DELMON POST LOGO

احتمال وصول نسبة الدين العام للبحرين الى 127 % من اجمالي الدخل القومي بحلول 2027 .. وتراجع اسعار النفط يضغط على الميزانية

المجلس التنفيذي يختتم مشاورات المادة الرابعة ويقدم عدد من التوصيات بينها ضرورة وضع الدين العام على مسار تنازلي ثابت

اختتم المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي في 24 يونيو 2022 مشاورات المادة الرابعة مع مملكة البحرين ونظر في تقييم خبراء الصندوق وأقره دون اجتماع على أساس انقضاء المدة.
نفذت البحرين حملة تطعيم قوية غطت كافة المقيمين، وكانت من أسرع الحملات في العالم والتي سمحت بإعادة فتح الاقتصاد على نطاق واسع في صيف عام 2021. وأدت حزمة الدعم المقدمة إلى إغاثة القطاعين الخاص والمصرفي، مما ساعد على احتواء خسائر الوظائف والضغوط على الشركات.
ويأخذ التعافي من الجائحة الآن مساره بالتدريج، بينما تؤدي عودة زخم إصلاحات المالية العامة، مع مضاعفة معدل ضريبة القيمة المضافة مؤخراً إلى 10%، وارتفاع أسعار النفط إلى تخفيف مكامن الضعف على صعيد المالية العامة والصعيد الخارجي. وقد حقق الاقتصاد البحريني نمواً بمعدل 2,2% في عام 2021، مدفوعا بنمو قدره 2,8% في إجمالي الناتج المحلي غيرالهيدروكربوني. وكان التعافي مدعوماً بأداء قوي في قطاع الصناعات غير الهيدروكربونية وكذلك في قطاعي تجارة التجزئة والضيافة. ومع التعافي الاقتصادي وارتفاع أسعار النفط، تقلص عجز ميزانية الدولة إلى 6,8% من إجمالي الناتج المحلي في عام 2021، بينما تقلص عجز المالية العامة الكلي إلى 11,1% من إجمالي الناتج المحلي وتراجع الدين بدرجة طفيفة إلى 129% من إجمالي الناتج المحلي. كما حدث تحسن ملحوظ في الحساب الجاري وحقق فائضاً قدره 6,7% من إجمالي الناتج المحلي في عام 2021، وارتفعت الاحتياطيات الدولية لتغطي 2,4 شهراً من الواردات غير النفطية المحتملة. ولا تزال مؤشرات السلامة المصرفية تتسم بالصلابة، ولكن ربما كانت حزمة دعم القطاع المالي قد حجبت بعض مواطن الضعف.
ومن المتوقع أن يواصل النشاط الاقتصادي التعافي باعتدال وأن يشهد مركز المالية العامة والمركز الخارجي تحسناً كبيراً في الأجل القريب و أن يستقر النمو عند مستوى 3% في الأجل المتوسط. ومع هذا، سيفرض تراجع أسعار النفط ضغوطاً على عجز المالية العامة والدين العام والذي من المتوقع أن يصل إلى 127% من إجمالي الناتج المحلي بحلول عام 2027. ويخيم قدر كبير من عدم اليقين على التنبؤات، بما في ذلك عدم اليقين بشأن تطورات الجائحة والحرب في أوكرانيا، بالإضافة إلى آفاق التضخم العالمي.
وتحرص السلطات على التزامها القوي بجدول أعمال الإصلاحات الذي وضعته والذي توضحه "خطة التعافي الاقتصادي" و"برنامج التوازن المالي" المعدل، بما في ذلك الإصلاحات الطموحة لتخفيض عجز المالية العامة والدين العام.
تقييم المجلس التنفيذي
وفي ختام مشاورات المادة الرابعة لعام 2022 مع مملكة البحرين، أيد المدراء التنفيذيون تقييم خبراء الصندوق على النحو التالي:
اتخذت البحرين إجراءات جديرة بالثناء على صعيد السياسات لمواجهة الجائحة، وتمضي قُدُماً في تنفيذ الإصلاحات المالية والهيكلية. وقد نجحت الإجراءات التي اتخذتها السلطات على صعيد السياسات لمواجهة الأزمة في تخفيف الأثر الصحي والاجتماعي-الاقتصادي من جائحة كوفيد-19، وحالت دون فقدان الوظائف، وساعدت على التعافي الاقتصادي بعد أن رُفِعَت تدابير الاحتواء. وكان قد خفف تجدد زخم إصلاحات المالية العامة وأسعار النفط المواتية من مواطن الضعف في المالية العامة والحساب الخارجي. ويُتوقع استمرار التعافي بوتيرة معتدلة، حيث أن تصحيح أوضاع المالية العامة وتشديد الأوضاع المالية العالمية سيشكلان تأثيرات عكسية قد تبطئ من النمو. ولا تزال كفة ميزان المخاطر المحيطة بآفاق الاقتصاد تميل نحو التطورات المعاكسة والتي قد تبطىء من النمو.
