DELMON POST LOGO

رأي الناقدة الأدبية لولوة عون لقصص " ضفاف الحنين" لجميلة الوطني

الوطني تكشف الحقائق المشينة في أوطاننا بمجموعة قصصية قصيرة بعنوان (إبلع دموعك يا بحر)

القصص امتازت بسرد ادبي ووصف جميل يتخلله حواري مصاغاً بجمال لغوي وشعري خاص

"المجموعة القصصية (ضفاف الحنين) نظرت الى الغربة بمنظار النظرة الواقعية، وأدخلت فيه الأسلوب الرمزي المحبب لنفوس القراء، محلاة بأشعار نثرية تناسب الموضوع القصصي الذي يراد طرح ليزيد القصة جمالا قوة.
أثبتت الأديبة د. جميلة الوطني أن القول الأدبي هونشاط تعبيري حي مغلف بنغمة السرد أو الحوار أو الإثنين معاً كما في قصة أنين المنافي.
وقيثار مخيم وقصة ضفاف الحنين استطاعت أن تنشأ هذه العلاقة الوثيقة بين الأديب وبين أيدلوجيات المجتمع.  فقد رَسَخَتْ د. الوطني في عقل القارىء وقلبه صوراً وعبارات في صميم مشاكله التي يحياها في كل ساعة، فخاطبتْ مباشرة ايديلوجيات مجتمعها العربي والمجتمع الإنساني قاطبة، الفرق تنظر إلى القضايا العالمية بأسرها بأنها قضاياها وجب الدفاع عنها بقلمها من خلال استخدام السرد وأدواته الأدبية الإبداعية، وإستخدم الراوي الذي يسرد القليل ليلج  الراوي نفسه إلى الوصف المقتضب مراعيا لشروط القصة القصيرة ومناسباُ لفحوى القصة القصيرة المعلن عنها.
فالراوي هو الكاتبة والكاتبة هي الراوي، ليبقى السؤال  مطروحاً  للدراسة عند النقاد الآخرين، كيف أبدعت لغة قصص ضفاف الحنين داخل اللغة ولم تبقَ مجرد حكاية تروى؟ " هذه حصيلة الناقدة الأدبية لولوة أبو رمضان في تحليلها الى المجموعة القصصية (ضفاف الحنين) للمؤلفة الاديبة البحرينية الدكتور جميلة الوطني - قدمت هذه الورقة في مؤتمر جامعة جواهر لال نهرو بالهند ، عرضت فيها رأيها للقصة القصيرة في الخليج العربي.
واضافت ، عندما يصبحُ النص الأدبي في الخليج العربي نصاً مبثوثاً ومرسلاً بالضوء والصورة وحركة الإنفعال ليأسرنا بجماله وتعبيراته الشعرية داخل قصص قصيرة كقصص (ضفاف الحنين) للكاتبة الدكتورة جميلة الوطني، أظنه أنه نص يستحق الدراسة والولوج إلى سرده الآسر الذي بدوره سيأسر الناقد أينما كان.
- كيف قدمت الأديبة د. جميلة الوطني الشكل والمضمون السردي لقصص ضفاف الحنين؟
من ناحية الشكل  قد اختير للغلاف لوحة الفنان الفلسطيني (اسماعيل شموط) وهي لوحة تمثل الشتات الفلسطيني والحنين إلى الوطن الأم فلسطين والغربة التي يتكبدها الأجيال جيلاً بعد جيل.  تقع القصص في مئة صفحة ، يليها إهداء مكتوب بشكل شعري نثري وكأنه للإنسانية جمعاء، يكشف لنا عن موضوع القصص كلها بشكل مباشر وصريح تختتمه بالعبارة ( إلى  الأوطان وكل الشعوب في الغربة والمهجر).
ومقدمة القصص القصيرة وكأنها خاطرة أدبية عنونت بعنوان اسمه (الوطن)  وطـن ينمـو فـي أحشـائه ويتمخـض بحر وطـن الحـرب، وطـن المر، وأرض دموية تشـهد علـى توابيت مـن الغربة والشـتات  تصلبهـم الغربـة آالف المـرات... ص12.
