DELMON POST LOGO

على خفيف .. برنامج الحكومة خالي الدسم

الكاتب
بقلم : علي صالح
برنامج الحكومة الذي قدمته لمجلس النواب مؤخرا وطلبت على اساس الموافقة عليه منحها الثقة للسنوات الاربع القادمة ، هذا لا يمت بأي صلة للبرامج التي تقدمها الحكومات في الدول الديمقراطية والذي يقوم عادة على طرح المشكلات والنواقص والعجوزات ، وفي الجانب المقابل تقديم الخطط والحلول المدعومة بالمدد الزمنية  والارقام ومن ثم النتائج المتوخاة خلال فترة البرنامج .
وبالمقابل فان برنامج حكومتنا الرشيدة يأتي تكرارا للصيغ الانشائية التي بنيت عليها برامج الحكومة خلال العشرين سنة الاخيرة ، وجاءت خالية من تشخيص المشكلات وتقديم الحلول المزمنة والمدعومة بالارقام ، فيما عدا برنامج الحكومة 2018_ 2022 الذي الزم فيه مجلس النواب تحديد عدد الوحدات السكنية التي ستنجزها خلال مدة البرنامج ووعدت الحكومة بانجاز وتوزيع 25 الف وحدة سكنية ، وهو مالم تشر له الحكومة في نهاية العام الحالي ولا في برنامج السنوات الاربع التالية ، بل انها احالت حل مشكلة الاسكان الى البنوك والشركات العقارية !!
كما انه يأتي تكرار لما قدمته الحكومة خلال العامين الماضيين من خطط ومحاور ومبادرات واهداف وتعافي واستدامة وتنمية القطاعات الواعدة والمبهمة وتقديم حلول مبتكرة وغيرها من العناوين والعبارات الخالية من الدسم كما يقولون ..
وبالطبع فان هذه الصيغة التي قدمت بها الحكومة برنامجها مقصودة وانها تهدف الى الهروب من المشكلات والعجوزات الحقيقية والتي لايبدو انها تريد حلها او انها تمتلك الخطط اللازمة لمعالجتها لا امس ولا اليوم ولا غدا .
والى جانب خلو هذا البرنامج من عبارات تعزيز الديمقراطية والاصلاح السياسي واطلاق حرية الرأي والتعبير بمعناها الوارد في الاعلان العالمي لحقوق الانسان ، فان هذا البرنامج لم يتطرق الى قضايا اقتصادية ومالية كبيرة وملحة تعاني منها البحرين وتفاقمت خلال السنوات الاربع الاخيرة وهي لازالت في التفاقم وتهدد بعجز الدولة عن حلها .
من هذه القضايا والمشكلات الكبرى التفاوت المتزايد بين ايرادات ومصروفات الدولة بمليارات الدنانير دون ان تقوم الحكومة ولو مرة واحدة خلال العشرين سنة الاخيرة باقناع مجلس النواب او شعب البحرين لماذا دأبت ان تجعل المصروفات العامة في الميزانية ضعف الايرادات العامة تقريبا ، وان تجعل المصروفات المتكررة تفوق الايرادات النفطية، وان تحافظ على زيادة متواصلة في مخصصات الباب الاول في الميزانية ، وهو باب الرواتب والاجور في القطاع الحكومي ، مع ان الرؤية 2030 اوصت  بخفضه بمستويات كبيرة ابتداء من عام 2014 ، بل ان الدول الخليجية التي منحت البحرين دعما ماليا حتى الان بمبلغ 20 مليار دولار اشترطت منحها دعما جديدا بتخفيض مخصص الباب الاول في الميزانية بنسبة 10% .
تخفيض او ترشيد هذه المصروفات هو ما كان يجب ان يحظى باهتمام وتفصيل برنامج الحكومة ، وهو ما جرى ذكره في عام 2014 عندما تم التطرق الى الحكومة المصغرة على اعتبار ان اصحاب المناصب العليا هم من يستهلك تلك المخصصات ، لكننا مع الاسف بدلا من ان نقلص عدد الوزراء في الحكومة الى 15 وزيرا كما هو الحال في الكويت مثلا فاننا زدنا عددهم في الحكومة الاخيرة الى 27 وزيرا ، وابقينا على مخصصات الوزراء الذين خرجوا من الوزارة ليس الى التقاعد بل الى مناصب اخرى ، بالاضافة الى عدد كبير من المستشارين الذين يتقاضون رواتب وامتيازات مماثلة لما يتقاضاه الوزراء !