وينبغي المواصلة في تنفيذ الإصلاحات المالية العامة لوضع الدين على مسار تنازلي ثابت. ورحب الخبراء بتجدد زخم إصلاحات المالية العامة وأوصوا باستفادة السلطات من الظروف الاقتصادية الكلية والتمويلية المواتية في الوقت الراهن لتشريع مجموعة من تدابير المالية العامة في قانون الميزانية القادم لسنة 2023/2024 على نحو يتماشى مع خطتها بشأن "برنامج التوازن المالي". ويمكن موازنة وتيرة التصحيح مع مكوناته على المدى المتوسط لدعم النمو والاستدامة المالية معاً والحد من الاعتماد على الإيرادات النفطية ورفع مستوى كفاءة الإنفاق. وينبغي استخدام أي إيرادات نفطية استثنائية في إعادة بناء الهوامش الوقائية. ويمكن الحد من المخاطر التي تهدد تنفيذ الإصلاحات من خلال تحسين شفافية المالية العامة، بوسائل منها الإلغاء التدريجي للإنفاق خارج الميزانية.
ويظل يمثل نظام ربط سعر الصرف ركيزة نقدية ملائمة وعليه ينبغي على مصرف البحرين المركزي أن يواصل في اتباع دورة التشديد في الاحتياطي الفيدرالي لوقف ضغوط التدفقات الرأسمالية الخارجة. ويمكن دعم المركز الخارجي ومن ثم نظام الربط لسعر الصرف من خلال الإلغاء المرحلي لعمليات السحب على المكشوف بالنقد الأجنبي في مصرف البحرين المركزي، إلى جانب ضبط أوضاع المالية العامة. وعلى المدى الطويل، من شأن أن تساعد مراقبة مخاطر النقد الأجنبي وزيادة تعميق أسواق المال المحلية على إعداد سياسة نقدية أكثر استقلالية في اقتصاد ما بعد النفط.
وقد نجح مصرف البحرين المركزي في الحفاظ على الاستقرار المالي أثناء الأزمة وينبغي عليه الآن سحب تدابير الدعم التي قدمها في مواجهة الجائحة. كما ينبغي العمل على إلغاء تأجيل أقساط القروض، ويمكن الاستعاضة عنها، عند الحاجة، بتدابير موجهة بدقة وذات أفق زمني محدد تستهدف المقترضين الذين يمتلكون مقومات البقاء، وفي نفس الوقت تسوية حالات انكشاف المقترضين غير القادرين على الاستمرار. وينبغي إعادة معايرة أدوات السلامة الاحترازية الكلية لكي تعود إلى موقفها المحايد نظراً لتمتع الجهاز المصرفي بمستويات كافية من الهوامش الوقائية من السيولة ورأس المال، وعلى السلطات تعزيز إطار سياسة السلامة الاحترازية الكلية من خلال إضافة المؤشرات العقارية إلى أدوات تحليل الاستقرار المالي ومواصلة الجهود لتقوية أطر التعامل مع التعثر.
وينبغي لإصلاحات سوق العمل والإصلاحات الهيكلية الأخرى أن تدعم توفير فرص العمل في القطاع الخاص وأن تعزز من تنويع النشاط الاقتصادي. ورحب خبراء الصندوق بخطة السلطات للتعافي الاقتصادي. ويمكن من خلال احتواء فاتورة أجور العاملين في القطاع العام، ومعالجة مسألة عدم اتساق المهارات مع احتياجات سوق العمل وتسهيل انتقال العمالة المساعدة في تحقيق التعافي الاقتصادي وتوفير فرص العمل. كما ينبغي المواصلة في بذل الجهود لدعم زيادة مشاركة المرأة في القوى العاملة. ويمكن تحقيق تعافٍ قوي، شامل، وأخضر من خلال تحسين بيئة الأعمال، والمُضي قُدُماً في التحول الرقمي وتسهيل الحصول على التمويل، ولا سيما للمشروعات الصغيرة والمتوسطة والنساء، والعمل على تنفيذ الإصلاحات لدعم التحول نحو اقتصاد منخفض الكربون.
ويقترح الخبراء إجراء مشاورات المادة الرابعة القادمة مع مملكة البحرين على أساس الدورة الاعتيادية البالغة مدتها 12 شهرا.
