DELMON POST LOGO

ندوة كتاب " صائدو اللؤلؤ" لمؤلفه البير لوندر بمجلس عبد الأمير الجمري

المؤلف : " اللؤلؤ مادة عبثية للزينة وفرح طفولي للنساء وعذاب قاس للرجال"

استضاف مجلس المرحوم سماحة الشيخ عبد الأمير الجمري مؤخرا الدكتور منذر الخور لالقاء محاضرة بعنوان " عرض ومناقشة كتاب صائدو اللؤلؤ لمؤلفة البير لوندر  " مترجم كتاب " صائدو اللؤلؤ" من الفرنسية  الى العربية .
يقول الخور ان الكتاب  خلاصة تجربة ميدانية شخصية مباشرة للمؤلف البير لوندر ، ويعتبر الوثيقة الابرز من الوثائق الفرنسية التي تناولت موضوع الغوص واللؤلؤ في المنطقة.
المؤلف وضع له خارطة طريق منذ البداية وحدد وجهته انه قاصد:" موضع تكسوه الاصداف ويكلله تاج الشرق، انه الخليج.. حيث ترقد على ضفاف مياهه الفيروزية احدى الجزر اشبه بسلة اميرية تظللها قبة من السحب الوردية.. انها البحرين الشهيرة.. الجزيرة الساحرة."
زيارته جاءت قبل سنتين من اكتشاف أول بئر نفطي في البحرين ( يونيو 1932) وهو يؤرخ لمرحلة مفصلية بين حقبتين.. حقبة اللؤلؤ ألآفل وحقبة النفط المقبل الذي سيغير دون شك انماط الحياة في هذه المنطقة من العالم.
الكتاب يؤرخ لمرحلة فاصلة في التاريخ الاقتصادي للخليج .. اقتراب افول حقبة اللؤلؤ وقرب حلول حقبة النفط .. تعاطي مع الواقع وفق رؤية انسانية شاملة، لم يتعاطى مع مهنة الغوص كصناعة او تجارة او مورد للثراء الفاحش من خلال الصفقات التي تبرم وتدر اموال طائلة على المتعاملين مع اللؤلؤ من تجار وسماسرة ، بل تعاطى معها من خلال العواقب والآثار المدمرة التي تتركها على حياة ضحاياها وصحتهم، وقد اورد استنتاج قاطع في كتابه:" في اعماق البحر يوجد شقاء اكثر من اللؤلؤ".
لكن مع الأسف منذ ان وطأت قدماه جزيرة اللؤلؤ شهد ارهاصات الكارثة الاقتصادية المحدقة بصناعة الغوص في الخليج .. هذه الصناعة العريقة تتعرض لتهديد خطير يصيبها في مقتل وهو اللؤلؤ الياباني المستزرع .
فقد واجه المؤلف في رحلته او ما يسميها مغامرته مصاعب جمة كان عرضة خلالها للأبعاد والطرد  من البحرين وكان موضع للشك والارتياب والمساءلة والاستجواب وتأوه قائلا في كتابه": " ويل للطائر الصغير الذي ينطلق مغامرا في سماء الشرق تنقض عليه الجوارح التي تنتف ريشه حتى أخر ريشة من بدنه".
انصب اهتمام المؤلف على الغواص ذاته ومصيره وقدره، اهتم بالغواص كانسان وليس البضاعة / اللؤلؤ المستخرج ، وسطر في كتابه بان " الحلية التي تتزين وتتباهى بها شريحة من الناس لا تعنيه شيئا ، وتوصل الى استنتاج قاطع بان : " اللؤلؤ مادة عبثية للزينة وفرح طفولي للنساء وعذاب قاس للرجال".
لذا تركز الكتاب او البحث عن الحقيقة في حياة صائدي اللؤلؤ وهو هدفه الرئيسي،  غاص بنفسه في الواقع المعاش للغواصين واطلع على اسرار حياتهم وخفايا مهنتهم. جاءت تجربته ثرية بالملاحظات والاستنتاجات الشخصية.
في تلك الرحلة او المغامرة غطى اخبار  أولئك المحكوم عليهم بالأشغال الشاقة تحت الماء وبقصر العمر، والذين يصابون بالعاهات الدائمة وتفتك بهم امراض المهنة وتهاجمهم الاسماك الخطرة في اعماق البحر.. يشيخون في سن مبكرة جدا.
اكتشف المؤلف ان نظام " السلفة" هو القانون الذي يحكم المغاصات الذي لا يستطيعون خلاصا منه الى ان تنتهي حياتهم العملية وهم في سن مبكرة حيث تتراكم عليهم الديون وتتضخم ولا يستطيعون سدادها اطلاقا ويرث ابناءهم ديونهم أحياءا وامواتا، وغالبا ينتهون الى التسول او الموت المبكر.
واعتبر المؤلف في كتابه بانه اسوء نظام عمل عرفه التاريخ .. لا اجر.. كل اجير في العالم يتقاضى أجر.. كل عامل يقبض اجرا .. صغيرا في العادة لكنه لا يترك بدون أجر.. عمال المناجم كمناجم الفحم حيث يخرج العامل من المنجم كقطعة فحم متحركة وكذلك عمال المناجم الاخرى، وعمال مقالع الحجر وعمال الغابات والاحراش .. كل مهنة يتقاضى العمال فيها اجرا الا مهنة الغوص .. انها بدون أجر .. نظام " السلفة " هو الحاكم .. ذروة الظلم الاجتماعي.. تتراكم عليه الديون وتتضخم .. ينتهي الموسم ولم يسدد دينه ويغوص في الموسم التالي ولا يسدد شيئا من دينه وهكذا موسم بعد آخر وتفتك به الامراض ويصاب بالعاهات كالصمم والعمى وانفجار الرئتين ويصاب بالسل وينتهي الى التسول في الاسواق ويرث ابنه دينه حيا او ميتا وهكذا تسير الامور وتكر السبحة انه اقسى نظام ظلم اجتماعي عرفه التاريخ.. انه الرق بشكل آخر.
المؤلف تأسى وتألم كثيرا لحالة الغواصين او صائدو اللؤلؤ، وتهكم على تجار اللؤلؤ "الطواشين" و"النواخذة" الذين يعتاشون على دم ودموع وعذابات الغواصين وبؤسهم المزرى وفقرهم المدقع. المؤلف تحدث عن الاخطار المحدقة بصائدي اللؤلؤ ومنها الاسماك الخطرة التي تهاجمهم " كاسماك القرش ، والدول واللويثي والشفنين " اللخمة".
احد استنتاجاته القاطعة:" البحرين هبة اللؤلؤ .. فلا تصنع السفن ولا تخاط الاشرعة  ولا تفتح  المتاجر ولا احد يسعى ولا احد يركب البحر ولا احد يعود الى البر ولا احد يدخل يديه في جيوبه ولا يخرجهما منها ولا يعيد ادخالهما فيها الا من اجل اللؤلؤ، انه الملك والجميع في خدمته. . ومن دون اللؤلؤ لا يوجد مال ولا توجد واردات ولا توجد رسوم جمركية انه المورد الوحيد للخزانة ومن دونه لا توجد تجارة ولا توجد مضاربات ولا يوجد استهلاك".