DELMON POST LOGO

كانت المنامة ولا تزال حاضرة الخليج .. إذا مررت بها نالك من حب اهلها و كرمهم ما لا تجده في غيرها من المدن

لو كانت المنامة إنسية لتزوجتها . . ولتعذرني أم حمد

بقلم : محمد الانصاري

باب البحرين هو المدخل الرسمي من البحر  إلى أرض الخلود ، تم بناؤه عام ١٩٤٩ ميلادية وجدد في عام ١٩٨٦ ميلادية بهندسة عربية إسلامية ، وقد كان يحوي المكاتب الإدارية و الجمارك لدولة البحرين وتوابعها آنذاك ، إلا أن تاريخ المنامة أعرق من ذلك بكثير فهو يسبق الاحتلال البرتغالي للبحرين الذي بدأ في عام ١٥٢١ ميلادية.

عند دخول البلد من باب البحرين فأول ما يمكن مشاهدته هو محلات صرف الأموال ، وهذه المحلات جزء من سوق المنامة القديم، وقد ذكرت المصادر التاريخية ان انشاء سوق المنامة يعود إلى عام ١٨١٩ ميلادية، رغم اننا نعتقد ان تاريخ السوق متزامن مع تاريخ بناء المدينة الذي يعود إلى ما قبل ستة قرون ، فليس منطقي ان تبنى مدينة كاملة بدون مكان يبيع ويشتري فيه الناس حاجياتهم .

تقسيم سوق المنامة فريد في فكرته و سابق لعصره ، حيث انه اعتمد على توزيع السوق إلى ٢٢ سوقاً متخصصاً ،  نذكر منها على سبيل المثال سوق الذهب ، سوق الحدادين ( الحدادة باللهجة الدارجة ) ، سوق الحواجين ( بائعي الأعشاب الدوائية والعطارين ) ، سوق الحلوى ، و سوق المقاصيص ( مكان يبيع فيه المقتنيات المستعملة خصوصاً للأشخاص المقاصيص اي الذين يمرون بضائقة مالية) ، وسوق الأربعاء ، و سوق الطواويش ( والطواش هو تاجر الؤلؤ في اللهجة الخليجية) ، وسوق القيصرية نسبة للقيصر اي الحاكم حيث رويَ أن معظم محلات السوق كان مملوكاً للحاكم ، وسوق الكراشية وهم الوافدون من فارس.

كانت المنامة ولا تزال حاضرة الخليج كما كان سوقها مقصداً للزوار والتجار في المنطقة ، حيث كان هذا السوق منظماً لدرجة كبيرة ، وقد كان لها آمر يديرها وهو مسؤول عن أمنها ويهتم بنظافة طرقها وتنظيم الأنشطة فيها ، وقد كان يتبع حاكم البلاد ، و كان مع الآمر حرس يقومون بحماية السوق ليلاً ، كما كان في السوق لوحة خشبية كبيرة تشبه سبورة المدرسة ، يكتب عليها الإعلانات الرسمية والتجارية و أخبار السوق وإعلانات الحكومة، وقد أتى على ذكرها الشاعر إبراهيم العريض في كتابه " المنامة خلال خمسة قرون "

كان في سوق المنامة زاوية ينتشر فيها اشخاص مهنتهم كتابة الرسائل و الخطابات الرسمية، حيث كان عموم الناس يستخدمون هؤلاء الكتبة لصياغة الرسائل التي يبغون كتابتها مقابل أجر بسيط نظير جهدهم ، كما كان يجوب السوق المقهوية وهم من يبيعون القهوة لزوار السوق و العاملين فيها مقابل عدة فلوس ، وكان حوالي السواق العديد من الخانات و هي بيوت كبيرة فيها الكثير من الغرف و في الغرفة الواحدة العديد من الأسرة يتم تأجيرها على الزوار و القادمين للسوق من خارج البحرين او من داخلها .

ان للمنامة رونق باق رغم متغيرات الزمن ، حيث تتعانق فيها كل الأديان و المذاهب ، ويتغنى بها الشعراء، و يلتقي في أزقتها الحاضر بالماضي ، يكفي انها كما وصفها أديبها بالمنامة التي لا تنام ، واذا كنت من المنامة فإنك ذو حظِّ عظيم ، و إذا مررت فيها نالك من حب اهلها و كرمهم ما لا تجده في غيرها من المدن ، فهي مدينة لا يشيب اهلها ولا يكهلون ، ولا يصاب سكانها بالرمد ، ولا يفترس فيها الحيوان ، وليلها مقمر دائماً، هي لؤلؤة الارض و جنة الدنيا و واحة المحبة والسلام ، ولذلك جاءها جلجامش يبحث عن الخلود.