أين يقف الحد الفاصل بين مسؤوليتنا كأشخاص تجاه ما نعايشه في حياتنا وبين تأثير المجتمع والأسرة ؟
لا يهم تغيير العالم من حولك مثل ما يهم قرار تغيير عالمك الداخلي، ويكمن معنى الحياة الحقيقي باحتفائنا بإنسانيتنا
كتب : فاروق أمين
بين فلسفة الحركة والسكون، وبحثا عن الحياة بين براثن الموت، عقد فريق سقف البنفسج، المنضوي تحت كنف جمعية البحرين الاجتماعية الثقافية، اجتماعه الشهري لمناقشة كتاب، حيث تم التصويت في الجلسة السابقة ووقع الاختيار على رواية (فيرونيكا تقرر أن تموت) للكاتب البرازيلي باولو كويلو، عقدت الجلسة باستضافة كريمة من الفنان عباس الموسوي، حيث كانت المناقشة بتاريخ 29/5/2024، في الموسوي جاليري (المعرض الشخصي للفنان عباس الموسوي)، بإدارة من قبل أ. يوسف الشيخ وإشراف د. شرف المزعل.
ابتدأ اللقاء بترحيب حار بالحضور من قبل الفنان عباس الموسوي، ملهما الحضور بجولة بديعة في المعرض، حيث كان القسم الأول في الحديقة الخارجية التي تركزت فيها الأعمال اليدوية من منحوتات ومجسمات مثلت قواعد وأسس للوحات حية، وقد استعرض الموسوي في الجولة شيئا من رؤاه وفلسفته المحركة لهذا الحس، حيث الاعتماد بشكل أساسي على إعادة التدوير لمختلف المواد من معدن وخشب وحتى جريد النخل، فما إن تقع القعطة بين يديه حتى يعيد بث روح المعنى فيها بشكل آخر.
"يكمن الفن بين الحركة والسكون"، بتحريك بدا للحضور عبثي بحت، شكل الموسوي لوحة فنية بعدد من القطع العشوائية في أحد زوايا الحديقة، مبينا بأن تشكيل أي لوحة يكمن في هذه العلاقة بين الحركة والسكون، وقد لفت انتباه الحضور إلى فلسفة الفراغ في أعماله التشكيلية في الحديقة، حيث اكتست أغلب الأعمال الخارجية بثقوب تسمح بالرؤية من خلالها مهما كان نوع أو حجم العمل، وهذا ما أشار له الموسوي بفلسفة الفراغ بأن يكون العمل جزءا من البيئة المحيطة به، تراه وترى البيئة المحيطة من خلاله.
أبدى الموسوي اهتمامه بالأطفال وشغفه بالرسم معهم، وقد حوى المعرض العديد من الأعمال المشتركة بينه وبين الأطفال، "يعبر الطفل على سجيته دون أي اعتبار" هكذا عبر الموسوي عن سر تعلقه بالأطفال، وقد أفرد مساحة في الحديقة لما حصل عليه أطفاله من هدايا تذكارية ودروع، مشيرا إلى أن أي هدية أو تذكار لا معنى له حينما يكون حبيسا بين الأدراج، أنهى الحضور جولتهم الخارجية بالتقاط الصور التذكارية عند مدخل الحديقة، وهو ركن السلام كما يطلق عليه الموسوي، حيث يستقبل الزائر بمجسم ضخم للقيثارة الدلمونية يعزف بها لحن الترحيب، ويعيش تجربة هدوء وتأمل داخلي في محاكاة لتجربة اليوغا، وتعلوا في هذا الركن الكلمة والقيمة الأسمى كما يراها الموسوي وهي (السلام).
انتقل الحضور للمعرض الداخلي الذي اكتسى بلوحات وفن الموسوي، وبعد أخذ نظرة سريعة على اللوحات اجتمع الحضور للمناقشة، رحبت مشرفة الجلسة د. شرف المزعل بالحضور مجددا وأعطت نبذة مختصرة حول أنشطة الجمعية، بدأ مدير الجلسة الحلقة النقاشية بالتعريف بالرواية بشكل موجز، حيث تتناول الرواية قصة فيرونيكا الشابة والتي تتخذ في مقتبل حياتها قرار الانتحار، لما تعانيه من أرق الأسألة وهاجس البحث عن معنى في هذه الحياة، فأي معنى ننشد ونحن نعلم بأن النهاية محتومة، وكيف يمككنا الصمود ونحن نرى كل ما حولنا في هذا العالم يسير في اتجاه السوء، ونشعر بالعجز لإيقاف هذا النزيف البائس.
تفشل فيرونيكا في محاولتها بالانتحار، وتفتح عينينها لتجد نفسها في مصحة للأمراض العقلية، ليصدمها طبيبها بأنها على بعد سبعة أيام من موتها بسبب لوثة أصابت قلبها جراء محاولتها للانتحار، مثلت هذه الأيام السبعة مرحلة انتقالية في حياة فيرونيكا اللاحقة، وبيئة خصبة للنقاش وتبادل الآراء والأفكار بين الحضور، فقد بدأت فيرونيكا مع ما تزامن من أحداث في هذا المصح، بإعادة التفكير في العديد من الآراء والمعتقدات التي كانت تؤمن بها، فما هو الموت؟ وما هي حقيقة الحياة؟، ما هو الجنون؟ وهل نحن بحاجة لأن نكون مجانين؟، أين يقف الحد الفاصل بين مسؤوليتنا كأشخاص تجاه ما نعايشه في حياتنا وبين تأثير المجتمع والأسرة على كل ذلك؟
العديد من الأسألة والحوارات التي أثرت اللقاء ودعت لإعادة النظر والتفكير في كثير من ما نعتنقه من آراء، فالحياة والسعادة هي قرارات شخصية بدرجة أولى، ولا يهم تغيير العالم من حولك مثل ما يهم قرار تغيير عالمك الداخلي، ويكمن معنى الحياة الحقيقي باحتفائنا بإنسانيتنا، انتهت الجلسة من حيث ما بدأت بطرح الأسألة، ودعت مشرفة الجلسة لانتخاب كتاب الجلسة القادمة، وقد وقع الاختيار بتصويت الأغلبية على كتاب، نشوء وتطور اللغة واللهجات العربية،.