DELMON POST LOGO

قضايا المرأة والدين في المسلسلات الرمضانية

بقلم : إيمان الحسين*
غالبًا ما تثير المسلسلات التلفزيونية في رمضان النقاش حول قضايا جدلية لجذب أكبر عدد من المشاهدين. تكرر طرح قضايا المرأة في السنوات الأخيرة، ولكن غالبًا ما كان يتم تصوير الشخصيات الأنثوية على أنها سطحية وذات بعد واحد، ضحية للعنف الأسري في بعض الأحيان، وغير قادرة على تغيير حياتها. ولكن تعاملت مسلسلات هذا العام مع قضايا المرأة بشكل مختلف، حيث قدمت النساء كشخصيات متطورة تحاول بشكل فعال تغيير القوانين وتحسين حياتهن. تلقي المسلسلات الرمضانية الحالية بلائمة عدم المساواة بين الجنسين وإساءة معاملة النساء على الأعراف الاجتماعية والتفسيرات الصارمة للدين. من ناحية أخرى، حاولت المسلسلات عدم تناول دور الدولة في ملف حقوق المرأة.
يروي المسلسل المصري “فاتن أمل حربي” قصة كفاح سيدة ضد طليقها من أجل حضانة أطفالها. سلط المسلسل الضوء على العيوب والثغرات في قانون الأحوال الشخصية المستمد من الشريعة الإسلامية لإظهار تحيزه لجانب الرجال على حساب النساء. منذ بثه، أثار المسلسل جدلاً واسع النطاق بسبب تحدي الشخصية الرئيسية المتكرر لعلماء الدين. تطالب فاتن علماء الدين بتقديم دليل من القرآن على ما تشير إلى أنها أحكام غير عادلة في قانون الأحوال الشخصية، وتنتقد النفوذ الكبير الذي يتمتع به رجال الدين. وتقول إنها لا تريد تأويلاتهم للقرآن وفتاواهم، “أنا عايزة كلام ربنا”. أثار العرض ردود فعل عنيفة على وسائل التواصل الاجتماعي، واتُّهِم الصحفي إبراهيم عيسى، كاتب المسلسل، بأنه يشجع على تجاوز العلماء المسؤولين عن تأويل النصوص الدينية. وقد سبق أن هاجم عيسى الأزهر، واتهمه كمؤسسة بأنه أرض خصبة للتطرف. أصدر الأزهر بيانًا مطولاً حذر فيه من سوء فهم العرض للدين وازدرائه للنصوص الدينية والعلماء.
خضع قانون الأحوال الشخصية في مصر، الذي تم تقنينه لأول مرة في عام 1920، لجدال واسع على مدى العقود القليلة الماضية. في فبراير/شباط 2021، اقترح مجلس الوزراء المصري مسودة قانون جديد للأحوال الشخصية على البرلمان. تعرضت المسودة لانتقادات شديدة، وخاصة من أنصار حقوق المرأة، الذين قالوا إنها ستعيدهم 200 عام إلى الوراء. وقد أدى ذلك إلى سحب مشروع القانون لمراجعته، ولتقديم مسودة أكثر شمولاً. حاولت القيادة المصرية الحالية أن تقدم نفسها على أنها داعمة لحقوق المرأة، وانعكس ذلك على المسلسلات الرمضانية أيضًا. عندما ذهبت فاتن إلى المجلس القومي للمرأة (الذي كانت تترأسه سيدة مصر الأولى سابقًا، سوزان مبارك) قيل لها إن كلا من الأعراف الاجتماعية و”سوء فهم الدين” هما السببان وراء المعاملة المجحفة بحق المرأة. وقيل لها أيضًا إن “الدولة مع المرأة في كل خطوة” وإنها تعمل بشكل دؤوب على إزالة جميع العقبات التشريعية. وتأكيدًا على هذه النقطة، أخبر عالم دين فاتن بأن كفاحها الحقيقي هو زيادة الوعي، وإلقاء الضوء على أهمية تطبيق قوانين عادلة بصرف النظر عن الجنس والدين.
