DELMON POST LOGO

علاقة البحرين بالقطيف حتى الحرب العالمية الأولى محاضرة في مجلس عبد اللطيف سند بسترة

تُعدُّ كل من البحرين والقطيف مركزين مهمين في غرب الخليج لصيد اللؤلؤ

قدم الباحث التاريخي الدكتور محمد حميد السلمان محاضرة حول علاقة البحرين بالقطيف حتى الحرب العالمية الأولى في مجلس عبد اللطيف سند بقرية القرية بسترة مؤخرا ، تحدث فيها عن العلاقة القديمة والمتجذرة بين جزر البحرين ومنطقة القطيف؛ من خلال الإشارة الى عدد من المحطات في تلك العلاقة .
المحطة الأولى: إقليم البحرين أو كما يُقال تجاوزًا- الخَطّ – أو خطينيا، كما ذكرها المؤرخ اليوناني (بوليبيوس) في القرن الثاني ق.م؛ هي منطقة تاريخية كانت تقع في الساحل الشرقي لشبه الجزيرة العربية. وكان هذا الأقليم الجغرافي يمتد من جنوب البصرة، أو منطقة كاظمة، التي تقع في حدود الكويت الشمالية حاليًا، ويضم جزر البحرين ومشارف إقليم عُمان القديم جنوباً، ويسير على طول الساحل  الغربي للخليج وحتى وادي المياه والجوف غربًا في شبه الجزيرة العربية.
كما أن هناك طريق تجاري بحري يربط البحرين بداخل شبه الجزيرة العربية، يمر بموانئ صغيرة في الجزيرة العربية، وهي العُقَير، والقطيف. وعبر هذه الموانئ كانت تصل البضائع إلى منطقة الهفوف، المدينة الرئيسة لواحة الأحساء، ثم عن طريق منطقة نجد، تصل إلى إقليم الحجاز. ونُشير هنا إلى أن قُطّاع الطرق من قبائل الصحراء كانوا غالبًا ما يقومون بتعريض هذه الطرق التجارية إلى المخاطر.
إضافة لذلك، تُعدُّ البحرين نقطة عبور مهمة للطرق البحرية بين مضيق هُرمز في جنوب الخليج وميناء البصرة في شمال الخليج، وجسر رئيس للرحلات التجارية البحرية من مضيق هُرمز وإليها، والبرية منها وإلى القطيف ثم إلى الحجاز على شواطئ البحر الأحمر، كما أسلفنا.
القطيف أو قطوف أو (قطوصف)، كما تُطلق عليها بعض الوثائق القديمة، وواحتها المشهورة؛ مرجح أنها، كما يذكر الباحث عبدالخالق الجنبي، كانت تقع بقرب مدينة (جِرّه) القديمة المفقودة في شرق شبه الجزيرة العربية. وقد ذُكرت القطيف في وثيقة سبأيه في الربع الأخير من القرن الثالث ق.م. وأنها كانت غنية وثرية حينها.
وتذكر بعض المراجع الأجنبية، أنه في شرق شبه الجزيرة العربية يوجد إقليم الأحساء، الذي يمتد بمسافة 300 ميل. وتتمركز واحة القطيف في الشمال الشرقي لواحة الأحساء تلك. ويبلغ امتداد الواحة من الشمال إلى الغرب 18 ميلًا، وعرضها 3 أميال.
الغريب أن هناك منطقة في المنطقة الشرقية من شبه الجزيرة العربية، اسمها يوافق اسم موقع مجلس آل سن هنا في سترة، وهي القُريَّة لأنها تصغير القَريَة، أو القَرَاح. وكانت تقع شرق ابقيق بـ 44 كم، كما يُضيف الجنبي، وشمال غرب ميناء العُقَير بـ 30 كم، وربما هي ساحل هَجر المعروفة في كتب التاريخ والجغرافيا.
المحطة الثانية: العلاقة السكانية بين البحرين والقطيف: ناهيك عن أن قبائل عبدالقيس وبني تميم كانت تسكن إقليم البحرين القديم في حقب طويلة من التاريخ؛ إلا أنه في شرح ديوان ابن المقرب العيوني، أيضاً للبحاث الجنبي وأخرون، ذُكر ضمن الحديث عن عبدالقيس وعلاقتها بجزر البحرين وحروبها فيها؛ أنه كان يتواجد في هذه الجزر بطون من قبيلة إياد، وأن قبيلة إياد كانت تسكن القطيف أساساً.
