DELMON POST LOGO

على خفيف .. كيف يتصدى الاعلام للاصلاح

الكاتب
بقلم :علي صالح
تمر البحرين بعدد من الازمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، وبالتالي فان مجابهة هذه الازمات والتوصل الى حلول وتوافق حولها يحتاج منا كشعب وسلطة تشريعية وتنفيذية الى اصلاح شامل تكتنفه المصارحة والتوافق والعمل المشترك .
وقد جاء الميثاق ليشكل ارضية للاصلاح المنشود او هكذا تصور الناس ، غير ان الدستور الذي اعقبه بعام واحد جلب معه حزمة مراسيم سرعان ما اصبحت سارية المفعول دون ان تعرض على السلطة التشريعية ، فشكلت في مجموعها اجهاضا للديمقراطية التي بات الشعب ينشدها ويتطلع اليها منذ عقود .
ومن يومها اي منذ عام 2002 بات الاعلام المسموع والمقروء والمكتوب سلاحا تقضم الحكومة به مساحات من حرية الرأي والتعبير ، فمن ناحية تهيمن عليه اراء ومواقف الحكومة وحدها في جميع المجالات ، ومن ناحية اخرى لايسمح للجانب الشعبي المطالب بالاصلاح بولوج مختلف وسائل الاعلام وتوصيل ارائه او مطالباته بالاصلاح الجزئي والشامل .
البداية كانت مع الدستور الذي انقلب على مقولة الشعب مصدر السلطات جميعا ، واصبحت سلطة الشعب الرابعة في تسلسل السلطات فيه ، وخلال العام نفسه صدر مرسوم رقم 47 للمطبوعات والنشر الذي نص على حبس الصحفي واحتوى على عدد كبير من المواد الموجودة بالنص في قانون العقوبات .
وعلى مدى العشرين سنة الماضية فشلت كل محاولات السلطة التشريعية في الاتيان بقانون صحافة بديل ومواكب لعصر الحريات واحترام الكلمة ، بل ولاحتى تعديله واصبح اليوم سيفا مسلطا على رؤساء التحرير وعلى الكتاب والمحررين بمادة ( التضامن ) التي تجعل رئيس التحرير يتحمل مسؤولية اي كلمة تتعرض لمسؤول حكومي يخطها قلم صحفي او كاتب بالصحيفة .
وفي السياق نفسه جرى الاستيلاء على جمعية الصحفيين وجعلها تسير في كنف وزارة الاعلام ، جمعية ليس مهمتها الدفاع عن حرية الصحافة وانما اغلاق صفحات الصحف امام الاقلام الحرة ومطالب جمهور القراء بالاصلاح .
في بدايات الاصلاح كانت الصحافة تزخر بالديمقراطية ، لدى كل صحيفة اخبارها الخاصة التي يعمل الصحفيون على جلبها من الوزارات والشركات والمجتمع ومعها عدد من المقابلات والحوارات التي تشمل الوزراء والمسؤولين في الشركات والمجتمع المدني وغيرهم من واضعي السياسات في القطاعين العام والخاص .
وكان هناك كتاب الرأي الذين يحللون وينتقدون  ويعترضون على المواقف والتصريحات التي لا تنسجم وتوجهات الرأي العام ، وكانت كل صحيفة لا تخلوا من التحقيق الصحفي ومن اقامة ندوة او سلسلة ندوات تتناول فيها قضايا الشأن العام ، وبعبارة واحدة كانت الصحافة ترتبط بجمهور القراء ، والقراء يقبلون على شراء مختلف الصحف التي تتنافس في عرض الاخبار والتحليلات والمواقف الناقدة والمعلنين يتنافسون على نشر اعلاناتهم في هذه الصحف .
ومع مرور الايام تغيرت السياسات واصبحت الصحافة واجهزة الاعلام المرئية والمسموعة حكومية لايمر من خلالها الا ما تريده الحكومة وما يعبر عن رأيها وما لايتعارض مع سياساتها وتوجهاتها ، وهو ما ادى بالضرورة الى افراغ اجهزة الاعلام والصحافة من محتواها وحيويتها .
وعززت الحكومة هيمنتها على الصحافة واجهزة الاعلام بانشاء مركز الاتصال الوطني المكون من سبعة اعضاء بينهم الرئيس الى جانب الرئيس التنفيذي وليصبح هذا المركز الجهة الوحيدة التي تمد الصحافة والاعلام بالمادة الاخبارية والصحفية بما فيها اللقاءات التي تجرى في المناسبات والتصريحات التي يدلي بها اعضاء مجلسي النواب والشورى والتي عادة مانجدها مكررة في اكثر من صحيفة صادرة في نفس اليوم .
وضمن  سياسة تحول الصحافة الى الجانب الحكومي وعدم السماح لها بتوجيه انتقاد لوزير او للحكومة بشكل عام اختفت من الصحف واجهزة الاعلام المقابلات الصحفية النقدية والاخبار الخاصة والندوات وغدت الصحافة واجهزة الاعلام فارغة من اي محتوى صحفي ومجال للتندر من المشاهدين والمستمعين والقراء ، وغدا الهدف من صدورها واحد وهو نشر اخبار الحكومة وتلميع صورة المسؤولين ، وبالتالي يكفيك ان تفتح صحيفة واحدة لتتأكد انك قرأت جميع الصحف ومعها الاذاعة والتلفزيون .
اجهاض الاصلاح او تفريغه من محتواه لم يقتصر على الصحافة والاعلام وانما امتد الى جمعيات المجتمع المدني والجمعيات السياسية ونقابات العمال واتحاداتها والاندية الثقافية والرياضية والمسارح وغيرها من المجالات والمؤسسات التي يفترضان تتمتع بحرية الرأي والتعبير لكنها فقدت هذه الحرية والاستقلالية اما بالتضييق عليها من خلال القوانين والاجهزة او بتشديد الاوامر والغاء الدعم المادي الذي قررته القوانين لدعم انشطة هذه الجمعيات.
والنتيجة ان تختصر كل الاراء والاصوات والمواقف والتعبير عنها في رأي واحد ورؤية واحدة وتوجه واحد هو ما تراه وما تريده الحكومة وحدها ، حتى السلطة التشريعية التي يفترض انها مستقلة وممثلة للشعب مصدر السلطات جميعا تدخلت الحكومة في شؤونها حتى قبل انتخابات 2002 عندما اصدرت اللائحة الداخلية للمجلسين وعملت على تقليص صلاحياتهما في السنوات اللاحقة بتعديلات متواصلة حتى اصبح مجلس نواب الشعب مجلس اقتراحات برغبة !
كل هذه التصرفات والقرارات الحكومية المدروسة جاءت لتصب فخانة الايام الجميلة التي لم ولن نراها ، ولتشكل في مجموعها اجهاضا للاصلاح الديمقراطي ومجالاته السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، واجهاضا اكبر لاحلام وتطلعات شعب البحرين على مدى اكثر من 70 سنة .