أما مضمون القصص الخمسة فهي مضمون يحن إلى الوطن الأم وجميع أوطاننا العربية ويصورالهجرة والغربة الحزينة بطريقة قصصية مميزة، ضمتْ خمس قصص بعناويين مفعمة بالشعور والأنين، عناواين عبارة عن كنايات بلاغية لها قوتها ووقعها في القصة التي تحتويها.  
بدأت بقصة (إبلع دموعك يا بحر) لتتفرع إلى أربعة قصص أخرى كل قصة تمهد لقصة أخرى لتؤكد على أهمية فكرتها وفكرة ما يليها من قصص كلها تدور في فلك الوطن وأسباب الهجره وقسوته على أبنائه حتى يطّرهم إلى الشعور بالغربة والشتات في بلاد إخرى.  لتذكر لنا الأديبة الوطني المأساة الكبرى في قصة الماضي الذي يعيد نفسه وتتحدث عن الهجرة غير الشرعية بإسلوب نثري قريب من الشعرفي قصة (الماضي يعيد نفسه).
ليأتي دور قصة (ضفاف الحنين) المفعمة بالحنين إلى الوطن كل وطريقته وقصة (أنين المنافي) والتي تترجم لنا صعوبة الغربة ومآسيها لتأتي القصة الرابعة (قيثارة مخيم) وتمزج بين حياة الهدوء والسكينة وبين حياة التشرد واللاوطن والصراع الدائر بين الشخصيات وأخيراً قصة (لاعبة الجمباز) التي تقول سأبقى متشقلبه حتى أرى العالم بواقعية أكثر.
- ما أهمية السّرد القصصي في قصص (ضفاف الحنين ) في أبراز قضايانا العربية الشائكة؟
تبدأ الأديبة د. جميلة الوطني بكشف الحقائق المشينة في أوطاننا بمجموعة قصصية قصيرة بعنوان (إبلع دموعك يا بحر) وهي أقصوصة تتكون من فقرتين قصيرتين هي  قصة من النوع السّردي لا حوار قصصي فيها وكأنها مقدمة ثانية قد وظفتْ كلماتها وصورها البلاغية توظيفاً أدبياً مكثفاً  ليوحي من خلاله بالحالة المُزرية التي آلات إليها الأوطان العربية (من سيفضح خارطة الوطن العربي... خارطة من ورق صلينا عليها صلاة حاجة للوحدة بعد أن توضأت العيون بأثنتين وعشرين دولة...) ص14، مجموعة (أبلع دموعك يا بحر) ما هي إلا قصص قصيرة تجعل البحر كالإنسان عليه أن يصبر لما سيأتيه من جثامين بشرية، فعليه أن لا يبكي وأن يبلع دموعه وخُتمت تلك المجموعة القصصية بعبارة (كفكف دموعك يا بحر) فأنت يا بحر لا دخل لك بكل ما يجري وما يصير فاللوم كل اللوم على هذه الأوطان التي تدفع أبناءها إليك ليلقوا حتفهم الأكيد، وجدناها قصص تُظهرقولاً، فيه مهارة في الصياغة الأدبية فيظهر أهمية القول كصياغة لغوية قادرة في حدود جملها القليلة أن تبني هذا العالم التخيلي ويختلف إستخدامها بين قصة وأخرى .
