• تأثرت طرق التجارة العالمية بجائحة "كوفيد_19" بالإضافة إلى سلسلة من الاضطرابات الجيوسياسية والبيئية
• لابد من تبني أسلوب ونهج جديد تجاه سلاسل الإمداد لضمان الاستمرار بتقديم سلع يريدها المستهلكون وتحتاجها المجتمعات
• مركز البحرين العالمي للشحن البحري-الجوي يوفر خدمات تتميز بالكفاءة والسرعة المطلوبة لأي قطاع لوجستي متقدم
بقلم : محمد بن ثامر الكعبي- وزير المواصلات والاتصالات*
في ظل العولمة والارتباط الوثيق بين المجتمعات، يلجأ المستهلك في مجتمعنا المتقدم اليوم إلى طلب السلع ذات التكلفة المنخفضة، والمتاحة بسهولة في أي وقت، وهو ما يستلزم وجود سلاسل إمداد موثوقة ومرنة. ولكن أظهرت تجارب السنوات القليلة الماضية بأن جودة تلك السلاسل مرتبطة ارتباطا وثيقا بكفاءة وسائل النقل التي تشكل جزءاً حيوياً من عملية الإمداد الدولي.
لذا فالسؤال هنا، هو كيف سيكون بإمكان الشركات أن توفر خدماتها أو سلعها بالقيمة التي ينشدها عملاؤها من دون المجازفة بإنفاق ميزانياتها على الخدمات اللوجستية ووسائل النقل، وهو ما قد يتسبب في النهاية بعرقلة تدفق البضائع بالغة الأهمية للاقتصاد العالمي؟
تكمن الإجابة في الشحن (متعدد وسائط النقل) باعتباره الحل المنشود لمثل هذا التحدي.
فما هو الشحن متعدد وسائط النقل؟
يستخدم الشحن متعدد وسائط النقل، والذي يعرف أيضًا باسم الشحن المركب أو "الشحن البحري-الجوي"، أشكالًا متعددة من أفضل وسائل النقل لتسليم البضائع في الوقت المناسب، وبطريقة فعالة من حيث التكلفة، فعلى سبيل المثال قد يستفيد من عنصر السرعة في الشحن الجوي في جزء من عملية النقل، ثم يستغل الشحن البحري في الجزء الآخر للتقليل من كلفة النقل.
مثال على ذلك، أن تقوم شركة يابانية بنقل بضائعها إلى الولايات المتحدة الأمريكية عن طريق تحميل شحنتها على سفينة حاويات متجهة إلى ميناء لوس أنجلوس، ومن ثم يتم نقل الشحنة إلى مطار لوس أنجلوس الدولي ليتم بعدها نقلها جواً إلى وجهتها النهائية في مدينة دنفر بولاية كولورادو الأميركية.
لذا يمكننا القول إن من بين أحد أهم عوامل نجاح الشحن متعدد وسائط النقل هو وجود المركز الفعال الذي يساعد على تدفق البضائع من خلاله، ويجب أن تتوافر في هذا المركز منطقة تكون فيها الإجراءات الجمركية سلسة، والروابط بين نقاط الدخول والخروج بدون عوائق.
وإن كانت منطقة الخليج العربي قد عرفت بكونها مركزًا للتجارة منذ آلاف السنين، لذا فإنه ليس من المستغرب أن تستمر خدمات النقل اللوجستية في لعب دور محوري في تحقيق طموح دول المنطقة.
ولقد أدركت مملكة البحرين، على وجه الخصوص، ومنذ فترة طويلة ما تشكله الخدمات اللوجستية من أهمية لمستقبلها ومستقبل الاقتصاد العالمي، فلطالما ركزت البحرين تاريخياً على الشحن البحري الذي على الرغم من إمكانية الاعتماد عليه، إلاّ إنه يعتبر وسيلة نقل محدودة، كما تميزت البحرين أيضاً بكونها لاعباً رئيسياً في النقل البري الإقليمي، خاصة عبر جسر الملك فهد الذي يمتد بطول 25 كيلومترًا، ويربط البحرين بالمنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية مما يجعلها مركزا إقليميا هاما يصل بجميع مناطق الدول الخليجية ويسهل وصول البضائع والخدمات إليها بكل يسر.
وقد كشفت جائحة "كوفيد_19" عن أبرز نقاط الضعف في سلاسل الإمداد العالمية، حيث أدت الجائحة إلى ارتفاع حاد في أسعار الشحن، وهو ما ساهم في أن تتعطل أماكن النقل وتتراكم الحاويات في الموانئ في جميع أنحاء العالم، في الوقت الذي زادت فيه بصورة هائلة أعداد الأشخاص الذين يتسوقون عبر شبكة الإنترنت، حيث أدت التدابير المتخذة لحماية الصحة العامة إلى أن يصبح العديد من الأشخاص محاصرين في منازلهم، وهو ما اضطر بدوره مقدمي الخدمات اللوجستية إلى أن يتجهوا نحو الإبداع، والسعي لإيجاد الوسائل الكفيلة بتخفيف التكاليف، مع المحافظة في الوقت نفسه على سرعة وجودة الخدمة التي يعتمد عليها الاقتصاد العالمي.
