DELMON POST LOGO

محاضرة ما بعد النفط بدول التعاون بنادي العروبة - القصاب: 3.3 ترليون دولار ثروات الصناديق السيادية الخليجية وهناك من يهددها

ماذا ينتظر مجتمعات الخليج بعد رحيل النفط الذي هو شريان الحياة؟

استعرض الكاتب ميرزا حسن القصاب في محاضرة بعنوان (ما بعد النفط - تحديات البقاء في دول الخليج العربية) نظمتها اللجنة الثقافية بنادي العروبة مساء أمس كتابه الأخير الذي بنفس العنوان، محذرا من عواقب وخيمة إذا تتدارك دول التعاون الخطر الوجودي الذي يتهدد مجتمعاتها بعد النفط، بل هو تحفيز للدراسة بشكل أكبر.
قدم المؤلف ثلاث دول كمنوذج للدول الناجعة ، وأخرى فاشلة، وحذر من ان المنطقة تعيش على الواردات التي تغطيها عائدات النفط ، وهو يتلاشى ، ولنا في فنزويلا خير مثال في الدول الفاشلة ، التي اكتشف فيها النفط عام 2017 وعام 1926 اصبح البند الأول في الصادرات، وعام 1929 أصبحت اكبر مصدر للنفط في العالم، واحتفظت بالمنصب أربعة عقود حتي 1970 عندما تجاوزتها السعودية، وتمتلك أكبر الاحتياطيات المؤكدة من النفط في العالم، و العمر المتبقي الأطول في العالم – نحو 390 سنة للنفط و170 سنة للغاز.
لقد كانت فنزويلا مثارا للحسد في أمريكا اللاتينية لكونها أغنى اقتصاد في المنطقة، انفقت بسخاء، لكنها لم تستثمر الثروة النفطية في بناء اقتصاد منتج، تحولت من اقتصاد زراعي ومصدر للمنتجات الزراعية الي اقتصاد ريعي، يمثل النفط أكثر من 90٪ من صادراتها، تعتمد على الواردات، وتستورد كل شيء تقريبا.
وعندما انخفضت أسعار النفط في 2014 انخفضت عائدات النفط وصارت لا تغطي قيمة واردات الغذاء المطلوبة لسكانها. 32 مليون نسمة، نتيجة تقلص الواردات ارتفعت الأسعار وتصاعد التضخم وتدهور المستوى المعيشي للسكان، أخذت الحكومة تطبع البنكنوت باستمرار لتغطية الإنفاق الحكومي ، ونتج عن ذلك ما يسمي بالتضخم المفرط، أخذت الناس تهاجر الى الخارج (بلدان أمريكا اللاتينية) بحثا عن عمل وعن حياة أفضل. يقدر عدد المهاجرين بأكثر من 6 ملايين منذ بدأت الازمة الاقتصادية في 2014 ، الحكومة تلوم العقوبات الامريكية، والنقاد يعزون الامر الي فشل السياسات الاقتصادية بسبب سوء الإدارة ونقص الاستثمار في صناعة النفط وعدم خلق قاعدة تصدير متنوعة.
الامن الغذائي
يعتمد الامن الغذائي في الخليج على الاستيراد، ومحليا، الزراعة – محدودة - نقص المياه وعوامل المناخ، هناك زراعة المشاتل في السعودية والامارات: لتلبية الطلب المحلي على الخضروات.
مؤكد على أهمية عدم تغافل دور واهمية النخيل والتمر لأنه ستكون مهمة للغاية في مرحلة ما بعد النفط، كما كانت قبل النفط.  إنها بحق شجرة الحياة. (كما هي شجرة جوز الهند بالنسبة لاندونيسيا والهند والفلبين وغيرها).
وبالنسبة الى الصيد البحري هو المصدر الآخر للغذاء – ما نلاحظ هو أن المخزون السمكي في تدهور مستمر. والأسباب:
الصيد الجائر، التلوث، ازدياد ملوحة المياه، تغير المناخ، وكذلك بسبب دفن البحر الذي لم يتوقف. فمثلا في31 أغسطس الماضي نشرت مجلة  National Geographic مقالا عن انشاء 5 جزر اصطناعية في البحرين مساحتها 290 كم مربع. (أي اضافة %40 الي مساحة البلاد(.
وجاء في المقال:
- " تعد الجزر الخمس الجديدة المقترحة في البحرين جزءًا من خطة طموحة بقيمة 30 مليار دولار ...
