DELMON POST LOGO

القصاب تعيد طباعة كتابها عن جماعة السفارة " كالتي هربت بعينيها " .. بتفاصيل اكبر

أصدرت الكاتبة باسمة القصاب كتابها القديم الجديد "كالتي هربت بعينيها"، تدون فيه حكاية دخولها جماعة (الأمر) والمعروفة بجماعة السفارة، مع شرح كيفية وآلية العمل داخل التنظيم الحديدي، ومصادر التثقيف ومن ثم خروجها من الجماعة، ساهم انفتاحها على المجتمع في بداية الألفية الجديدة على رؤية وجوه أخرى للحقيقة.
تقول في مقدمة الكتاب "لم يكن خروجي عن هذه الجماعة ناتج عن خلاف شخصي، بل نتج عن تحوّل معرفي، حوّل مفهومي للحقيقة المغلّفة، وفتح باب حقيقتي على مجموع حقائق العالم، فأبدل تصوري للعالم والإنسان، كما أبدل علاقتي بالجماعة (بالمفهوم السوسيولوجي للجماعة)، مما يجعلني أنظر لهذه الجماعة الآن، باعتبارها تشكيلاً اجتماعياً دينياً خاصاً يستحق الدراسة والتأمل والقراءة".
ساهم زخم الثورة الإيرانية في انبعاث الجماعة، "لا أقوى من أصداء الثّورة الإسلاميّة في إيران، ودعوات مواجهة الاستكبار العالمي. ساد اعتقاد عند الأوساط الشيعيّة أنّ الإمام المهدي يبارك الثّورة في إيران، ويسدّد انتصارها، وأنّ الخميني يتلقّى تسديداتٍ غيبية من الإمام"
أما دخولها التنظيم فكان عبر علاقة نشأت بينها وبين واحدة من أفراد الجماعة، توطدت بشكل كبير، قبل أن تدعوها ذات مرّة لتناول الغذاء، وهناك وجهت لها الدعوة للدخول عبر سؤال: لو أن الإمام المهدي دعاك لتكوني في حركة يقودها بنفسه، ما سيكون جوابك؟
فكان جوابها: من أنا حتى يدعوني، ومن أكون حتى أرفض!!
ثم شرحت لها بقدر ما يُسمح من الكلام، أن هذه الجماعة "امتداد لحركة عالمية يقودها الإمام المهدي تمهيدا لظهوره، واننا هنا امتداد للحركة في إيران، ونحن موعودون بتحرير هذه الأرض على غرار إيران التي عادت الى الامام على يد الإمام الخميني". ثم دخلت التنظيم بعد أداء القسم .
تشرح القصاب أن التنظيم يتخذ شكلا هرميا، في قمته يقف الإمام (صاحب الامر)، يليه وكلاء الأمر وهم خمسة اشخاص بينهم باب المولى، يتولى هؤلاء إدارة أمر الجماعة وتنظيم شؤونها.
وأوضحت، بأنه قيل لها أن الحركة في البحرين تشكلّت داخل السجن، وأنها جاءت في ظل تصدع العلاقات بين السجناء السياسيين المنقسمين بين خط حزب الدعوة والخط الشيرازي، وإن الإمام اختار أحد الخلّص المغمورين ليؤلف بين قلوبهم من خلاله فخصه بالرؤيا، وبالنصوص المقدسة التي يوصلها الى خواصه، ما جعله بابا يصل بين الإمام والسجناء (أنا الباب ومولاك مفتاح له). بعدها أمر الإمام بتوسع الحركة وتجاوز السجن نحو الخارج بعد الإفراج عن المسجونين.
بعد خروج السرّ من داخل السجن، صارت الجماعة موضوع الناس في المجالس والمآتم والمساجد، اعتبرت فئة مدّعية مبتدعة ضالة مضلة، واشتدت دعوات المقاطعة والضغط بأن يعلن كبراؤها توبتهم.

