DELMON POST LOGO

العدالة الاجتماعية في الوطن العربي .. ومسألة اللامساواة في الدخل والثروة 3-4

يزيّن مصطلحي المساواة والعدالة الاجتماعية الدساتير العربية كما تزين الأوسمة والشارات والألقاب العسكرية

بقلم : ابراهيم شريف السيد*

 ثانيا: المشهد العربي

يزيّن مصطلحي المساواة والعدالة الاجتماعية الدساتير العربية كما تزين الأوسمة والشارات والألقاب العسكرية القيادات العربية التي لم تخض حربا واحدة في حياتها.
يقول الدستور المصري المعدل 2019: "نكتب دستورا يحقق المساواة بيننا.." ويضيف في المادة (8) "يقوم المجتمع على التضامن الاجتماعي وتلتزم الدولة بتحقيق العدالة الاجتماعية وتوفير سبل التكافل الاجتماعي بما يضمن الحياة الكريمة لجميع المواطنين.."، وفي المادة (9) "تلتزم الدولة بتحقيق تكافؤ الفرص بين جميع المواطنين دون تمييز"، وفي المادة (11) تكفل الدولة المساواة بين المرأة والرجل.."، وفي المادة (12) "العمل حق وواجب تكفله الدولة.."، وفي المادة (13) "تلتزم الدولة بالحفاظ على حقوق العمال وتعمل على بناء علاقات عمل متوازنة بين طرفي العملية الإنتاجية"، وفي المادة 17 "تكفل الدولة توفير خدمات التأمين الاجتماعي ولكل مواطن لا يتمتع بنظام التأمين الاجتماعي الحق في الضمان الاجتماعي بما يضمن حياة كريمة.."، وفي المادة (19) "لكل مواطن الحق في الصحة والرعاية الصحية المتكاملة وفقا لمعايير الجودة.."، وفي المادة (19) "التعليم حق لكل مواطن .. وتلتزم الدولة بتوفيره وفقا لمعايير الجودة العالية..".
نصوص الدستور المصري مكررة في الدساتير العربية بنفس المضامين وان اختلفت المفردات. ولو كانت مشروعية الحكومات مرتبطة بمدى التزامها بإنجاز الحد الأدنى من العدالة الاجتماعية التي نصت عليها الدساتير، لفقدت أغلب الحكومات العربية مشروعيتها.
سنرى فيما يلي مصداق هذه الوعود الدستورية الكبيرة حول المساواة والعدالة الاجتماعية والضمانات الدستورية حول الحق في الضمان الاجتماعي والعمل والتعليم والرعاية الصحية "وفق معايير الجودة" من خلال قراءة سريعة في تقارير وحقائق محلية ودولية  تكشف بالأرقام الفجوة بين الواقع والمتخيل.  

"عدم المساواة قنبلة موقوتة":

هكذا عنونت لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الاسكوا) تقريرها الصادر في مايو 2022 حول اللامساواة في الوطن العربي.  وقد لاحظ التقرير أن جائحة كوفيد-19 فاقمت عدم المساواة بسبب هشاشة شبكات الأمن الاجتماعي، التي ساهمت في تحول أزمة صحية إلى أزمة اقتصادية واجتماعية خانقة. يخلص التقرير إلى أن هذه العوامل وقود للسخط والاغتراب وعامل تفتيت للتماسك الاجتماعي
لاحظ التقرير أن عدم المسـاواة في الدخل مؤشـر أقوى من التقدم فـي العمـر على احتمالية الوفاة بسـبب فيروس كوفيد-19. وقد انعكست مستويات الدخل على وصول لقاحات كوفيد-19 لمستحقيها، إذ بلغت معدلات التطعيم في الأقطار العربية مرتفعة الدخل أكثر من 70% وانخفضت إلى دون الـ 10% في الأقطار الفقيرة (فقط 1% في اليمن).
وقد ارتفع عدد الفقراء إلى 116 مليونا يمثلون ربع سكان المنطقة العربية بعد أن أضافت الجائحة 16 مليون انسان. ونسبة البطالة وسط الشباب أعلى 3.8 مرة من بطالة البالغين، وهي النسبة الأعلى في العالم.
وفيما يتعلق بعدم المساواة بين الجنسين، بقياس نسبة مساهمة كل من الرجل والمرأة في الحياة العامة والخاصة، يقول التقرير أن المنطقة العربية تقع في ذيل دول العالم بمتوسط 61% مقارنة بمتوسط عالمي 67.7%.
في المتوسط تنفق الدول العربية على المصروفات العسكرية أكثر من ضعف المتوسط العالمي (5.4% من ناتجهـا المحلـي الاجمالـي مقابـل 2.2% عالميا)، بينما تنفق على الخدمات الصحية نصف ما ينفقه العالم (3% من ناتجها المحلي الإجمالي مقابل متوسـط عالمي 5.9%).  
وكما كانت الجائحة الصحية أكبر أثرا على الفقراء، فان الجوائح الأخرى من جفاف وتصحر وفيضانات واحتباس حراري وانقطاع الكهرباء وتضخم عالمي تترك أثرا مضاعفا على الفقراء في المناطق التي يزداد فيها تفاوت الدخل والثروة.  وتواجه بعض الفئات المهمشة لا مساواة مركبة بسبب الإعاقة أو السن أو مستوى التعليم أو الوصول لأدوات التكنولوجيا الحديثة أو عملها في الاقتصاد غير النظامي أو وقوعها خارج شبكة التأمين الاجتماعي وأنظمة التقاعد. وقد فاقم التعليم عن بعد عبر الانترنت (بسبب الجائحة) أوجه عدم المساواة في مجال التعليم حيث تفتقر 48% من الأسر الانترنت المنزلي.
في تقرير نشره البنك الدولي في مايو 2022 بعنوان "وظائف لم تتحقق" حول العمالة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يلاحظ التقرير أن عمق المشكلة في سوق العمل يمكن ملاحظته بسهولة من خلال محدودية معدل نمو الوظائف (1%)، ونسبة العاطلين وسط الشباب الأعلى في العالم (26%)، ونسبة مشاركة المرأة في سوق العمل الأدنى عالميا (20%)، وقدّر التقرير أن نسبة العمالة غير النظامية/غير المهيكلة (العمالة التي تفتقد للتأمين الاجتماعي مثل المعاش التقاعدي والعجز والمرض) إلى مجموع العمالة تفوق نصف العاملين في أغلب الدول العربية، وتصل إلى 77% في المغرب و 69% في مصر لكنها تنخفض في دول الخليج العربي إلى 16% في البحرين و 27% في السعودية. كما تفتقد العديد من الدول العربية ضمانات/ معاشات التعطل، والحد الأدنى للأجر الذي إذا توفر فانه يصعب تطبيقه أو أن الأجر أدني من أن يكفل عيشة كريمة.