- و" يعتبر مجلس التنمية الاقتصادية البحريني المدن الخمس مستدامة. ويتم تصميمها حاليًا لإيواء مطار ومساكن فاخرة ومنتجعات على الواجهات البحرية."
- وإن أكبر جزيرتين ستبنيان على فشت العظم وفشت الديبل. وهذه الفشوت توفر مناطق تكاثر غنية وبيئات حيوية للأسماك بأنواعها.
كما جاء في المقال:
- "أدى انخفاض مخزون الأسماك إلى دفع الصيادين بعيدًا إلى البحر، وأدى أحيانًا إلى صراعات مميتة مع الدول المجاورة. وعلى مدار العقد الماضي، احتجزت الدوريات الساحلية القطرية ما يقرب من 650 قاربًا بحرينيًا بتهمة التعدي على المياه القطرية... ويلجأ آخرون إلى أساليب أكثر خطورة، مثل استخدام معدات الصيد غير القانونية، كالمصائد المصنوعة من النايلون، ويتجاهلون حظر الصيد بشكل فعال".
- وتضيف المجلة:
- "بينما يقول المسؤولون الحكوميون إن إضافة أراض جديدة هو أمر أساسي للتنمية الاقتصادية في البحرين، فإن بناء الجزر يحمل أيضًا تكاليف بيئية كبيرة في جزء من العالم حيث تصارع الحياة البحرية بالفعل للتكيف مع تغير المناخ والبقاء على قيد الحياة."
- كذلك فإن "المواد المجروفة المستخدمة في إنشاء الأراضي المستصلحة غالبًا ما تأتي من المياه الساحلية الضحلة، حيث توفر طبقات الأعشاب البحرية الغذاء والمشاتل الوقائية للأسماك."
- مقال National Geographic متاح على الإنترنت. والعم جوجل سيتكفل بترجمته لمن أراد.
- الأسماك كانت مصدر البروتين لأهالي الخليج. وغلاء أسعارها قلل من نسبة تناولها.
- لذلك من الضروري لدول الخليج حماية البيئة البحرية، وتشجيع الاستثمار في مزارع الأسماك. فالطلب على الغذاء والبروتين يزداد مع تزايد اعداد السكان.
- سكان الخليج 4 ملايين في 1950 (%80 السعودية و %20 الباقي)
- سكان ابوظبي مثلا في تلك السنة كان 1,500 نسمة
- حاليا يقدر السكان بنحو 60 مليونا. (أكثر من %50 أجانب).
- المتوقع ان يتجاوز العدد 80 مليون في 2050
- زيادة السكان تعني زيادة الطلب على الخدمات، كالتعليم - والصحة – والإسكان - والغذاء المستورد - والتوظيف). والتوظيف مسألة كبرى.
- البطالة شبح وكابوس يؤرق شباب الخليج.
- البطالة قنبلة موقوتة تهدد مجتمعات الخليج. كما تهدد المجتمعات العربية
- اين ستوظف الاعداد الكبيرة التي تتخرج من المدارس في كل عام؟
- عدد الطلاب في 2017 = 13 مليون. وهو مرشح للزيادة سنويا.
- (السعودية (%73
- تقديراتي أن ما لا يقل عن 500 ألف من المواطنين يدخلون سوق العمل سنويا.
- خلال عشر سنوات سيدخل سوق العمل أكثر من ٥ ملايين مواطن.
- القوى العاملة في 2017 = 28 مليون – %80 وافدين
- 5 ملايين مواطنين – %70 في القطاع العام
- السعودية 2018 – 13 مليون – 3 ملايين سعوديين ((%24
- هيئة الإحصاء العام بالسعودية: %60 من الباحثين عن عمل في عام 2018 هم من خريجي الجامعات الحاصلين على درجة البكالوريوس.
اين التوظيف؟
- القطاع العام – تضخم وتشبع ويتقلص
- القطاع الخاص – اهم النشاطات: تجارة.. مقاولات.. خدمات - والاعتماد على عمالة مستوردة رخيصة
- لا ابداع ولا تطوير في هذا القطاع لخلق فرص عمل للمواطنين.
- الاقتصاد ريعي. والتعليم غير موجه نحو التنمية الاقتصادية.
- وهناك سياسة الاستقدام للقوى العاملة الأجنبية بدون ضوابط
- والحد الأدنى للأجور غير مطبق Minimum Wage per hour
- لذلك، فإن نسبة كبيرة من الشباب في الخليج سوف يقضون أفضل سنواتهم في انتظار عمل ربما لا يأتي. وتلك مسألة كبرى.
