حسن إسماعيل بجمعية نهضة فتاة البحرين : مقترح تعديلات قانونية لقانون الاسرة على نحو يحقق المصلحة الفضلى للطفل المحضون 1-4
لا نخالف نصا شرعيا قطعيا بل تستند فيه على راي فقهي وجهيه جدير بالاحترام فتم تعديل نص المادة (123) من القانون المتعلق بتعريف الحضانة
تقدم المحامي حسن إسماعيل بورقة عمل في الحلقة الحوارية ( الحضانة ) التي نظمتها لجنة الأحوال الشخصية بالاتحاد النسائي البحريني بمقر جمعية نهضة فتاة البحرين مؤخرا تعديلات الحضانة والمصلحة الفضلى للطفل .
قال إسماعيل في مقدمة الورقة التي كانت بعنوان ( الحضانة ) ، يعد موضوع الحضانة أثرا من الآثار التي تتولد عن الزواج وانحلاله، لأن الحضانة ترتبط بحق الطفل في الحماية والرعاية والتربية والتوجيه، ولذلك يتعين أن تكون الأحكام المتعلقة بها يراعى فيها المصلحة الفضلى للطفل، فالحضانة وإن كانت تعد حقا للحاضن والمحضون معا، إلا أن حق المحضون، أقوى لأن الطفل الذي حرم من حنان أسرته نتيجة انفصال أبويه عن بعضهما يكون في أشد الحاجة إلى الرعاية والعناية من أجل تجنب المخاطر التي تعترض سبيله.
وقد نظم قانون الاسرة البحريني الحضانة رقم (19) لسنة 2017، كأثر من آثار الفرقة بين الزوجين في المطلب الثاني وفي المواد من 123 إلى 139، ورغم أن القانون قد أولى عناية خاصة وهامة للحضانة تهدف إلى توفير حماية أفضل إلى المحضون غير أن بعض مواد القانون كان يستند فيها إلى السلطة التقديرية للمحكمة في غالب الأحيان، كما كشف واقع التطبيق لأحكام الحضانة العديد من الإشكاليات التي تتعلق بسن الحضانة وبسفر وإقامة المحضون وفي الزيارة وغيرها من الاحكام ، يستلزم إعادة النظر فيها على نحو يحقق المصلحة الفضلى للطفل المحضون، ونهدف من هذه الحلقة إلى استعراض مسودة التعديلات التي يقترحها الاتحاد النسائي البحريني على مواد الحضانة، ولأنها مسودة فأنها تظل قابلة للنقاش من خلالكم ولا شك أن اغلبكم من الزملاء والزميلات وهو يترافع أمام المحاكم قد واجهته في الواقع العديد من القضايا المتعلقة بمشكلات الحضانة، نبحث معا عن حل لها يعالجها التشريع.
المحور الأول
في تعريف الحضانة
المادة (123)
يتعلق حكم المادة (123) من قانون الاسرة بتعريف الحضانة، واهمية التعريف يتعين أن يكون كاشفا لبقية نصوص المواد المتعلقة بها، فهو في أصل المادة يقتصر على حفظ وتربية ورعاية الولد، وفي التعديل اضفنا للتعريف تعليمه، وتوجيه حياته، وإعداده إعداداً صالحاً، والعناية بكل ما له علاقة بمال المحضون وحفظه وإدارته واستثماره، وهي من مسئولية الحاضن سواء كان رجلا أم امرأة، واستبدلنا ما يشترطه المشرع للحضانة بعدم تعارضها مع حق الولي في الولاية على النفس بان لا تتعارض أحكام الحضانة مع المصلحة الفضلى للطفل.
وللنقاش نطرح الأسئلة التالية:
هل من داع للنص في تعريف الحضانة بعدم تعارضها مع حق الولي في الولاية على النفس؟
لم يضع قانون الاسرة تعريفا لمعني الولاية على النفس ولم يحدد من هو الولي كما فعل في الولاية في الزواج.
والولاية على النفس وفقا لما استقر عليه الفقه هي القيام بكل ما يتعلق بشخص الطفل، من صيانة وحفظ، ورعاية وعلاج، وتهذيب وتعليم، وما يحتاج إليه بصفة عامة، أي أنَّ سُلطة ولي النفْس تَتَعَلَّق بنفس الصغير وذاته؛ أيْ ما يرتبط بهذه النفس الإنسانيَّة مِنْ حيثُ الإشرافُ عليها مِنْ جميع الوُجُوه، سواءٌ في ذلك الإنفاق على الصغير والعناية به، وتنشئته وتقويمه، وعلاجه وتعليمه، وإعداده للمستقبل، ويدخل في هذه السلطة - أيضًا - الإشرافُ على الطفل أثناءَ فترة الحضانة؛ وتكاد معظم تشريعات الأسرة العربية تنص على أن الأب هو صاحب الحق في الولاية على نفس الطفل، فهو المسؤول عنه في كل الأحوال، وهو الملتزِم شرعًا بالقيام بكل ما يَلزم الصغيرَ في الفترة الأولى من حياته، حتى بلوغِه سِنَّ الرُّشْد، وعند عدم وُجُود الأب يكون وليُّ النفْس هو الجَدُّ (أبُ الأبِ) وإنْ عَلا، فإن لَم يُوجد أحد من هذه الجهة يكون وليُّ النفس هو الأخ الشقيق، ثم الأخ لأبٍ، فإن لَم يوجد أحد منَ الأخوة كان وليُّ النفس هو العمَّ أو ابنَ العمِّ، وهكذا أن المستحقين للولاية على النفس هم جِهة الأبُوَّة، ثم جهة الأخوة، ثم جهة العُمُومة.
أذن يفهم من نص المشرع بعدم تعارض الحضانة مع الولاية على النفس بأن الولي هو الاب وغيره من الاولياء من الرجال.