لتظهر فيها الشخصية النسائية الأساسية وهي المؤلفة د. جميلة الوطني، والتي تروي قصتها (رصيف الميناء) كذكرى مؤلمة ومريرة أثَّرتْ بها وعمقتْ جراحاً مازالتْ تتذكرها في خريف عمرها، تصف لنا المصيبة التي حلّت بهم وهي طفلة صغيرة لم تتخطَ السادسة من عمرها، عندما قرر الأهل ركوب مركب (العاصي)، قصة تصور حال المسافرين الذين يواجهون قوة وغدر هذا البحر يظهر لنا كقراء صوت الراوي، وصوت الفتاة تلك الطفلة البريئة التي لا تعلم ماذا يجري حولها والتي لا تدري أين سيأخذها القدر، والراوي يدري ويصف الإحاسيس من منطلق الراوي العالم بما يجري لطفلة نزلت بكل ما يكتنفها من فرح للبواخر والسفن المصنوعة من الخشب البني... في عينيها تزاور اللون القاتم مع بؤبؤه، ليعطيها مزيداً من قطع الشوكولاته... كانت تتفحص كل الأشياء وهي ممسكة بثوب أمها حتى  لا تفقدها وتضيع في الزحام المسافرين ص 16.
لتأتي بعدها قصة ثالثة (بس يابحر) من ضمن مجموعة (ابلع دموعك يابحر) والتي تصور هيجان البحر فالعنوان الذي جاء باللهجة العامية يوحي بقوة أذى هذا البحر الذي لا يرحم (مثلمـا يقـود البصيـر ضريـر البحـر يقود المركب باشـتهاء.  حاول أن يأخذها لمخدعـه، ويغتصبها دون رضاهـا! يصرخ أحيان وتصرخ الفريسـة أخرى!  من يستطيع أن يوقف الأسد؛ حيـن يـزأر، ويظهـر غضبـه دون سـبب) ص20، ونلتقي في (بس يا بحر) بالراوي الواصف والمعمق للحدث حاولـتْ مـراراً؛ أن تسـدل سـتائر الماضـي علـى نوافـذ الأيـام، بعـد أن انقشـعت أغبـرة الكابـوس الواقعـي، مـن ذاكـرة الحادثـة التـي نسـجتْ خيـوط الرعـب؛ ممـا أدى إلـى اعتصار طفولتهـا، وجريانهـا فـي متاهـات البحـر!)ص22.  
لتنتقل إلى قصة تختم بها مجموعة (إبلع دموعك يا بحر) بقصة بعنوان (الماضي يعيد نفسه) وتتحدث عن هؤلاء الذين أحسوا بالغربة المؤلمة والشديدة في وطنهم، الذين يرمون أنفسهم في مركب صغير ليكون مصيرهم في دون هوادة هو الموت الأكيد.
ارتسـمت فيهـا الحيـاة؛ بحكايـات تمر عبر السـنوات، ولكنها تركت ظلًا أسـود على جدران غرفتـي! توسـد فيهـا الخـوف علـى راحتـي، وانكسـرت جبهتـي فـي خنـوع؛ كلمـا سـمعت نشـرة الأخبـار.
- حقيقة الراوي في مجموعة (ابلع دموعك يا بحر)
الراوي ليس هو البطل في تلك المجموعة القصصية (ابلع دموعك يابحر) وهو ليس راوياً يختبأ خلف البطل، يرى  أنه هو وأنا والمؤلفة جميلة الوطني، راوي ملتبساً في الواحد والكل من يَروي ومن يُروى عنه، كأن المؤلف يريد أن يقول أن الرواي لا موقع هيمني له، فالراوي ليس بطلاً قد يكون الراوي الشاهد على سير الأحداث في قصة (ماذا بعد) من مجموعة (إبلع دموعك يا بحر).
صبية صغيرة، تفتح قلبها للشمس، وكأنها زنبقة بيضاء.  خرجت من كأسها.  بقي الجميع، كمرآة تقف أمام أشباح الليل لتكون المؤلفة هي الفتاة التي كبرت  في قصة (الماضي يعيد نفسه) وهي الواصفة الوحيدة دون وجود شخصيات تذكر ودون وجود أثر لأي راوي، الذي يظهر الراوي وقت طرح الأسئلة الإستفسارية،  فهل كل الأوطان بحر أم مـن ركـب البحـر (عاصـي)؟!  هـل يعيـد الماضـي نفسـه هـذه المـرة، ولكـن مـن دونهـا، وهل يرضى البحـر بغيرها أو بالذيـن كانـوا معهـا!؟ ركاب اختلفـت أهدافهم وتوجهاتهـم، كيـف يمكـن للزمـن أن يكـرر المشـاهد؟  
ومن هنا تؤكد الكاتبة في قصصها أن القصة هي عبارة عن ومضة شعورية مكثفة تركز فيها على قضية ما واحدة فيسرد الأديب وربما الرواي الواصف هذا السرد الوصفي الذي يتخلله السرد الحواري مصاغاً بجمال لغوي وشعري خاص.