أثار المسلسل الكويتي “من شارع الحرم إلى” انتقادات واسعة النطاق بسبب الموضوعات المثيرة للجدل التي يعرضها. إن تصوير المسلسل للمجتمع الكويتي، بالإضافة لاحتوائه على شخصيات مصرية وسورية، قد ساعده على جذب جمهور كبير داخل الخليج وخارجه. يتتبع المسلسل قصة سيدة تتزعم عائلة كبيرة، بمن في ذلك أبناؤها وزوجاتهم، ويوضح كيف يتمتع الرجال، في حياتهم اليومية، بامتيازات على النساء. الشخصيات الأنثوية متطورة ومختلفة عن بعضها بعضًا. ويظهر هذا على وجه الخصوص في الطريقة التي يخضن بها حياتهن الزوجية، المشوبة بالخيانة الزوجية وتعدد الزوجات والإهمال. في إحدى الحلقات، انتقدت إحدى النساء امرأة أخرى لقراءتها كتابًا عن التطوير الذاتي بحجة أن هذا النمط مخصص للأجانب فقط، وليس لهن، حيث تتساءل “احنا عندنا ذات اصلاً علشان نطورها؟”. نشرت مدربة كويتية معروفة في مجال التنمية الشخصية على انستجرام تحليلات للشخصيات النسائية في المسلسل. يُظهر العدد الكبير من التعليقات، والمشاركة الواسعة على تحليلاتها الشخصية، مدى نجاح المسلسل في تقديم مجموعة متنوعة من الشخصيات النسائية المتطورة. كما أشعلت هذه التحليلات جدلاً حول الطرق الفعالة التي يمكن للمرأة من خلالها التعامل مع الأعراف الثقافية، والتجاوب مع توقعات المجتمع بشأنها.
عاد المسلسل السعودي “العاصوف” هذا العام بموسمه الثالث، ليواصل سرد تاريخ المملكة العربية السعودية قبل اكتشاف النفط وبعده. عُرض المسلسل للمرة الأولى عام 2018، وأثار جدلاً واسعاً بسبب تصويره للمجتمع السعودي على أنه غير متدين، من خلال التلميح لوجود علاقات خارج نطاق الزواج، بالإضافة إلى أمور أخرى. يركز المسلسل هذا العام على تسعينيات القرن الماضي، في ذروة حركة الصحوة الإسلامية وتنامي ظاهرة الإرهاب. على النقيض من المسلسلات المصرية والكويتية، يقدم “العاصوف” الشخصيات النسائية على أنها اتكالية نظرًا للحقبة الزمنية التي يتناولها. ومع ذلك صوّر المسلسل مظاهرة قيادة النساء للسيارات عام 1990 التي جرت في الرياض إبان حرب الخليج، بالرغم من – أو ربما بسبب – كون هذه القضية محل نزاع شديد حتى وقت قريب جدًا. خلال المسلسل، يتم تشجيع النساء، وأحيانًا الضغط عليهن، من قبل أقاربهن الذكور لتحدي حظر قيادة النساء للسيارات، وهذا ما قمن به إلى أن قامت الشرطة ومنتسبي هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بإيقافهن.
يتناول “العاصوف” تداعيات احتجاجات قيادة النساء للسيارات بشكل مقتضب، ملقيًا باللائمة على المجتمع السعودي المحافظ في هذه القيود المفروضة على النساء. ويتناقض هذا مع حجج بعض المدافعين عن حقوق المرأة، لأن الدولة هي التي لديها السلطة في رفع الحظر وحسم قضية قيادة النساء. ومع ذلك، من المثير للاهتمام أن تصوير التظاهرات من منظور إيجابي يتناقض مع الكيفية التي يتم بها عادة إدانة مثل هذه الأعمال باعتبارها نوع من أنواع العصيان المدني. هذه الحلقة، في محاولتها تحميل المجتمع والمؤسسات الدينية مسؤولية القيود التي فرضت على حركة المرأة، بعثت برسائل متضاربة حول التظاهر في دولة لا تسمح بالاضطرابات المدنية.