- وماذا عن نصيب الأجيال المقبلة في الثروات النفطية؟
- هناك صناديق الثروة السيادية التي من المفترض انها لصالح أجيال المستقبل.
- تقدر ثروات الصناديق حاليا ب 3,300 مليار دولار تقريبا، موزعة كالتالي:
- الامارات (5 صناديق) 1,482 مليار دولار أي %45 (معظمها تخص امارة أبو ظبي.)
- الكويت 708 مليار
- السعودية 608 مليار
- قطر 461 مليار
- البحرين 18 مليار
- عمان 17 (ربما اكثر حسب بعد المصادر)
- تقديرات صندوق النقد الدولي:
  الطفرة الأخيرة في الأسعار: نحو ألف مليار إضافية لدول الخليج خلال السنوات الخمس القادمة بدء من العام الحالي.
ولكن السؤال: هل سيبقى ما في الصناديق لصالح أجيال المستقبل؟
- هناك ما يتهددها.
أولا: الأموال معظمها في البلدان والبنوك الغربية. وقد تكون عرضة للتجميد او الاستيلاء عليها، لأي سبب من الأسباب. مثلما حصل مؤخرا بالنسبة لروسيا.
- أكثر من 300 مليار من ودائع روسيا تم حجزها في البنوك الغربية. – لاستخدامها لدفع تعويضات لأوكرانيا.
- 330 مليار من ثروات الأغنياء الروس. بالإضافة الى اليخوت والعقارات، تم تجميدها او الاستيلاء عليها في الغرب لنفس السبب
- وهناك أرصدة مجمدة في الغرب تخص فنزويلا وأفغانستان وليبيا وإيران، وغيرها، والمطالبة بها مسمرة.
- ثانيا: لا توجد قيود على استخدام أموال الصناديق – فالقرار سيادي.
وهناك إمكانية استخدام أموال الصناديق لمواجهة الطوارئ وسد العجز في الميزانيات عندما تنخفض عائدات النفط.
- من المهم بالنسبة لدول الخليج أن تنظر الى تجربة النرويج.
- النرويج هي مملكة دستورية برلمانية.
- تصدر النفط والغاز الذي مثل %60 من اجمالي قيمة الصادرات السلعية لعام 2021. وتشمل صادراتها المنتجات الصناعية والأسماك.
- في عام ١٩٩٠ أنشأت النرويج صندوق ثروة سيادي أسمته "صندوق التقاعد النرويجي" وهو حساب ادخار عملاق، تودع فيه فائض أموال النفط.
- تبلغ أموال الصندوق 1,220 مليار دولار.
- تستثمر هذه الأموال في آلاف الشركات في عشرات الدول.
- بيانات استثمارات الصندوق متاحة للاطلاع. والصندوق يتميز بالشفافية التامة.
- أنشئ الصندوق لمصلحة الأجيال المقبلة. فعندما ينضب النفط سيستمر العائد على الاستثمارات الكبيرة للصندوق لمنفعة سكان النرويج.
- لا يسمح بسحب اكثر من ٤٪ من الفائض بالصندوق للصرف او الاستثمار في المشاريع العامة.
- لذا، وجب على دول الخليج الاستفادة من تجربة النرويج واستثمار فائض الأموال لصالح الأجيال المقبلة، فلها حق في الثروة النفطية.
- ومن اللازم أيضا العمل بجدية على التحول الاقتصادي.. التحول من اقتصاد ريعي إلى اقتصاد منتج. وتلك مسألة كبرى.
التحول الاقتصادي
- من الملاحظ التركيز على السياحة لتحقيق التنويع الاقتصادي  
- لكن السياحة موسمية، وتعتمد على العمالة الرخيصة المستوردة.
- وهي لا تتيح فرص توظيف للمواطنين.
- ولا يزال الانفاق على السياحة الصادرة من الخليج أعلى من إيرادات السياحة الواردة.
- ميزان الخدمات بالنسبة للسفر والنقل في 2016 به عجز بلغ 40 مليار دولار. (منها 33 السفر – 11.5 النقل (
- وفي مؤشر التنافسية للسفر والسياحة – 2017
- كان التصنيف متدني بالنسبة لدول الخليج، وأفضلها كانت الإمارات.
- وجاء في تقرير التنافسية بالنسبة لدول الخليج: "ما زال الانفتاح الدولي محدودا ... ولا تزال التصورات الأمنية تمثل أكبر عقبة امام قطاع السفر والسياحة".