- هل حققت قصة (ضفاف الحنين) علاقة متينة بين الخطاب السردي وبين الحكاية المروية؟
الخطاب السردي في العمل الأدبي هو الطريقة التي تحكى بها الفكرة حتى نصل إلى فهم  القصة بوضوح، والخطاب السردي يهتم باستنباط القواعد الداخلية للأجناس الأدبية واستخراج النظم الفنية التي تحكمها وتوجه أبنيتها وتحد خصائصها الأدبية، هو رؤية النفس المُدركة للأشياء من خلال موقع الراوي وعلاقته بالحدث والشخصيات فيصبح الراوي تقنية سردية يوظفها الروائي من وجهة نظرة لتكشف لنا النمط الذاتي في سرد الأحداث وهذا المنهج السردي الذي وجد في كتاب دليل مناهج البحث العلمي تنسيق د. مهى جرجور وتحرير جوزيف لبُّس ص 60.
فقصة (ضفاف الحنين) قصة مكانها المقهى وشخوصها جنسيات عربية متعددة من سوريا ولبنان والعراق والسودان، يبدأ الرواي بفقرة تمهيدية تخص الحنين إلى الأوطان (وعــزف أوتارهــا الحنين، وتتســربل بالصمت) ص31، ليأتي الحوار السردي ويسرد الخلافات بين الشخصيات العربية على أمر سخيف جداً بسبب أغنية مرسيل خليفة (أحن إلى خبز أمي) للشاعر الفلسطيني محمود درويش فهناك من يريد سمعها ويحن إلى وطنه وأهله من خلالها، والطرف الآخر من العراق لا يريد أن يسمعها ليبدأ النزاع تماماً كالبلاد العربية.
الرجل  الأسمر متسمراً يراقب الحدث... لكنه كان يحادث نفسه متسائلاً هل لي أن أعيش في أجواء كهذه؟ هل لي أن أعيش وكأنني في وطن عربي مصغر؟  لماذا اعتاد العـرب الخلافات، والإختلافـات، والشـجار فـي كل مناحـي الحياة، حتـىالاجتماعية منهـا؟!  نعـم هربـت مـن صراعـات وطنـي، فلماذا أعيـش صراعات عربية مشـابهة هنا؟
فالراوي والشخصية القادمة من السودان عملهما واحد وهو المراقبة للحدث الذي يفزع النفس الإنسانية.
والراوي يستمر على هذا الحال في قصة (أنين المنافي) فالراوي الموضوعي الذي يصف المرأتين يرفض أن يتدخل بأفكار البطلتين، يصف أشكالهم الخارجية قد يعمق أفكارهم للقارىء لكنه لا يتدخل بها، الغربـاء يرجعـون بالفكـر إلـى أوطانهـم رجـوع الغريـب المشـتاق إلـى مسـقط رأسـه، يميلـون إلـى سـرد حكاياهـم ميـل الشـاعر إلـى تنغيـم أبلـغ القصائـد.  أصبحـت بيـن فرح وجواهـر علاقـة طيبـة.   تبادلتـا أرقـام الهاتـف؛ للتواصـل خـارج دوام العمـل.
الراوي يقول شعراً ويبث الدواخل الشعرية لإحدى شخصياته النسائية  حتى تكون كلماته أقرب إلى الروح والفؤاد كالوطن حدثـتْ نفسـها كيـف للقـاء (الصدفـوي) أن يجعـل مـن صحـراء الغربـة؛ محطـة تخضـر وتزهـر بيـن ليلـة وضحـاه!  
