استعرض الروائي العماني علي العايل الكثيري من سلطنة عمان سيرة حياته على شكل رواية جميلة سرد فيها عدد من محطات حياته في ظفار .
يقول الكثيري في مقدمة الرواية ، " تُعَدّ السيرة الذاتية فناً من فنون الأدب المعروفة منذ أزمان متقدمة، يسعى فيها كاتبها إلى عرض تفاصيل حياته بشكل عام، وتختلف طرق عرضها؛ فأحياناً تقوم بسرد حياته الشخصية بشكل مُبسَّط، وأحياناً تقوم بعرض اعترافات المؤلف الشخصية وسردها بشكل مُفصَّل. وتحظى السيرة الذاتية بنوع خاص من الأهمية؛ نظراً لكونها تلقي ضوءاً على جوانب ومعلومات تكون في الأغلب غير متداولة وغير معروفة بين العامة عن مؤلفها، كما تتميز المعلومات الواردة فيها بالموثوقية؛ لأنها تأتي من الشخص الأكثر قرباً من أغلب الأحداث التي يرويها، بما يجعله شاهداً على عصره، مع ما تحتويه السيرة من توثيق لكثير من ملامح الحياة الإنسانية التي عايشها ومرَّ بها الكاتب."
ويضيف ، من هنا انبثقت فكرة كتابة هذه السيرة الحياتية؛ لاسيما أنها تزامنت مع الظرف الصحي الأخير الذي أمرُّ به، والذي كان دافعاً رئيساً لكتابة هذه الصفحات من حياتي؛ خشية الوصول إلى مرحلة لا أستطيع فيها الكتابة وتوثيق تلك التجربة الشخصية بمراحلها وأطوارها المختلفة. وهي مرحلة وسيرة قد يجد فيها القراء شيئاً من التوثيق التاريخي، وبالأخص ما يتعلق منها بمعايشة فترات ومراحل زمنية مهمة في تاريخ المنطقة، كتجربتي الحياتية في الدراسة والمعتقل، فرأيت أنه من الأهمية بمكان توثيقها.
وكان الاعتماد الكلي في كتابة هذه السيرة مرتكزاً على الذاكرة وما تجود به من استمداد بأثر رجعي، ولهذا قد تغيب الكثير من الأحداث والتفاصيل التي عشتُها ومررت بها، فالذاكرة تكون في أغلب الأحيان سبباً لضياع الكثير من الذكريات والمواقف. وقد بدأت فكرة كتابة السيرة بشكل جدّي في عام 2019، خصوصاً مع تفاقم وضعي الصحي، وكانت البداية عبارة عن كتابة مقتطفات بين فترة وأخرى والاحتفاظ بها مسودةً، وهي المسودة التي أخذت تتطور وتتوسع شيئاً فشيئاً مع الوقت. وربما تكون هناك بعض الأمور التي تفاديت ذكرها، خاصة بعض الشخوص والأسماء التي رأيت أن عدم ذكرها أفضل حتى لا أقحمها في أمر هي في منأى عنه، ولكني في الوقت نفسه سعيت إلى توثيق أغلب المراحل الجوهرية والأساسية بحسب ما تسعفني به الذاكرة في استحضار الأحداث والمواقف.
من هنا كانت هذه السيرة التي بين يديك أخي القارئ، والتي قسمتها إلى فصول وفق أهم المراحل الحياتية الخاصة التي مررت بها، وكانت كالآتي:
مرحلة الستينيات:
وكانت مرحلة الطفولة ومعاناتها وبؤسها وحرمانها وفقرها وآلامها وهمومها وشجونها، إذ الأب في الغربة وأنا أعيش تحت رعاية أجدادي لأمي ووالدتي وجدتي لوالدي، فقد أُصبت وأنا لم أكمل الشهرين من عمري بمرض التراخوما (الرمد)، مما سبَّب لعيني اليمنى العمى إلى الأبد، ولم تكن حال أجدادي ووالدتي أفضل مما كانت عليه حال سكان جبال ظفار، نتيجة لما يعيشه السكان من حرمان وفقر وبؤس وجهل، وكأنهم في العصور الحجرية البدائية.
فترة السبعينيات:
وكانت أكثر انفراجاً لي، وذلك بعودة الوالد وزواجه والتحاقي به وزوجته الجديدة، وذهابي مع الطلاب الذين حُملوا من أرياف ظفار لتلقّي العلم في حوف التي تقع ضمن حدود جمهورية اليمن الديموقراطية بالقرب من الحدود الغربية لظفار. كانت تلك المرحلة محمَّلة بالأحداث والتحوّلات ولها شجونها وهمومها، فقد عشت فيها محطات تعلُّمٍ وسفر وعلاج ونضج مبكر لأفكار، وتعرَّفت على بلدان وحضارات وتطور لم أعشه ولم أكن أحلم بأن يتحقق في وطني، وهي الفترة التي فتحتُ فيها عيني الوحيدة على عوالم لم أعشها مسبقاً من حيث الثقافة والفكر في جميع الأطر، وخاصة السياسية منها؛ كوني تحت رعاية ثورة قامت من أجل تحرير بلد ولها أيديولوجيتها الخاصة في التعاطي مع الأوضاع العامة ورسمها لسياستها الحاضرة والمستقبلية. من هنا صقلتني تلك المرحلة رغم صغر سني، وصار لدي فكر أمضي عليه وأؤمن به، حتى عودتي للوطن الأم في العام 1980.