خارطة طريق
- من أجل التحول الاقتصادي لا بد من خارطة طريق...على مستوى البلدان الست. وتستدعي بالطبع تغيير جذري في أمور الحكم والسياسة لمواجهة الأخطار المحتملة.
- وفيها يكون التركيز على تنويع الصادرات، وليس التنويع الاقتصادي فقط.
- وبدلا من مستشاري الإدارة النظريين من الغرب، يجب الاستفادة من تجارب الاخرين. (مثل ماليزيا، وسنغافورة) - لوضع رؤية محددة الأهداف للتحول الاقتصادي.، وكيفية تنفيذ تلك الأهداف، وان يخضع ذلك للشفافية، والمحاسبة على الأداء، من أجل تصحيح وتعديل مسارات التنمية.
- ومن أجل ذلك أيضا لا بد من إصلاح الأنظمة التعليمية، لتشهد تحولات نموذجية كبرى، ولتكون موجهة نحو التنمية المستدامة ومتطلباتها. فالتعليم هو الركيزة الأساسية في التحول الاقتصادي.
- وأن يكون من اهم الأهداف الاستراتيجية أيضا هو خلق فرص عمل للمواطنين. فالتحول الاقتصادي لا يكون بالاعتماد شبه الكلي على عمالة مستوردة تستنزف أموال الخليج.
- تحويلات العاملين من دول الخليج: بلغت 120 مليار في 2017: (الامارات 44.37 – البحرين 2.47 – السعودية 36.12 – عمان 9.82 – قطر 12.76 – الكويت 13.76)
- – وتحويلات العاملين تمثل نسبة %8 من اجمالي الدخل المحلي. وهي نسبة كبيرة.
- معدل النمو السنوي في التحويلات خلال الفترة 2012-2017 كان %8.34.
- وبافتراض نسبة نمو %4 سنويا فقط، فإن حجم التحويلات سيبلغ 190 مليار في 2030 و400 مليار في 2050
- ومن اجل التحول الاقتصادي لا بد من التكامل الاقتصادي
- لتسهيل تنقل المواطنين الخليجيين في جميع انحاء المنطقة وفتح أبواب العمل لهم.
- وبوجود أنظمة عمل صارمة، فإن التنقل العمالي لمواطني الخليج يمكن ان يساعد على تقليل الاعتماد على العمالة الأجنبية وزيادة القدرة التنافسية.
- يجب استخدام راس المال البشري الأصلي من اجل استدامة التنمية الاقتصادية. فراس المال البشري هو المحرك للنمو الاقتصادي.
- لذا نجد السباق على المواهب يتسارع عالميا. فمثلا،
- %75  من المهاجرين من ذوي المهارات العالية يقيمون في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكندا وأستراليا. وأكثر من %70 من مهندسي البرمجيات في وادي السليكون بكاليفورنيا مولودون في الخارج. (2017)
- إن الوضع يستدعي التكامل الاقتصادي ويستدعي التوحد لمواجهة تحديات ما بعد النفط. فالطلب على النفط سيبلغ ذروته في مطلع الثلاثينيات من هذا القرن، وبعدها يبدأ الإنحسار.
- وتشير التقارير الي أن الطفرة في أسعار النفط مؤخرا ستكون الطفرة الأخيرة.
- فإلى متي الإنتظار؟
- قبل أسبوعين كان مانشيت الصحف مفرحا: دول الخليج تبحث الوحدة الاقتصادية بحلول 2025 والسوق المشتركة بحلول 2024.
- للعلم، مضت أربعة عقود على انشاء مجلس التعاون الخليجي في 1981 ولا زال الحديث عن التكامل الاقتصادي، وعن السوق المشتركة، وعن توحيد العملة، وعن القطار الخليجي.. وعن وعن ... والمواطن الخليجي في الإنتظار!
- نسير وكأن المستقبل بعيد جدا فلا نكترث به.
كيف لمعجزة التحول الاقتصادي وتنويع الصادرات غير النفطية أن تتحقق قبل فوات الأوان؟ ونافذة الفرصة الأخيرة بدأت تضيق.
واختتم المؤلف الكتاب بالفقرة التالية: "على دول الخليج أن تدرك أن الحاضر ليس أبديا، وأن المستقبل سيكون تاريخهم الذي يصنعونه الآن".
وما ينتظر مجتمعات الخليج بعد رحيل النفط الذي هو شريان الحياة، ستحدده مسارات التنمية في السنوات المتبقية من عمر النفط.
احمد سند مع المؤلف
جانب من الحضور