وفاة الخميني

"شكّل رحيل الإمام الخميني في 1989 م صدمة كبيرة إليّ ولكثيرين داخل الجماعة، وفاته غير المُتوقعة بالنسبة إلينا قلبت الصّورة التي رُسمت في أذهاننا. أليس هو الممهّد لخروج الإمام المهدي وفق ما فهمنا من الجماعة؟ أليس هو نائبه الخاص؟ أليس هو مَنْ سيسلم الرّاية للإمام؟ أليس هو الخراساني الذي تقول عنه الرّوايات؟ إذاً كيف يرحل الآنَ؟ رغم مرضه، كنا نردد دعاء "إلهي حتّى ظهور المهدي احفظ لنا الخميني"، وهناك درس تدبّر طويل وموسّع للجماعة حول هذا الدّعاء، تمّ إشباعه في جلساتنا". هذا الحدث شكّل هزّة عند الكاتبة لكنها تجاوزته كي لا تقع في الشك في أمر الإمام، وهو ما حذرت منه النصوص التي يتلقونها باسم الإمام.

مفهوم الدسّ

هناك هزّة أخرى وقعت فيها الكاتبة بسبب مصطلح الدسّ، وهو مصطلح ابتكرته الجماعة للتعبير عن أن الإمام يدسّ نصوصاً له في بعض الكتب التراثية، الأمر الذي لم تستطع الاقتناع به، لكنها تجاوزته أيضاً كي لا تقع في الشك. أحد هذه النصوص عثرت عليها الكاتبة فيما هي تعمل على تحرير سيرتها داخل الجماعة، عثرت عليه  في كتاب "بدائع السلك في طبائع الملك"، وتفاجأت بأن النصّ كاملاً هو ذاته الذي تم تدارسه على أنه نصّ المولى، وهو أحد النصوص التي أثرت عليها بشكل كبير خلال فترة التشكيل.

ابو حيان التوحيدي

كان كتاب "الاشارات الالهية" للفيلسوف أبي حيان التوحيدي محل اهتمام الجماعة، تقول الجماعة أنه عرف الحق، أي عرف الإمام والتقى به، فكان ذلك سبباً لتغيير قناعاته وحرق كتبه السابقة.
انشغال الشارع بأحداث التسعينات، أتاح فسحة للجماعة لتنظيم فعاليات خاصة بهم بينها دعاء كميل كل ليلة جمعة في أحد مآتم المنامة، وكان ذلك بمثابة تعويض عن مقاطعة الشارع لهم، فهم ينظمون فعاليات ترفيهية وتربوية وتدريبية.  
لا تؤيد القصاب منهج المقاطعة للردع أو تغيير القناعات، تقول: "واهمٌ مَنْ يحسب أنّ التضييق على جماعة عقائدية يجعلها تتخلّى عمّا هي عليه. عن واقع تجربتي، أقول: إنّها تزداد تشبّثاً بما لديها، وتزداد يقيناً أنّها القابضة على جمر الحقيقة. كلّما ضُيّق عليها، قبضَتْ على جمرتها أكثر، ووجدَتْ فيها قضيتها الوجودية، وانكفأتْ في داخلها أكثر. وحدها الفُسحة تسمح للإنسان أن يُرخي قبضته، أنْ يعيد التفكير في مسلّماته التي استولت على فكره ووعيه، أنْ يُسائلها بسلام داخله، أن يعيد صياغة ذاته، وفكره من جديد، على الأقل هذا ما حدث إليّ".
بعد تسنم ملك البلاد الحكم، والانفتاح وإنشاء الجمعيات السياسية والمجتمع المدني، جاء الأمر بالانتقال الى مرحلة جديدة، الخروج إلى المجتمع والانخراط فيه، والانضمام إلى مؤسسات المجتمع المدني وممارسة دور اجتماعي.
هذا الأمر، الذي عبره تم تأسيس جمعية التجديد و جمعية البحرين النسائية،  والانضمام إلى جمعيات أخرى، حرّك موجة المجتمع ضد الجماعة مرة أخرى، وأشعل من جديد خطابات البدعة والضلالة والفسق والانحراف العقائدي، لكن صخب التحولات السياسية الجديدة لم يجعل حضور هذا الخطاب بذات القوة السابقة، في نفس الوقت فإن خطاب الجماعة المنفتح وتقديم نفسها في الوسط الثقافي والاجتماعي باعتبارها نموذجا اسلاميا منفتحا ومختلفا عن نمط التدين التقليدي، وتم كسب ودّ الكتاب والصحفيين والمثقفين العلمانيين والليبراليين بديلا عن الوسط الديني الرابط لها.
انضمام القصاب إلى مجموعة (أوال ) الحوارية الالكترونية بعد تجليات الانفتاح السياسي عام 2001 ، ساهم في التقاط الرأي الآخر، سمعت أصوات مثقفة تملك استقلالا ثقافيا وفكريا بعيدا عن صوت الجماعة ومناوئيها، وهنا بدأت خيوط مراحل التحول الفكري لديها.

