DELMON POST LOGO

على خفيف .. هيكلة الحكومة أولا

الكاتب
بقلم : علي صالح
قرار مجلس الوزراء ( بالموافقة على مذكرة مجلس الخدمة المدنية حول اعادة هيكلة عدد من الوزارات والجهات الحكومية بهدف تحسين الاداء وزيادة الكفاءة ) جيد ولكنه اقل فاعلية وجدوى من القرار الشامل والمطلوب .
فالوضع الاقتصادي والمالي والانتاجي في الدولة لا يمكن ان يتطور ويلبي طموحات الشعب والحكومة على حد سواء الا اذا تم اعادة هيكلة الحكومة بجميع ما تشمل من وزراء ووزارات وهيئات وبالتالي مصروفات متكررة واخرى تخص الباب الاول من الميزانية العامة ..
ولتوضيح الصورة فقد بلغت تقديرات الايرادات العامة في ميزانية 2023 مبلغ 3 مليارات و 103 ملايين دينار ، والمتوقع ان ترتفع في عام 2024 الى 3 مليارات و 469 مليون دينار .
في حين تبلغ المصروفات المتكررة في العام الحالي 3 مليارات و 371 مليون و965 الف دينار .
وفي العام القادم يتوقع ان تنخفض المصروفات المتكررة الى 3 مليارات و420 مليون و 405 الف دينار ، وبذا يصبح مجموع المصروفات المتكررة للسنتين 6 مليارات و 692 مليون و 370 الف دينار ، يضاف لها تقديرات اخرى بميزانية المصروفات المتكررة للعامين يقدر بمبلغ 161 مليون و767 الف دينار ليصبح مجموع المصروفات المتكررة في ميزانية العامين 6 مليارات و 953 مليون و 137 الف دينار ،
وكما هو واضح فان مجموع المصروفات المتكررة كل سنة يتجاوز او يبتلع الايرادات العامة وليس الايرادات النفطية فقط ، وهذه السياسة الحكومية والثابتة منذ قبل صدور رؤية البحرين 2030 في عام 2008 ادت الى حدوث العجز في ميزانية الدولة 2009 ومن ثم بدء ظهور الدين العام وفوائده وتفاقمهما سنة بعد اخرى بغض النظر عن حجم العجز في الميزانية العامة .
ومن هنا فان اعادة هيكلة وزارات وهيئات الحكومة بصفة عامة بغرض تحسين الاداء يقتضي تقليص عدد الوزارات وربما الهيئات ، وكذلك باب الرواتب والاجور والذي بات يبلغ الكثر من مليار و 411 مليون دينار  او 30% من المصروفات المتكررة وهي نسبة عالية جدا ، حيث طالبت الرؤية ان تكون في عام 2014 اقل من 10 % وان تنزل هذه النسبة في عام 2020 الى اقل من ذلك بكثير ، كما طالبت الرؤية ان تتقلص المصروفات المتكررة في عام 2014  لتوازي في مجموعها الايرادات غير النفطية والتي اصبحت اليوم توازي فوائد قروض الدين العام ( 698 مليون دينار ) .
كيف نستطيع تحقيق اعادة الهيكلة الحكومية وبالتالي تقليص المصروفات والتحول من عجز الى فائض الميزانية العامة وبالتالي نلبي طلبات المواطنين في تحسين معيشتهم واجورهم .
البداية تكون بالتخطيط وهو الاسلوب الذي اخذت به حكومة البحرين في ثمانيينات القرن الماضي لفترة وجيزة ثم تخلت عنه رغم النجاحات التي تحققت وقتها ، ولازالت حكومتنا الرشيدة ترفض التخطيط في حين باتت جميع دول المنطقة تأخذ به .
نحن اليوم اذا بحاجة الى البدء بانشاء مجلس للتخطيط من عدد من الكفاءات واصحاب الخبرة ، يتولى وضع الخطط الرباعية ( اي كل اربع سنوات ) عوضا عن برنامج الحكومة الذي كان ولازال اجوفا خاليا من الدسم .
وكل واحدة من هذه الخطط لها اهداف اجتماعية واقتصادية تنهض بمستوى عيش المواطن وتستهدف ايجاد الوظائف بعدد معين سنويا في قطاعات اقتصادية معروفة وبالتنسيق المسبق مع القطاع الخاص. .
كما تشمل هذه الخطط النهوض بالصناعة والزراعة والسياحة والثقافة وتنويع مصادر الدخل والتنسيق التكاملي مع دول مجلس التعاون ، على ان تعرض هذه الخطط على السلطة التشريعية التي توافق على مخصصاتها المالية ونتائج اهدافها ومن ثم تعاود مناقشتها في نهاية كل عام وكذلك في ختام السنة الرابعة .
والاهم من كل ذلك ان تربط هذه الخطط بالميزانية العامة مباشرة حيث تأخذ نصيبها الوافر من الايرادات والمصروفات التي توزع حسب الاهداف وبناء على الاداء وهي ذات الميزانية المنصوص عليها في الرؤية 2030 ولم تأخذ بها الحكومة على مدى 15 سنة .