ثم أن العلاقة بين جزر البحرين والقطيف قامت على أرضية مشتركة من وجود حضارات قديمة فيهما منذ آلاف السنين، بل ووجود قنوات ريّ ماء قديمة ومنتظمة للغاية تحت الأرض في كليهما، وكأن شعبهما واحد ومن قام ببناء تلك القنوات هم جنس البشر ذاته.
المحطة الثالثة: وحدة المُناخ:
- درجات الحرارة في البحرين والقطيف واحدة: فهما في نطاق مُناخي إفتراضي بين 20- 30 درجة مؤية صيفًا، وبين 10-20 درجة مؤية شتاءً.
- توزيع المطر فيهما: صيفًا دون 125 ملم، وبين 125-500 ملم شتاءً.
- الضغط الجوي والرياح: صيفًا، عادة كلتا المنطقتين تتعرضان لمنخفض جوي ورياح تهب عليهما من الشمال أي وسط آسيا. لكن الرياح والضغط العالي القادم من الجنوب الأفريقي وشرق أفريقيا و من مياه المحيط الهندي؛ يكون محملًا عادة بكميات مياه حاره تُشعر السكان وكأنها رطوبة زائدة، بالرغم من أن رطوبة الشتاء أكبر لكن لا نشعر بها لاعتدال أو برودة الأجواء المناخية من حولنا. كما في الشتاء نتعرض كلينا لضغط عالٍ ورياح شبه شديدة وقوية تأتي مع الأمطار من وسط قارة آسيا وسيبيريا في يناير من كل عام. أضف إلى ذلك؛ أنه بالرغم من النطاق الزراعي الذي يُحيط بهما، البحرين والقطيف، إلا أنهما تُعدان ضمن نطاق المُناخ الصحراوي، وكذلك ضمن نطاق النباتات العالمية، الصحراوي وشبه الصحراوي.
المحطة الرابعة: اللؤلؤ والطاقة الأرضية:
تُعدُّ كل من البحرين والقطيف مركزين مهمين في غرب الخليج لصيد اللؤلؤ. ولهذا السبب حاولت القوى الغازية السيطرة عليهما، مثل مملكة هُرمز في سنوات قوتها. ذلك أن صيد اللؤلؤ كان في بداية القرنين الخامس عشر والسادس عشر للميلاد؛ هو أهم عامل جذب تجاري في العالم الشرقي. بشكل عام، يمتد نطاق صيد اللؤلؤ الرئيس في الخليج في الساحل العربي، من رأس مسندم جنوبًا إلى جزيرة البحرين والقطيف شمالًا، كما يشمل أيضا عدة جزر على الجانب الشرقي من الخليج.
في مجال الطاقة المسخرجة من الأرض؛ فإن النِفط في البحرين أُكتشف في نهاية العشرينيات من القرن الماضي وتم التصدير حوالى عام 1932، وحقل القطيف النِفطي أُكتشف تقريبًا عام 1945، وهو خارج نطاق الحديث هنا بالسنوات، لكنه حقل القطيف يُشكل أهمية كبيرة، ويبلغ إنتاجه حوالى 800 ألف برميل من الزيت الخام يوميًا، وهنا بعض التشابه بين المنطقتين.
المحطة الخامسة: بعض الملامح التاريخية المُشتركة:
بعد استيلائهم على مملكة هُرمز، بما فيها البحرين والقطيف على الساحل الغربي من الخليج، وحتى عام 1622. في حكاية غزو البرتغاليين لجزر البحرين عام 1521م، والهجوم على القلعة التي تحصن بها الجبور. بعد الهزيمة ما تبقى منهم انسحب بهم ابن أخيه الشيخ حميد، القائد الميداني ومساعد مقرن في القتال؛ إلى جهة القطيف بحرًا، التي بدورها أصبحت لاحقًا تحت سيطرة البرتغاليين مع تواجد حامية مؤقتة لهم بها.
بعد السيطرة على جزيرة هُرمز عاك 1508؛ قام البرتغاليون بغزو جزر البحرين عام 1521م، بعد الهجوم على قلعة البحرين التي تحصن بها الجبو. وإثر الهزيمة تم إجلاء ما تبقى من القوى الجبرية ومعهم الشيخ حميد، القائد الميداني ومساعد مقرن الجبري في القتال؛ إلى جهة القطيف بحرًا، التي بدورها أصبحت لاحقًا تتبع  السيطرة البرتغالية من البحرين.
بين عامي 1539-1540، قام ملك الأحساء، الشيخ مانع؛ بالاستيلاء على مدينة القطيف وقلعتها، إذ انتزعها من مملكة هُرمز. ثم استعادها البرتغاليون عام 1545 كما يذكر تقرير برتغالي، فقرر قائد قلعة هُرمز، (لويس فلكاو)، بأن ترميم مدينة القطيف وقلعتها سيكون بمثابة خدمة مفيدة لملك البرتغال (إمانويل الأول)، لأنه سيوفر المزيد من الخوف واحترام البرتغاليين في الخليج. وبقيت القطيف بسبب جزر البحرين؛ تحت التبعية البرتغالية حتى عام 1549.