تغيرات داخل الجماعة

تقول القصاب أنه قبل مغادرتها الجماعة عام 2004، كان هناك تغيراً في طريقة اللقاءات الاسبوعية، أصبحت جماعية بدلا من فردية، واتجهت الجماعة نحو إعداد الأبحاث والدراسات على شكل مجموعات وفرق.

ما هو المخيال المشترك الذي اجتمعت عليه جماعة "الأمر"؟

في حوار لها، تقول "رابحة الزيرة" معرّفة بجماعتها: "نحن جماعة مسلمة، ملتزمة بكل أصول الدين وفروعه، تؤمن بالأئمة الإثنا عشر، وتؤمن بالإمام القائم بأنه حيّ، موجود ومتوفّر وليس يستحيل رؤيته أو التشرف بمكالمته، وهذا هو أقسى ما في فكرتنا من تديّن أو بدعة، والاستلهام منه أو الاسترشاد لمن أراد بإخلاص كائناً من كان، رجلٌ يدعوه البعض بالمخلّص، أو الموعود، أو المنتظر أو المصلح الأعظم أو مهدي الأمم، هذه هي عقيدتي في أحسن صورها وأبسطها".
وتتأسس فكرة الجماعة على الاستجابة لـ "أمر" صادر من الإمام المهدي، بتشكيل مُختار يعدُّ لخروجه وظهوره. يختار الإمام قيادييه الخاصين، ينصبّهم وكلاء في قمة رأس التنظيم الهرمي. الوكلاء يختارون من يثقون في إيمانه وعقله ليقلّدوه سرَّ الإمام، ويعرضوا عليه الدخول في الأمر والتشرّف بالانضمام إلى ركب خلّص أنصار الإمام وخاصته.
بهدف تحول حلم الجماعة الذي ينشد تخليص العالم من كافة أشكال الظلم والتبعية والانقياد، إلى شكل منقاد كلّه للحلم، مسيّر كلّه لإرادة الحلم.
تختتم القصاب كتابها بعبارة "إن الذين يقيمون علاقة قطع مع ماضيهم وتجاربهم باعتبارهم "ماضٍ مخجلٍ"، أو "زمن ضائع"، أو "نظام فاشل"، أو "وهم سخيف" أو "مرحلة فاشلة" أو "فكر بليد" أو "تجربة مذلة" أو "...إلخ"، هؤلاء يحرمون أنفسهم من متعة التعدد داخل الحقائق الكثيرة، يحرمون أنفسهم متعةَ مراقصة جناح الفراشة التي تخترق بأثرها الزمان، ويحرمون أنفسهم مراقصة لهب الفتيلة التي تملأ بضوئها المكان!
الكتاب الصادر عن دار فراديس للنشر والتوزيع، وهو عبارة عن كتاب تفصيلي عن الجماعة، ونقد مبطن بأدب واحترام الحوار والثقافة.