تكشف كل هذه المسلسلات وجهات نظر مختلفة حول دور بعض علماء الدين بإعاقة حقوق المرأة. في مسلسل “فاتن أمل حربي”، يتواجد علماء الدين بكل ثقلهم في العرض، ويتم تصويرهم على أنهم ينقسمون إلى ثلاث شرائح: الشريحة التقليدية القريبة من المصريين العاديين، مثل المؤذن ومعلم القرآن، ممن يحتفظون بصلات محدودة بالمؤسسات الدينية الرسمية؛ والشريحة الناشئة الشابة التي يتم تصويرها على أنها مهتمة بتجديد الفكر الإسلامي ومنطق الاجتهاد؛ ورجال الدين الذين يستغلون الدين للشهرة والنفوذ. وفي حين لم يتطرق المسلسل الكويتي لدور الدولة في ملف المرأة، إلا أنه ركز على كيفية استخدام الرجال المتدينين لوسائل التواصل الاجتماعي لتحقيق مكاسب سياسية، وتجسد ذلك في شخصية الرجل المتدين الذي يسعى لأن يُنتخب في مجلس الأمة. حيث يَظهر إهماله لأطفاله وزوجاته المتعددات، ويتبين لاحقًا أن لديه ابنة عندما كان طالبًا في الولايات المتحدة. في المسلسل السعودي “العاصوف”، انصبت معظم الانتقادات على فترة الصحوة. ويأتي هذا متوافقًا مع الجهود التي تبذلها الدولة للحد من سلطة رجال الدين بشكل كبير منذ عام 2016. وإلى جانب نقد الصحوة، تعد هذه الرواية امتدادا للجهود المبذولة لإعادة كتابة تاريخ الثلاثين عامًا الماضية في المملكة.
وفي حين يتم إلقاء لوم واسع النطاق على علماء الدين والمؤسسات الدينية بسبب وضع المرأة في هذه المسلسلات، يتم تصوير دور الدولة في هذه المواقف على أنه إما إيجابي (مصر)، أو غائب (الكويت)، أو ضئيل (سعودي). في مسلسل “فاتن أمل حربي”، توفر الدولة التسهيلات والسكن لضحايا العنف الأسري. علاوة على ذلك، يتم تصوير القضاة على أنهم متعاطفون مع النساء، لكنهم مقيدون بنظام تشريعي منحاز للرجال. في “من شارع الحرم إلى” يتم تصوير الرجل المتدين على أنه منافق، حيث يقترح الفصل بين الجنسين كجزء من حملته الانتخابية السياسية، بينما يحاول التعامل في الوقت نفسه مع زيارة غير متوقعة من ابنته غير الشرعية. أما في “العاصوف”، فقد كان دور الدولة في أعقاب تظاهرة قيادة النساء للسيارات ضئيلاً، على الرغم من مصادرة الدولة لجوازات سفر المتظاهرات وفقدان بعض السيدات لوظائفهن. وبدلاً من ذلك، تم تصوير الحكومة على أنها منشغلة بحرب الخليج وتوفير المأوى للكويتيين والتصدي لتنامي الإرهاب.
شكل رمضان فرصة للتعرف على ردود أفعال المشاهدين من خلال طرح قضايا مختلفة. خلال شهر رمضان عام 2020، تناول أحد المسلسلات تواجد الجاليات اليهودية في دول الخليج العربية، وأعقب ذلك بفترة وجيزة التوقيع على اتفاقات ابراهام. في السعودية، يواصل “العاصوف” كتابة رواية حقبة الصحوة، بما في ذلك تداعياتها على المرأة والمجتمع والأمن القومي. يأتي العرض منسجمًا مع سياسات الدولة، بما في ذلك تقليص سلطات الشرطة الدينية، وتقييد نفوذ رجال الدين والجماعات الدينية. وعلى نحو مماثل في مصر، يسرد الموسم الثالث من “الاختيار” قصة وصول الإخوان المسلمين إلى السلطة في أعقاب الانتفاضات العربية، ودور الرئيس عبد الفتاح السيسي لاحقًا في تشديد الخناق على الجماعة. في كلا السياقين، يتم التركيز في إعادة الكتابة الشاملة للتاريخ الحديث، وتسليط الدور السلبي للجماعات والمؤسسات الدينية.
ارتبطت مكانة المرأة في المجتمع على الدوام بالمعتقدات الدينية والأعراف الاجتماعية والقوانين الأسرية وأنظمتها. وقد أدى ذلك إلى تأخير، وأحيانًا، منع اتخاذ إجراءات صارمة لتحسين أوضاع المرأة في الدول العربية المختلفة. فأصبح رمضان فرصة لإعادة كتابة التاريخ وإثارة النقاش حول قضايا المرأة. وفي حين أن تحسين وضع المرأة قد يستغرق وقتًا، إلا أن هذه العروض قد تساعد في الاعتراف بعدم المساواة بين الجنسين، والحاجة إلى تحسين وضع المرأة في المجالين الخاص والعام.
-------------------------------------------
**هي باحثة غير مقيمة في معهد دول الخليج العربية في واشنطن.