بناء مركز لوجستي مستقبلي
أطلقت البحرين مركزها اللوجستي العالمي للشحن "البحري–الجوي" في أكتوبر 2021 وذلك ضمن خطة التعافي الاقتصادي، وهي خطة استراتيجية شاملة تم تصميمها لاحتواء آثار جائحة "كوفيد_19"، بهدف تعزيز النمو الاقتصادي، إذ يعتبر هذا المركز اللوجستي أسرع مركز متعدد وسائط النقل في المنطقة، بمتوسط ساعتين لنقل الشحنات، إذ يتيح روابط جوية مباشرة لأكثر من 60 وجهة، من خلال شركات الطيران التجارية وشركات الشحن، كما سيتمكن شركاء المركز اللوجستي من الحصول على إمكانية الشحن السريع بصورة فورية من الموانئ، حيث تصبح العملية بأكملها ممكنة من خلال مجموعة من الحلول التنظيمية والتشغيلية، إلى جانب كفاءة الموانئ، وحلول المعالجة الرقمية والقرب الجغرافي بين الميناء والمطار.
ويولي مركز الخدمات اللوجستية للشحن "البحري–الجوي" أهمية خاصة للمنتجات التي تحتاج عناية خاصة، مثل السلع السريعة التلف، والأجهزة الطبية، ومنتجات التجزئة، والبضائع الأخرى التي تعتبر سرعة التسليم من بين أولوياتها، لذا عكفت المملكة على استخدام التكنولوجيا لتسريع الشحنات، وتسليمها بأسرع ما يمكن وبكفاءة، وهو ما يساهم في تحقيق الهدف الذي أنشئ لأجله المركز.
وتتميز هذه الحلول بتعزيز الشفافية بشأن مصدر البضائع، إلى جانب جعل العمليات الجمركية أكثر كفاءة، كما إنه من المؤمل أن يساهم الجمع المبتكر بين طرق النقل المتعددة والتكنولوجيا الحديثة، وهو ما تتبناه مملكة البحرين، في أن تصبح عمليات الشحن عبر مركز الخدمات اللوجستية للشحن "البحري–الجوي" أكثر فعالية، من حيث التكلفة بنسبة 40 % ، مقارنة بالاعتماد على الشحن الجوي فقط، كما وستكون أسرع بنسبة 50% من استخدام الشحن البحري لوحده.
وللاستثمار في قطاع الخدمات اللوجستية تأثير إيجابي مضاعف، فهو يساهم في تعزيز قطاعات أساسية من الاقتصاد الوطني، وهو عنصر أساسي من عناصر الاستراتيجية الاقتصادية لمملكة البحرين. وتهدف المملكة إلى زيادة مساهمة القطاع في الناتج المحلي الإجمالي بحوالي 10%، كما تتبنى أهدافاً طموحة لمضاعفة حجم الشحن الجوي الذي يمر عبر موانئها، ومضاعفة حجم الشحن البحري بحلول عام 2030. وتضع مملكة البحرين نفسها كمركز لوجستي عالمي رئيسي، مستفيدة في ذلك من موقعها الاستراتيجي المتمركز في منتصف الخليج العربي، وهو ما يمنحها الفرصة لأن تلعب دورًا مهمًا على الساحة اللوجستية الدولية.
وقد خطت المملكة نحو هذا الهدف بتعزيز خدمات الخط البحري-الجوي مستفيدة من قرب ميناءها الرئيسي إلى مطار البحرين الدولي والذي يحتضن منطقة جديدة للشحن الجوي، ومن كفاءة ميناء خليفة بن سلمان، الأسرع في تخليص الإجراءات الجمركية في الخليج.
وتعتبر تكلفة تشغيل الأعمال اللوجستية في البحرين الأقل بالمقارنة مع دول المنطقة.
ويستفيد المستثمر العالمي من مزايا إضافية مساندة لبيئة الأعمال في البحرين منها إمكانية ملكية الاستثمار الأجنبي التي تصل لحد 100% في أماكن التخزين والتعبئة والتغليف والتوزيع الإقليمي وإعادة تصدير السلع. كما أنه لا توجد أية ضرائب مطبقة على دخل الشركات.
مستقبل سلاسل الإمداد
شكلت جائحة "كوفيد_19" نقطة تحول نوعي في مسيرة الاقتصاد العالمي، فقد كانت الجائحة مجرد حافز للتغيير وذلك مع تطور عادات المستهلك، فليس من المستحيل المحافظة على التوازن بين الجودة العالية للمنتجات وعملية التسليم السريع لها، ولن يكون الاقتصاد العالمي الرقمي بطبيعته الدينامية والحيوية مقتصراً على كونه فكرة مرهونة للمستقبل، وإنما أصبح واقعاً نعيشه، وهو ما بتنا نشهده من قيام موردي الخدمات اللوجستية بتجزئة عملياتهم استجابة لهذا التحول، وتسريع أنشطتهم بهدف تقليل مخاطر التركيز والاضطراب الناجم عن الأحداث المرتبطة بالتوترات الجيوسياسية أو الجائحة، فبات ممكناً الاستعانة بتقنيات "البلوكتشين" للمساهمة في ضمان تحقيق الشفافية والجودة.
كما أصبح من المؤكد أن يتجه مستقبل الخدمات اللوجستية نحو التحول الرقمي، وإلى جانب ذلك ستتميز الخدمات اللوجستية بسرعة حركتها، وتعددية وظائفها وانتشارها المفتوح عبر مناطق جغرافية متعددة، وهو بالضبط ما يحتاجه الاقتصاد العالمي.
------------------------------------------
* مقال منشور على موقع منتدى الاقتصاد العالمي