للصدفة محطات أولها روحٌ تشهق ضوءً للفؤاد المذعور، ليهطل مطراً هطولاً وارفاً، تخضر الصحاري، فيصبح عطرها الزعفران، وترابها الشهد.
- كيف استطاعت الأديبة في قصص (ضفاف الحنين) أن تجمع بين قضية الغموض والوضوح؟
شيئاً من الغموض الجميل يكتنف قصص (ضفاف الحنين) فقد استخدامت "الوطني" اللغة القريب من الشعر النثري في سرد الأحداث التي تحمل القضايا الهامة التي تهم أوطاننا العربية، يفسح الخيال عند القارىء ويجعل من الدارس ذلك الشخص القدر في أن ينسب إلى تلك الجمل والألفاظ الغامضة بعضاً مما نهل من علم البلاغة والبيان كما جاء في المجموعة القصصية (كفكف دموعك يا بحر) وخاصة في آخر قصة (الماضي يعيد نفسه).
ماض أذكره، كما يذكر الحر جدران سـجنه، وثقل قيوده
وجو بديع، ثم يتمختر كالعروس بسلاسة وهوادة
فقصص (ضفاف الحنين) لديها هذا الغموض المحبب إلى نفس الناقد أو القارىء المثقف الذي يجعل عقله يفكر وخياله ينعم بجمال تلك الصور الإستعارية والكنايات فالقصص كلها هي كناية عن الغربة وهجر الأوطان ويستنتج ذلك بوضوح من قصة بس يابحر، عندما بدأ البحر يكشر عن أنيابه ويفعل أفاعليه الشيطانية ويغرق ركابه، ويثير الذعر في نفس الصغيرة ونفوس أهلها ومن حولها بطريقة مخيفة لا تنسى،  قبر حديدي منتصب تحت ظلال غيمات كشرت عن أنيابها ولم تمطر ولولة العاصفة أخمدت كل صرخات الدعوات وألجمت القلوب المرتجفة قبل صلوات القنوط ليأتي السرد على شكل أسئلة فكيف يكون البحر وطنًا وملاذاً؟ ولماذا نقدسه ونصنع له الأغاني ونقذف بداخله الأمنيات ؟ ص21.  
- ما هو دور المكان السردي في المجموعة القصصة ضفاف الحنين؟
المكان كالألفاظ يشوبه شيء من الغموض في (ابلع دموعك يا بحر) لم أجده ولم أعثر عليه وكأنه كل بلد عربي أيا كان  يقذف بأبنائه إلى البحر دون رحمة ليستقبلهم مكان آخر أكثر رحمة وموجع إلى مكان مجهول لا ندري أين تقودنا الأحداث، كما تقود الغريزة عصفوراً إلى عشه قبل بداية العاصفة في قصة (ضفاف الحنين) وذكر المكان بعدها بصراحة بأنه المقهى وذُكر لهجات كل بلد بمعنى لكن لا يعرف موقع هذا المقهى هو دولة غربية باردة أوروبية تطل بنوافذها على وطننا العربي  أين يقع هذا المقهى في قصة ضفاف الحنين؟  ما اسم هذا البلد؟  والمقهى كمكان يشمل هؤلاء الغرباء من  الشخصيات  الكادحة، تتفاعل أحداث القصة مع أفكار وعواطف الزبائن من خلال مثير بسيط أثار الحنين وأثار أيضاً النفور والرغبة في البعد عن مشاكل الوطن والعيش بسلام وأمان ليثير الخوف والقلق.
أن مشكلة الغموض- التي لا نراها ظاهرة بكثرة في قصص ضفاف الحنين - لن تنتهي إلا بإجادة التراث اللغوي والأدبي والفكري فمن يقرأ الشعر الجاهلي والقرآن الكريم والجاحظ وابن خلدون لايمكن أن يكتب بأسلوب غامض.
