الولاء للوطن او للدين او القومية ؟
ناقش 15 باحث في مؤتمر عقد في قطر وخرج بكتاب لجميع الباحثين وتم اصدار كتاب مهم بعنوان " الشيعة العرب والهوية والمواطنة .
الكتاب به خمسة فصول ، يشرح فيه تعامل الشيعة العرب مع الدولة بعد انهيار الدولة العثمانية ، في العراق والخليج ولبنان ، وتعامل المرجعية من تلك الاحداث ، وتعريف المواطنة والولاء .
الكتاب يعرف المواطنة ، بانها مفهوم اجتماعي سياسي قانوني استمد جذره الفكرية وتطبيقاته العملية من العصر اليوناني القديم ، لكنه خضع لتطوير كبير خلال عصر النهضة الاوربية على يد الفيلسوف جان جاك روسو الذي حدد دلالات المواطنة في اطار العلاقة بين الفرد والجماعة والدولة .
استقر تعريف المواطنة أخيراً باعتباره علاقة تبادلية تجمع الفرد والمجتمع السياسي ، يكون طرفاها الولاء من جانب الفرد لانتمائه السياسي كالدوة او الوطن ، والنظام الشرعي القائم ، في مقابل توفير المجتمع السياسي الحماية لهذا الفرد ، صوناً لحقوقه القانونية والمدنية على مسطرة العدالة والمساواة مع جميع بني جنسه ، إضافة الى حرياته العامة والخاصة ، وأن اختلفت ثقافياً وسياسياً وفكرياً ودينياً مع الاخرين .
لذلك لا تتحقق المواطنة الا بتساوي الافراد في الحقوق والواجبات وإتاحة الفرصة للجميع تحت ظل القانون العام ، والدستور الأمريكي اعتبر المواطنة رابطة سياسية وليس دينية ، محورها الأساسي مجموعة من القيم المشتركة والحقوق والوجبات ـ تربط الافراد والمواطنين جميعا بميثاق اجتماعي واحد .
اما الدولة الوطنية، فهي الوعاء الذي يفرض هذه العلاقة لحقيق الامن والاستقرار ، حيث يركز النظام السياسي في الدولة على إدارة شؤون الناس ، لا على تطبيق الدين او فرضه على الافراد .
لذا فان المواطنة لا شأن لها بدين او طائفة او أي انتماءعرقي ،وانما بحقوق الجميع ووجباتهم في اطار دولتهم الجامعة .. مع المحافظة على خصوصيات مختلف مكونات الجماعة في الدين والعادات والثقافات.. فالمواطنة باختصار هي مصدر شرعية الدولة وسلطاتها السياسية العليا .
اشارت جريدة وول ستريت جورنال ان " الشيعة العرب عالقون اليوم وسط الصراع الإيراني – السعودي ، بسبب الاختلاف الجذري في مصالح الكثير من الجاليات الشيعية وآفاقها السياسية عن مصالح ايران وآفاقها السياسية بطرائق حاسمة .
فالجاليات الشيعية في العالم العربي تصوّر في الغالب ، لاسيما في وسائل الاعلام العربية ، انها بيادق تحرّكها الدولة الثيوقراطية الإيرانية ، لكن مصلح كثيرين من هؤلاء الشيعة العرب ، وآفاقهم السياسية ، حتى معتقداتهم الدينية .. كانت في الحقيقة تختلف منذ امد طويل عن مثيلاتها في ايران من نواح عدة بالغة الأهمية .
وفي الواقع لا يرى بعض هؤلاء الشيعة فرقا كبيراً بين السعودية وايران ، وهما القوتان المسؤوليتان عن المعركة من اجل الهيمنة التي هم عالقون في وسطها .
وتواصل المقالة مقابلة مع رجل دين شيعي القول : كان الشيعة على الدوام متنوعين في تقاليدهم ، ومازالت الحال على هذا المنوال ، وان ايران بصفتها دولة تسعى الى تمتين قيادة ولاية الفقية ، ولكن غالبية المراجع الشيعة الأخرى حتى داخل ايران والعراق لا تؤيد ولاية الفقيه .. ويختتم المقال " ان التوترات الطائفية التي تصل الى ارتفاعات قياسية جديدة في العالم العربي قد تدفع اكثر فاكثر جماعات شيعية الى حضن ايران، وهذا هدف استراتيجي يسعى اليه النظام الإيراني منذ وقت طويل " .
وبمقدمة الكتاب يشير الكاتب الى انه " يتسم وضع الشيعة في كل بلد من البلدان العربية بخصوصيات تميّزه ،ولا تجعله يناظر وضع الشيعة في بلد اخر ، وان الخلاصة بانه على الرغم مما يبدو وكأن تضامناً عابراً للحدود يربط الشيعة ، لا يصح فهم الشيعة على انهم يشكلون كتلة متجانسة ، سواء في ايران ام في باكستان وأفغانستان والهند ام الشيعة العرب ، فالصحيح انهم لا يشكلون كتلة متجانسة حتى في البلد الواحد، سواء من حيث البنية الاجتماعية ، ام في أنماط التدين ، ام في المواقف السياسية .
وان غالبية شيعة الخليج ينتمون الى حوزة النجف ومراجعها الذين يحافظوا على التقليد التاريخي لفقهاء الشيعة باعتزال السياسة وعدم الخوض فيها، وبدا هذا الامر في هيمنة رؤية هذه المدرسة على فكر رجال الدي الشيعة في الخليج فهم يهتمون بحراسة العقيدة وتسيير الشعائر الدينية والحفاظ على المذهب وتعاليمه من دون اغضاب لااحد ، او الاصطدام بالسلطة السياسية ، ولحظات الصدام بين الناس والسلطة الساسية يسعى بعض هؤلاء للتهدئة .
كما ان الشيعة اختلفوا على موضوع " ولاية الفقيه " بين العامة والخاصة ، بين الإقليم والاعم ، وبين مراجع كبار في النجف وقم ، ولبنان ،،، وكل له رأي ،،، والرأي الفقهي الإيراني في " ولاية الفقيه " لم يكن حاسم .
ويختتم الباحث بان الهوية العربية والمواطنة هي الحل ، اذ يتطلب انهاء اشكال الطائفية ،الناعمة والخشنة كسر حلقة التسيس المذهبي الذي تمارسه الدولة والجماعات المذهبية في الخليج ، على حد سواء ويتطلب ان تصبح حوية الدولة في الخليج قادرة على استيعاب المكون الشيعي ضمنها ، ولا نجد افضل من الهوية العربية معبّرا عن حالة جامعة بين لمواطنين بالخليج ، ولان المسألة الشيعية في الخليج هي نتاج ازمة تحديث منقوص عمل على تجديد البنى التقليدية على نحو يعزز حضور الطوائف ولتشكيلات التقليدية الاخرىفي الشأن العام .
لذا فان الهوية العربية والمواطنة التعاقدية وفتح المجال امام تشكيل قوى مدنية ذات مصالح مختلفة عن مصالح القبائل والطوائف هي من الأدوات المهمة لاكتمال التحديث والخروج من مأزق التسيس المذهبي.