وهناك وصف من وثيقة برتغالية كتبها المدعو (Bernardim de Sousa) إلى ملك البرتغال (جواو الثالث)؛ لكيفية إعادة السيطرة على القطيف عام 1545م. إذ تذكر تلك الوثيقة في بعض أسطرها التالي: "قمنا بغزو ميناء القطيف أثناء الليل، ونزلنا إلى الشاطئ قبل الفجر. واجهنا في المدينة ثلاثة أو أربعة آلاف مقاتل، تمكنوا من قتل نحو ثلاثين أو أربعين من مساعدينا الهرامزة، واثنين من البرتغاليين!! ومع ذلك، بعد أن قتلنا عددًا كبيرًا منهم؛ انسحبوا من المدينة التي فر منها السكان!! وبعد أن أصبحت المنطقة آمنة من العدو، نزلنا ومعنا المدفعية إلى الساحل وبدأنا على الفور في قصف جدران قلعة (القطيف). استغرق هذا العمل أربعة أيام، وهي المدة القصوى التي يمكن أن تتحملها المدفعية. كنتيجة لهذا العمل، لم نتمكن إلا من هدم جزء من القلعة بارتفاع سمح لنا باستخدام السلالم، فقررنا اقتحام المدينة قبل هدم قسم أكبر من جدران القلعة، لأن تلك العملية سوف تستغرق وقتًا. علمنا بعد ذلك أن الشيخ مانع نفسه كان قادمًا إلى المدينة لحمايتها، لأنه كان قبل ذلك الوقت في الأحساء. وكان معه بين 14,000 أو 15,000 محارب، وعدد كبير من الفرسان وحاملي البنادق. وقد أزعج جنودنا إلى حد كبير؛ ما سببته لنا مدفعية القلعة ورماية البنادق من صعوبات، وإعلان حالة الاستنفار في صفوفنا، التي كانت تحدث باستمرار بسبب هجمات هؤلاء الثلاثة أو أربعة آلاف محارب الذين واجهناهم وقت نزول جنودنا. وعلى الرغم من مخاطر دخول المدينة عن طريق السلالم، إلا أننا فضلنا هذه الطريقة بدلًا من انتظار هجوم آخر [من قِبل العدو]. ومع ذلك، عندما فهم العدو خططنا والهدف من وضع هذه السلالم، بدأ بالخروج من القلعة في منتصف الليل. ولا  تتصور، سعادتكم، كم أحدث هذا الأمر فرحًا واحتفالًا كبيرًا في معسكرنا".
- شئ من الصراع البرتغالي العثماني على القطيف عام 1550:
دخل الجيش العثماني القطيف عام 1550، ثم احتل محافظة الأحساء بعد ذلك بسنتين عبر الطريق البري من داخل شبه الجزيرة العربية، وليس من البحر. كان الهدف العثماني من هذا التوسع، هو السماح للقوات العثمانية بضرب النقاط الاستراتيجية البرتغالية في الخليج، وخاصة في هُرمز. السلطان العثماني سليمان القانوني، عيّن "قبطان" جديد لإعادة بقايا أسطول الخليج العثماني في البصرة إلى ميناء السويس، الذي جاء في الأساس لضرب البرتغاليين في هُرمز ولكنه فشل في ذلك. هذا القائد اسمه (ريس مراد)، كان في وظيفة "سنجك بيك" القطيف، [مسؤول اللواء أو المديرية]، وتم اتهامه بأنه هو المسؤول عن فقدان القطيف عام 1552 لصالح البرتغاليين، بعد السيطرة عليها عام 1550.
ثم ختم الباحث د. محمد السلمان حديثه عن العلاقة بين البحرين والقطيف؛ باستعراض مُبسط  لرسالة وردت من زعيم طائفة البَانيان التجارية في القطيف إلى الحاج عباس بن  فضل في البحرين، عام 1903 عندما كان ما يزال مساعدًا للوكيل الإنجليزي (جون ﮔاسكين) في وكالة البحرين ومسؤلًا عن ملف القطيف فيها، حول قضية بيع "جواني" رز وسلوق في القطيف قام بها بعض هؤلاء، وبها ذكر للشيخ محمد بن عبدالوهاب الفيحاني حاكم دارين، وقائم مقام القطيف وبعض أسماء تجار آخرين.