نظرة تاريخية على الدين العام
يشار الى ان حجم الديون الحكومية  انتقل من 3,169 مليون دينار في نهاية عام 2011 إلى 14,461 مليون دينار في نهاية عام 2021. خلال هذه الفترة ارتفع الحجم بنسبة عالية معدلها السنوي 35%، واستمر الارتفاع في الربع الأول من العام الجاري 2022 فبلغ 14,566 مليون دينار.
 في 2011 كانت نسبة الدين العام الى الناتج المحلي الاجمالي  29.1%، ثم اتجهت نحو التصاعد التدريجي لتصل إلى 114.5% ، سيستمر هذا الاتجاه في عام 2022، وتجدر الإشارة إلى وجود تقديرات أخرى تتجاوز هذه النسبة ومن بينها حسابات صندوق النقد الدولي.
وبالتالي ارتفعت فوائد الديون ارتفاعاً هائلاً خلال السنوات العشر الماضية، فقد انتقلت من 115 مليون دينار في 2011 إلى 708 مليون دينار في 2021، أي بمعدل سنوي قدره 51.5%. ويمكن تقسيم هذا المعيار إلى شطرين أيضًا:
يتناول الشطر الأول علاقة فوائد الديون بالإيرادات العامة. في 2022 قدرت فوائد الديون بمبلغ 757 مليون دينار، أي يجب رصد نصف إيرادات النفط والغاز لتمويلها.
أما الشطر الثاني فينصرف إلى علاقة فوائد الديون بالنفقات العامة. تبلغ هذه الفوائد حالياً ربع النفقات الكلية للدولة. في عام 2011 كانت الفوائد تعادل نصف نفقات وزارة التربية والتعليم، وفي 2022 أصبحت تساوي ثلاثة أضعاف نفقات هذه الوزارة.
في عام 2011 كان حجم الاحتياطي النقدي 1,773 مليون دينار وحجم الفوائد 115 مليون دينار، أي لا تشكل هذه الفوائد سوى 6.4% من الاحتياطي. في حين في عام 2021 بلغ حجم الاحتياطي 1,950 مليون دينار والفوائد 708 مليون دينار، وهكذا أصبحت الفوائد تشكل 36.3% من الاحتياطي.
كي لا يقود ارتفاع الفوائد إلى استنزاف الاحتياطي النقدي تضطر السلطات العامة إلى اللجوء إلى المزيد من الاقتراض لتمويل الفوائد، عندئذ تزداد مرة أخرى الديون العامة.
في 2011 كانت الفوائد تمثل 3.6% من حجم الديون. ثم ارتفعت النسبة إلى 5.2% في 2022.
ونلاحظ أن حجم الديون الخارجية يعادل تقريباً حجم الديون الداخلية، لكن الفوائد على الديون الخارجية أعلى بكثير من الفوائد على الديون المحلية. الأمر الذي يشير إلى ارتفاع أسعار القروض الخارجية بسبب تدهور الوضع المالي للبلاد.
بما أن الديون ناجمة عن توالي عجز الميزانية، لذلك لا يمكن معالجتها إلا عن طريق إصلاح يتصدى لهذا العجز. وهكذا تم إطلاق “برنامج التوازن المالي” في 2018 الذي يهدف إلى تصفير عجز الميزانية بحلول عام 2022. تضمن البرنامج عدة إجراءات تتناول زيادة الإيرادات وتقليص النفقات. كما تطرق مباشرة إلى الديون فقرر استهداف نسبة قدرها 82% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2022. هذه النسبة مرتفعة مقارنة بالمعيار المقبول في بلدان مجلس التعاون وهو 60%. وعلى هذا الأساس ومن هذه الزاوية لا يعالج البرنامج أزمة المديونية.
حدثت أيضًا، تطورات جديدة غيرت موعد وحجم الاستهداف. ففي منتصف عام 2021 قررت المنامة تعديل البرنامج تحت تأثير وباء كورونا. أصبحت سنة الاستهداف في هذا الإصدار الثاني من البرنامج 2024، كما ارتفعت نسبة الديون المستهدفة إلى 104.1% من الناتج المحلي الإجمالي.
والواقع لو كان هذا الوباء هو السبب الأساس الذي أدى إلى التعديل لكان من المنطقي والأحسن أن تكون سنة الاستهداف 2023 وليس 2024، وأن تكون النسبة في حدود المعدل المقبول. فقد شهد النصف الأول من العام الجاري 2022 عدة مؤشرات إيجابية تدل على إمكانية تحقيق الإصلاح. فارتفعت أسعار النفط والغاز بمعدلات عالية بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، وسجل الميزان الجاري وللمرة الأولى منذ عدة سنوات فائضاً مهمًا. وقررت الدولة في مطلع العام الجاري زيادة سعر ضريبة القيمة المضافة من 5% إلى 10% وما يترتب على ذلك من مضاعفة حصيلتها.