ويبدو ان تهرب الحكومة طيلة هذه السنوات عن الاخذ بميزانية البرامج والاداء من ناحية والتخطيط من ناحية اخرى انها تريد ان تتصرف وحدها في تحديد اوجه الصرف وبالتالي في تبديد المال العام على اشخاص وفي مجالات ذات منفعة خاصة وبعيدة عن الانتاجية وتحقيق النمو الاقتصادي والتوازن المالي .
وبعد اعتماد التخطيط كاطارعام لاعادة الهيكلة الحكومية وتحسين الاداء وزيادة الكفاءة، تكون الخطوة التالية والموازية اعادة هيكلة الحكومة بتقليص عدد الوزارات الى ما يقارب نصف عددها الحالي البالغ 28 وزارة الى جانب 32 مستشار على الاقل برتبة وزير ووزراء سابقين تم اعادة توظيفهم في السلك الحكومي برتبة وزير خلافا لما يحدث في دول العالم حيث يحال الوزيربعد عمل لايزيد عن 8 سنوات على التقاعد .
وتعتمد عملية التقليص هذه اسلوب الدمج او تكليف الوزير بمسؤولية وزارتين كما هو حادث في دول كثيرة واقربها لنا الكويت التي جاء تشكيلها الوزاري الاخير بعدد 14 وزارة فقط مع مراعاة التركيز على التنمية الاقتصادية بانفراد الصناعة في وزارة واحدة والزراعة والثروة السمكية في وزارة اخرى وجعل النفط والغاز والكهرباء والماء في وزارة واحدة هي وزارة الطاقة تتبعها هيئة للنفط والغاز واخرى للكهرباء والماء .
وفي ذات الاطار يتم ادماج وزارة العمل وصندوق العمل ( تمكين ) وديوان الخدمة المدنية في وزارة واحدة تسمى وزارة القوى العاملة ، وتختص وحدها بصلاحية التوظيف في القطاعين العام والخاص  اسوة بما كان يحدث في الماضي ، وبهذا تلغى هيئة سوق العمل التي جاءت بها شركة مكنزي لتزيد من تفاقم اعداد العمالة الاجنبية في البلاد ودخول مئات الالوف منهم وبقاءهم الى الابد تحت مسميات مختلفة نظير رسوم زهيدة تدفع للحكومة وخسائر فادحة تتكبدها العمالة البحرينية .
اما البلديات فانها لاتحتاج الى وزارة وانما تتبع اداراتها المجالس البلدية المنتخبة جميعها بما فيها مجلس بلدي العاصمة وتمول مشروعاتها ومصاريفها من ايرادات الصندوق البلدي المشترك بعيدا عن تدخل الحكومة وقضم جزءا من ايرادات هذا الصندوق .
والوزارة الاخرى التي يجب ان تلغى هي وزارة مجلس النواب والشورى ، ويتم تصحيح العلاقة بين السلطة التشريعية والتنفيذية بعودة الوزراء لحضور الجلسات كاعضاء معينين اسوة بما كان عليه الحال في المجلس الوطني لعام 1973 وبما عليه الحال اليوم في مجلس الامة الكويتي والمجالس النيابية والاستشارية في الدول الاخرى ، واخيرا تدمج وزارات وهيئات الشباب والرياضة المتعددة في مؤسسة واحدة تحصل وحدها على مخصص مالي من ميزانية الدولة .
ذلك ان الاخذ بالتخطيط و تقليص عدد الوزارات ومايتبعها من هيئات ومجالس وموظفين سوف يؤدي الى تقليل المصروفات المتكررة الى النصف تقريبا وتقليل مصروفات الرواتب والاجور في الحكومة وغيرها من الاجراءات الضرورية واللازمة لتوظيف ايرادات الدولة في خلق اقتصاد وطني قوي ومنافس ووقف هدر المال العام وانهاء عجز الميزانية والدين العام .
ولكي نضمن تحقيق هذا التغيير وديمومته فلا بد من اعادة الصلاحية والحيوية لديوان الرقابة المالية والادارية بعد ان تقلصت صلاحياته وفاعليته والجهات التي يراقبها واصبح وجوده لا يعدو تقديم واجبا روتينيا تبهت الوانه ونتائجه عاما بعد عام .
ان ديوان الرقابة المالية والادارية سلطة رقابية شعبية على الحكومة يتبع في جميع دول العالم للسلطة التشريعية  ويقدم تقاريره لها وحدها ، وهي مسؤولية سلبت منه عندنا بل ان جهات متعددة في الحكومة باتت خارج رقابة الديوان ، وبالتالي فاعادة تبعية الديوان للسلطة التشريعية وتمكينه من مباشرة رقابته على كافة الجهات التي تمول من ميزانية الدولة خطوة ضرورية لوقف اهدار المال العام وضياعه بعيدا عن المحاسبة .
فلتبدأ الحكومة باصلاح ذاتهاالكلية ومن ثم تنتقل الى الاطراف والتفاصيل.