أما الأستاذ ابراهيم العريض في كتابه (نظرات في الفن الشعري) فيرى أن ظاهرة الغموض مرتبط بطبيعة الحياة وبما أن الأدب هو الحياة  فلابد أن تأتي عصور يكتنفها الغموض وهذا الغموض هو الذي يسبغ على بعض الأعمال  الأدبية روعتها وجمالها.  والعريض وهو الناقد الذي اتقن الانجليزية والأردية  قبل أن يتقن العربية ص 349، كالغموض عند الشعراء الرومانسيين وخاصة شعراء المهجر وشعرهم الروحي وما يتعلق بالكون والوجود من أسرار في كتاب النقد الأدبي الحديث في الخليج العربي محمد كافود ص 125.
والشيء المحبب بأن قصصها الثلاثة والأخيرة أنين المنافي وقيثارة مخيم وقصة لاعبة الجمباز جاءت واضحة وضوح عين الشمس، مرسومة بطريقة فنية قصصية، وأسلوب جذل يسهل على القارىء قراءتها وفهمها بسهوله والتفاعل معها وتتابع في السرد المحكي السليم وتأثرالقارىء الإنسان العميق مع شخصياتها وخاصة قصة قيثارة مخيم، وهكذا لابد أن تظهر القصص للقارىء وخاصة إذا تحدثت عن قضايا بالغة الأهمية.
- دراسة قصص (ضفاف الحنين) وفقا للمنهج النفسي
لاقت فكرة التحليل النفسي الأدبي رواجاً في الدراسات الأدبية، أهمها هي مدرسة ألفرد إدلر الذي قال: أن إرادة الاقتدار والقوة ونزعة الفرد لأن يؤكد نفسه ووجوده في الحياة هي المحرك الاساسي للنشاط الإنساني لا الحياة الجنسية كما قال فرويد 45، وهذا نراه جلياً في قصص ضفاف الحنين، فمنظومة الذكريات والتصورات ذات القيمة العاطفية القوية وجدت قي المجموعة القصيرة (ابلع دموعك يا بحر) وخاصة في أول قصة على (رصيف الميناء) وفلتات اللسان وهي الكلمات التي تخرج لا إرادياً وتترجم لنا صوراً أدبية من القضايا الهامة التي تؤمن بها تلك الشخصية في العمل الأدبي، ومن هنا كان التداعي الحر للكلمات هو أفضل طريقة للوصول إلى مكامن اللاشعور وهذا ما نلاحظه في قصة (ضفاف الحنين) وتوظيف بعض الكلمات للكشف عن قضايا هامة لم تسرد بإسهاب.
- قصص ضفاف الحنين والمعادل الموضوعي:
ما معنى المعادل الموضوعي: هو عملية الخلق وإضافة وتشكيل جديد يختلف عن المادة الأصلية يختلف عن التجربة والواقع المعاش عند الفنان، كما جاء عند د. رشاد رشدي في كتابه (ما هو الأدب؟)  فالفن ليس نقلاً للأحاسيس الوجدانية لدى الفنان أو هي نقلاً وترجمة كما عاشها الفنان فهي كالعملية الكيميائية من الناحية العلمية فكلاهما عملية تحويل المادة الأصلية إلى مركب جديد لذا نرى أن قصص (ضفاف حنين) بعيدة كل البعد عن المعادل الموضوعي ما هي إلا إفرازاً للمشاعر والأحاسيس الداخلية التي تولدتْ من نفسية قائلها وعوامل بيئية ساهمت في بلورتها لذا هذا العمل بين أيدينا يخضع للمنهج النفسي والمنهج الإجتماعي  فهو ليس عملاً فنياً مستقلاً عن صاحبه ولا يدرس بواسطة المنهج الجمالي والموضوعي.  فقصة (ابلع دموعك يا بحر) وهي القصة الأولى عبارة عن فقرتين على لسان المرأة التي هي شخصية البطلة في القصص الأربعة التابعة لقصة (ابلع دموعك يابحر) كل قصة تحقق وجود القصة التي تليها وقصة ضفاف الحنين هي أحاسيس كل إنسان عربي يبحث عن الهدوء ولا يريد النزاع والحروب وإن تواجدت فهو قلق ومربك ولا يدري ما سيفعل؟