساكس يتوقع فيه بأن يفقد العالم ٣٠٠ مليون وظيفة بسبب التوسع في استعمالات الذكاء الاصطناعي ، كل تلك الوظائف التي سوف يتم إلغاءها هي من الأعمال الدائمة وبالنظام الكلي ، فضلاً عن الوظائف الجزئية والمؤقتة والموسمية التي سوف تجرف مع هذه الطفرة العلمية ، وحسب دراسة البنك إن العالم مقبل على هذه التطورات في الفترة القصيرة القادمة ، حيث سيمتد أثر المتغيرات لتشمل كل بلدان العالم بنسب متفاوتة ، لكن بتأثير كبير وجارف خصوصاً على الدول التي تتأخر في الاستعداد لهذه الكارثة .
هذه القراء تذكرنا بشركة إيستمان كوداك المعروفة بإسم كوداك ،و هي شركة أمريكية تأسست عام ١٨٨٨ ميلادية وكان مقرها في نيويورك ، كوداك كانت رائدة صناعة أنظمة الطباعة والأفلام و نفث الحبر والتغليف بتقنية مايكرو 3D ، في حين كان عددٍ موظفي الشركة يتجاوز ٩٧ الف عامل ، رغم تقدم الشركة العلمي في ذلك الوقت ، الا أنها لم تستوعب المتغيرات السريعة في مجال التصوير الرقمي ، ما تسبب في فقد الشركة لمكانتها الريادية وخسارتها للسوق حول العالم ، ففي يناير ٢٠١٢ ميلادية تقدمت الشركة بطلب الحماية من الإفلاس تحت الفصل ١١ في محكمة الإفلاس في امريكا.
الثورة الرقمية التي اسقطت كوداك في عام ٢٠١٢ ميلادية وأخرجت بلاك بري من السوق نهائياً في يناير ٢٠٢٢ ميلادية ، لم تتوقف بل استمرت بشكل مضطرد ، فبعد عقد من الزمان فقط حصلت طفرة جديدة أكثر تعقيداً في أنظمة وبرمجيات الذكاء الصناعي واستخدامات الروبوتات ، هذه الثورة حسب الكثير من التقارير ومنها دراسة غولدمان ساكس سوف تتسبب في إلغاء ربع الوظائف في الولايات المتحدة الامريكية و أوروبا خلال فترة وجيزة ، كما سوف تولد وظائف وأنشطة تجارية وعلمية لم تكن في السابق مألوفة لدى الناس ، وبالطبع ان هذه الوظائف الجديدة وفرص الاستثمار للأفراد والدول يستفيد منا من قام بالاستعداد جيداً للتعامل مع كل هذه المتغيرات.
منذ نوفمبر ٢٠٢٢ ميلادية اي قبل حوالي ٦ أشهر تقريباً أتاح "تشات جي بي تي" لأي شخص لديه إنترنت صياغة مواد مكتوبة كالمقالات والرموز المعقدة أو المذكرات الموجزة وقصائد الشعر ، هذه الأعمال التي كان يقوم بها نخبة من المختصين من الكتاب والأدباء والباحثين والشعراء ، في حين أصبحت الروبوتات تقوم بإنجاز المهام الصعبة والدقيقة التي كان يقوم بها البشر في الحقب والسنين الماضية ، حيث صار بإمكانها القيام بإجراء العمليات الجراحية التي كان يشترك في القيام بها فريق كبير من الأطباء ، الى جانب الفحوص الطبية متناهية التعقيد ، كما تقوم بتصليح السيارات و تقديم الاستشارات الفنية ، وصياغة وتقديم نشرات الأخبار في القنوات التلفزيونية والفضائيات.
لقت أصبحت مسئولية الحكومات و الدول والجامعات و مراكز الأبحاث والعلماء وذوي الخبرة خصوصاً في منطقتنا داهماً لا يحتمل التأخير ، فقد صار من الملح وضع تصور حول تأثير الذكاء الاصطناعي على فرص العمل ، و مدى خطورتها على الشركات و الأنشطة التجارية القائمة ، و اصبح لزاماً على جميع الشركات وبالذات الكبرى ان تستعد للتغيرات الكبيرة القادمة ، حيث سوف يؤثر الذكاء الصناعي في جودة وتكلفة الإنتاج ، كما سوف يغير شكل ومتطلبات الاستمرارية في السوق.
من المقلق تأخر الدول العربية في بيان تصوراتها حول مدى تأثير الذكاء الصناعي والروبوتات على فرص العمل والاستثمار محلياً وعربياً ، وعدم تحديد الاستعدادات التي يجب القيام بها من قبل الحكومات والشركات والأفراد لمواجهة المخاطر الآنية و القريبة ، فضلاً عن غياب دور المدارس والجامعات ومراكز الأبحاث في التحضير لمواجهة هذا الخطر الكبير القادم ، حيث لم يقم اي من المسئولين في البلدان العربية وخصوصاً في وزارات العمل والتربية والتعليم والتجارة بشرح الخطط الواقعية المتناسبة مع التحذيرات والتقارير التي تنشر من هنا وهناك ، اما جامعة الدول العربية والمنظمات التابعة لها و وزراء العمل والتجارة والتعليم العرب بشكل عام والخليجيين على وجه الخصوص فعليهم مسئوليات كبيرة حتى الان هم متأخرين في البدء فيها .
محلياً فقد أصبح من الضروري مراجعة الرؤية الاقتصادية لمملكة البحرين ٢٠٣٠ في ظل هذا التأثير القوي والكبير المرتقب لانظمة الذكاء الصناعي والروبوتات الذكية ، كما بات من الملح إضافة فصل جديد يتناول تأثير هذا المتغير الجديد على فرص العمل والاستثمار ، على ان تكون هذه الدراسات سريعة وعميقة ودون تأخير  نظراً لخطورة و سرعة إمتدادها في العالم الى جانب حجم تداخلها مع الامن والاستقرار وفرص العمل والاستثمار في البلد والمنطقة.
ختاماً
١- لابد من تخصيص بند في موازنة الدولة للعامين القادمين ٢٠٢٣ و ٢٠٢٤ لدعم الدراسات والإجراءات الموجهة لمعالجة تأثير الذكاء الاصطناعي على مختلف جوانب حياة الأفراد والمجتمع بشكل عام ، وعلى تأثيرها على الاستثمارات وفرص العمل بشكل خاص.
٢- ضرورة الإسراع في اعداد التشريعات والقوانين المنظمة لكافة جوانب الذكاء الاصطناعي والروبوتات ، وضبط عملية استعمالات الذكاء الاصطناعي وتشغيل الروبوتات.
٣- الإسراع في تعديل وتطوير البرامج والمناهج في المدارس والجامعات لتنسجم مع احتياجات سوق العمل في ظل التطورات المتسارعة بعد دخول الذكاء الصناعي والروبوتات حيز العمل.