الشرق الأوسط – أكثر مناطق العالم في اللامساواة:

هذا التقرير الذي نشر في مارس  2018 أعده ثلاثة خبراء، فوكوندو ألفريدو وليديا أسود وتوماس بيكيتي، ويغطي الفترة ما بين 1990 و2016.  التقرير يبحث في الحسابات القومية ومعلومات الضرائب والثروة واستطلاعات نفقات الأسر ليصل إلى تقديرات بشأن توزيع الدخل والثروة في دول المشرق العربي إضافة لتركيا وايران (يستثني الاسرائيل ).
يستنتج التقرير أن الدول بمنطقة الدراسة هي الأسوأ في العالم من حيث توزيع الدخل والثروة، فأثرى 10% من السكان يجنون 64% من الدخل القومي مقابل 37% في غرب أوروبا.
في حين يحصد أثرى 1% من السكان 30% من الدخل (مقابل 12% في أوروبا)، فان أفقر 50% يحصلون فقط على 9% (18% في أوروبا)، أي أن متوسط دخل الفرد في فئة الـ 1% يعادل متوسط دخل 166 فردا في فئة الـ 50% الأفقر. ويعتقد الباحثون أن هذا التفاوت الهائل في الدخل والثروة قد يكون أحد أسباب الاضطرابات في المنطقة.
هناك تفاوت كبير بين دول المنطقة، وفي كل دولة على حدة. الفجوة في الدخل بين الدول الست أعضاء مجلس التعاون لدول الخليج العربي وبقية دول الدراسة كبيرة للغاية. دول الخليج الست تشكل 15% من سكان المنطقة لكنها تحصل على 42% من دخل المنطقة (بمقياس القوة الشرائية PPP). ).
يضيف الباحثون أن الوضع قد يكون أسوأ بسبب عدم القدرة على الوصول للمعلومات في منطقة لا تعرف بالشفافية، ويلاحظون أن "التسريبات السويسرية" و "أوراق بنما" أظهرتا أن الأثرياء العرب، خاصة النخب السياسية في الدول النفطية الاستبدادية، هم من أكبر عملاء بنوك الأوفشور والملاجئ الضريبية.
يلاحظ التقرير أن دول الخليج العربي تتميز بوجود عدد كبير جدا من العمالة المهاجرة تحت نظام "الكفالة" الذي يساهم في وجود فئتين من العمالة (مواطنين مقابل مهاجرين) يختلف موقعهم القانوني وتتفاوت أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية.
وقد رصدت قاعدة المعلومات حول اللامساواة (World Inequality Database)  الموجودة على موقع wid.com الفجوة الهائلة في اللامساواة في الأقطار العربية. ولو أخذنا الفئة الأغنى، أعلى 1% من حيث الدخل، لوجدنا أن أغلب الأقطار العربية تتجاوز كثيرا المعدل الأوروبي (اخترنا المعدل الأوروبي لأن أوروبا هي أقل القارات في فجوتي الدخل والثروة). أغلب الدول العربية تتراوح نسبة ما تملكه فئة الـ 1% الأغنى بين 18 في الأردن و 25% في البحرين مقابل 12% في أوروبا. ويلاحظ الاستثناء الجزائري حيث تقارب النسب الجزائرية النسب الأوروبية في كل الفئات.
أما نسبة الدخل التي يحصل عليها أفقر 50% من السكان فهي تتراوح بين 10% في البحرين و15% في مصر مقارنة بـ 19% في أوروبا.
أما على صعيد توزيع الثروة (المقصود صافي الثروة من العقار والنقد والأدوات المالية بعد خصم الديون)، فهو بطبيعة الحال أشد تفاوتا. تسجل لبنان الرقم القياسي العربي في كلي طرفي معادلة الملكية، الـ 1% الأعلى والنصف الفقير والمعدم. يملك أغنى 1% من اللبنانيين 48% أي ما يقارب نصف كل ما يملكه اللبنانيون، فيما يملك النصف الآخر من اللبنانيين ما يقارب الصفر المئوي حسب قاعدة معلومات wid.com. وفي السعودية يملك الـ 1% حوالي 40% مقابل 2% فقط يملكها أفقر 50%. .
--------------------------------------------
ورقة مقدمة للمؤتمر القومي العربي في دورته الحادية والثلاثين
ابرهيم شريف