غير أنه إذا كانت الولاية على النفس هي القيام بكل ما يتعلق بشخص الطفل، من صيانة وحفظ، ورعاية وعلاج، وتهذيب وتعليم، وما يحتاج إليه بصفة عامة، من الذي يمنع أن تكون هذه الولاية للام الحضانة أيضاً؟ بحيث يكون التعريف شاملا لكل ما يجب على الحاضن القيام به سواء كان أبا أو أما بل يشتمل هذا التعريف حتى على الولاية على مال الصغير المحضون كما وضعناه في التعريف، ونسأل هل في منح المرأة حق الولاية ما يتعارض مع شريعة الاسلام؟
تأصل الدكتور الفاضلة السعودية سهيلة زين العابدين تأصيلا دينيا صحيحا في الإجابة على هذا السؤال والدكتورة سهيلة ولدت بالمدينة المنورة ونشئت في بيت علم ودين وفقه وقد تلقت علومها الأولية على يد والدها وهو الشيخ زين العابدين حماد أحد علماء المدينة المنورة فتقول في موضوع لها منشور في المدونة الخاصة بها بعنوان ولاية المرأة وحديث (لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة)
(ليس في الإسلام ما يحرم ولاية المرأة، إنّ ولاية المرأة سواء على نفسها أو على غيرها، ولاية صغرى كانت أو ولاية العامة، لم يرد في القرآن الكريم ما يحرمها على المرأة. بل إنّ الآيات القرآنية نصّت على المساواة بين الرجال والنساء في تولى مسؤولية الولاية، يقول الله تعالى (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر).
واستدلت على ذلك إحدى القصص التي يقصها علينا القرآن الكريم لنعتبر بها ونستدل, قصة امرأة قوية كانت في قمة السلطة, وقدّمها القرآن نموذجًا حيًا للمرأة التي هي أعقل من الرجال ... ألا وهي ملكة سبأ التي عندما جاءها كتاب سليمان كان من حصافتها وحُسن فهمها أن عدّته كتابًا كريمًا برغم ما انطوى عليه من تحذير وتهديد, وسرعان ما جمعت المَلأَ [ مجلس المستشارين] وعَرضت الأمر عليهم, يقول تعالى عن ملكة سبأ:( قالت يَا أَيُّها المَلأُ أفْتُوُنِيِ فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُون .قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُلُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ والأمْرُ إليكِ فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُريِن)[ النمل: 32- 33.]
فهنا لم ينكر جل شأنه على قوم سبأ تولي أمرهم امرأة، ولو كان لا ولاية لامرأة لبيَّن الخالق ذلك في هذه الآيات، بل نجد سيدنا سليمان عليه السلام قد أقر بلقيس ملكة سبأ على حكم اليمن بعد إسلامها.
ويؤكد منح الإسلام المرأة حق الولاية منحه لها حق البيعة في قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَىٰ أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ الله إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ )[ الممتحنة:١٢], ومادام لها أن تُبايِع لها أن تُبايع مثلها مثل الرجل تمامًا.
أمَّا حديث» ما أفلح قوم ولوْا أمرهم امرأة» لم يروِه البخاري وغيره إلّا عن طريق أبي بكرة, وهذه رواية مفردة, والروايات المفردة لا يُعتد بها في الأحكام, إضافة إلى أنّ أبا بكرة محدود حدّ القذف ولم يتُبْ, وقد قال الله عزّ وجل عمن حُدّ حدّ القذف( ولا تقبلوا لهم شهادة أبدًا ... إلّا الذين تابوا
ومع هذا نجد الكثير اعتمدوا هذه الرواية رغم تناقضها مع القرآن الكريم, وراويها لا تقبل شهادته, ورواية الحديث شهادة على الله ورسوله, فحرّموا على المرأة الولاية.
وبناء على ما تقدم فأننا لا نخالف نصا شرعيا قطعيا بل تستند فيه على راي فقهي وجهيه جدير بالاحترام فتم تعديل نص المادة (123) من القانون المتعلق بتعريف الحضانة على نحو واسع واستبدلنا ما يشترطه المشرع للحضانة بعدم تعارضها مع حق الولي في الولاية على النفس بان لا تتعارض أحكام الحضانة مع المصلحة الفضلى للطفل فنص على أن (الحضانة حفظ المحضون، وتربيته، ورعايته، وتعليمه، وتوجيه حياته، وإعداده إعداداً صالحاً، والعناية بكل ما له علاقة بمال المحضون وحفظه وإدارته واستثماره، وهي من مسئولية الحاضن سواء كان رجلا أم امرأة، بما لا يتعارض مع المصلحة الفضلى للمحضون). بدلا من النص على أن (الحضانة حفظ الولد، وتربيته، ورعايته، وبما لا يتعارض مع حق الولي في الولاية على النفس).
واستتبع ذلك تعديل المادة (133) بالنص على (يتمتّع الحاضن بصلاحيات الولاية فيما يتعلّق بدراسة وتعليم وشئون وتأديب وتوجيه المحضون والتصرّف في حساباته المالية. ويمكن للمحكمة أن تسند كل مشمولات الولاية للحاضن من الأبوين بمفرده إذا تعذّر على الآخر ممارستها أو تهاون في القيام بالواجبات المتّصلة بها، أو لأي سبب يضرّ بمصلحة المحضون.
لا يبيت المحضون إلا عند حاضنه ما لم يقدر القاضي خلاف ذلك).
بدلا من النص على انه (يجب على الأب أو غيره من أولياء المحضون النظر في شئونه وتأديبه وتوجيهه وتعليمه، ولا يبيت إلا عند حاضنه ما لم يقدر القاضي خلاف ذلك).