وانه بدلا من العناوين الانشائية والجوفاء التي زخر بها برنامج الحكومة الاخير فقد كان يفترض ان يركز هذا البرنامج على الدين العام الذي اصبح اليوم هو اب وام وقبيلة المشكلات الكبرى التي تهدد مستقبل البحرين ، ومع ذلك فلم يحظ لا هو ولا عجز الميزانية برقم او كلمة واحدة في هذا البرنامج !
فهذا الدين العام الذي اخترع من لاشيئ في عام 2008 وبما يزيد عن 600 مليون دينار ، اخذ يتزايد سنويا بمعدل مليار دينار بغض النظر عن مبلغ عجز الميزانية الذي دأبت الحكومة على الزعم ان هدف زيادة الدين العام هو تغطية عجز الميزانية .
واستمر هذا التناقض حتى عام 2012 عندما اقترضت الحكومة مليار دينار لسداد عجز ميزانية بلغ وقتها 30 مليون دينار ، والواقع ان عجز الميزانية العامة ليس هو السبب وراء الزيادة المضطردة في الدين العام ، بل ان المصروفات العامة المنفلتة والمتزايدة هي السبب وهي الدافع لزيادة الاقتراض الحكومي وبالتالي تضخم الدين العام .
والسؤال الحائر حتى الان ويفترض من مجلس النواب ان يجد له جواب لماذا تزايد حجم الدين العام منذ عام 2008 حتى اليوم وغدا ، واين ذهبت مليارات الدنانير التي اقترضتها الحكومة وعلى ماذا صرفتها ، على التنمية وتطوير البنية التحتية التي مولها المارشال الخليجي الاول والثاني بعشرين مليار دولار ، ام على دعم الكهرباء والمشتقات النفطية والسلع الغذائية التي اثبتت تقارير النواب والشورى وديوان الرقابة المالية انها وهمية ، وان ايرادات جهات حكومية كثيرة لا تدخل ميزانية الدولة ..
الدين العام هو قضية القضايا الكبرى الذي كان يجب ان يركز عليه برنامج الحكومة للاعوام 2023- 2026 لان وجوده وعدم السيطرة عليه يهدد مستقبل البحرين ، بعد ان بلغ اليوم 35 مليار دولار . .
وتزايد الدين العام يعني ان الحكومة لم قادرة او راغبة في تسديده وانما كانت ساعية الى زيادته ، كما يعني ان الحكومة لم تعد قادرة -  حسب مؤسسات التصنيف الائتماني الدولية- على الاستدانة من الخارج ، وان تفاقم هذا الوضع قد ادى وسيؤدي مستقبلا الى عزوف المستثمرين .
وعلى الدين العام مترتبات تتمثل في الفوائد التي تدفعها الدولة للجهات المقرضة ، وان هذه الفوائد باتت تشكل عبئا ثقيلا على الميزانية العامة ، وعلى سبيل المثال فقد وصلت فوائد الدين العام في عام 2018 الى 619 مليون دينار وبالتالي ابتلعت الايرادات غير النفطية التي بلغت وقتها 537 مليون دينار ، وتطورت هذه الفوائد حتى وصلت في عام 2020 الى 697 مليون دينار في حين بلغت الايرادات غير النفطية 507 ملايين دينار ، وفي العام الماضي 2021 ارتفعت فوائد الدين العام الى 708 ملايين دينار في حين بلغت الايرادات غير النفطية 538 مليون دينار ، ومن المتوقع ان تكون فوائد الدين العام قد ارتفعت هذا العام 2022 الى 757 مليون دينار مقابل الايرادات غير النفطية المنتظر ان تصل الى 555 مليون دينار فقط .
وبالتالي يعتقد بعض المحللين الاقتصاديين ان الحكومة ستبقى في الفترة القادمة عاجزة عن سداد اقساط الدين العام وفوائده وعاجزة عن الاقتراض من الخارج ، وانها ستستمر قدر المستطاع الاقتراض من الداخل كما حدث عندما اقترضت هذا العام مبلغ 800 مليون دولار .
هذه المعضلة ومحولة حلها هي ما كان يجب ان تركز عليه الحكومة بالتفصيل في برنامجها ، وهو ما يجب ان تتناوله لجنة الرد على برنامج الحكومة في مجلس النواب ،الى جانب قضايا اخرى اساسية مثل كيفية تحقيق التوازن المالي في عام 2024 وتنويع مصادر الدخل ،وحل مشكلة التضخم وانخفاض قيمة الدينار مقابل الدولار ، وغيرها من القضايا التي يمكن ان تجعل من هذا البرنامج دسما .