ازدراء الأديان 2-2
ضرورة مراجعة الخطاب السياسي والثقافي والإعلامي والديني وذلك بما يكفل احترام كافة الأديان
د. شرف محمد علي المزعل
تواصل الكاتبة مقالها بالجزء بالثاني حول ازدراء الايان كالتالي :
المحور الثاني: دور وسائل الإعلام ونظام التعليم
إن وسائل التواصل الاجتماعي لم تكن يوما منبرا ملائما وفاعلا لتناول وتداول الموضوعات الدينية، فللمناظرات العلمية بشأن الأديان أماكنها المخصصة، بل ويتناولها المختصون بتلك العلوم والدراسات، لا العامة، وما يحدث اليوم باسم الدين عبر وسائل التواصل الاجتماعي ما هو إلا تناحر كتابي ولفظي، من شأنه شحن النفوس وتوطين خطاب الكراهية، مما يؤثر سلبا في السلم العام؛ ذلك أن ازدراء الأديان كجريمة غالبا ما تكون مرتبطة بجريمة أخرى، ألا وهي إثارة التمييز والعنصرية والطائفية، وهي أمور جرّمها المشرّع، بل اعتبرها من الجرائم الماسة بأمن الدولة والسلم المجتمعي.
ولمكافحة ازدراء الأديان، يجب مراجعة الخطاب السياسي والثقافي والإعلامي والديني، وذلك بما يكفل احترام كافة الأديان والرسل، وتوخي الدقة في استخدام المصطلحات في وسائل الإعلام، خاصة وأن التهجم على الدين قد يستخدم لتبرير أعمال الإرهاب؛ على أساس أنها تستخدم ضد كل من هو مؤمن بذلك الدين. فتكفير الآخرين، يشبه صكوك الغفران التي كانت الكنيسة في أوروبا تمنحها لمن تريد وتحجبها عمن تريد، وهو ممارسة تنم عن هيمنة الجهل والتخلف بالمجتمع.
أما بالنسبة لدور التعليم، فمازالت هذه الصورة السلبية والمشوهة عن الإسلام والحضارة العربية الإسلامية سائدة حتى اليوم في الكتب المدرسية الغربية والمناهج التعليمية التي تدرس في المدارس والجامعات في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية. هذا بالإضافة إلى الدور الذي يلعبه الإعلام الغربي في ترسيخ الصورة النمطية والسلبية عن الإسلام.
وعلى هذا الأساس، يجب العمل على إعادة النظر في مراجع الحديث والفقه الاسلامي في ضوء معطيات العصر الحالي، وضمن هذا السياق، دعا الكاتب المصري اسلام البحيري لمراجعة المناهج التي قامت عليها كتب الحديث، وطرق جمع الأحاديث وتصنيفها وشرحها، وذلك على أساس أن هذه الكتب هي نتاج اجتهادات الباحثين، في إطار ما كان متاحا لهم من معرفة في زمانهم، بينما أتسع نطاق البحث العلمي وأدواته في عصرنا الحالي بما يستلزم إعادة النظر في كل هذه المراجع.
إن التعليم يؤدي دورا حيويا في حماية الشباب من الصراعات القيمية والثقافية التي قد تواجههم في مجتمعاتهم، فعبر توفير بيئة تعليمية تشجع على التفكير النقدي والتحليل العقلي، يمكن للتعليم أن يمنح الشباب الأدوات اللازمة لفهم القيم الدينية والمبادئ الأخلاقية بشكل أعمق وأوسع، كما يمكن أن يُعزز التعليم القيم الإيجابية التي يؤكد عليها الدين الإسلامي، مثل الاحترام والتسامح والعدالة، ويعمل على تنمية الوعي الثقافي والديني، مما يحمي الشباب من الصراعات القيمية.
ومن هذا المنطلق، يجب أن تكون الهيئة التعليمية القدوة في تبسيط الحوار الصحيح وفق المرحلة الفكرية والعمرية التي يمر بها الطلبة، كما يجب زرع العقيدة الإسلامية الصحيحة في نفوس النشء، وربط المدرسة بالقيم من خلال ربطها بالمنهاج المدرسي، وكذلك الأنشطة الطلابية وتعزيز الشراكة المجتمعية لتنمية القيم، والتأكيد على أهمية الدور الحقيقي للمعلم القدوة.
ولكي يكون دور المعلم فاعلا في زرع القيم الأخلاقية لدى الطلبة، وترسيخ المفاهيم الدينية الصحيحة لديهم، يجب أن يمتلك الكاريزما ومرونة الأسلوب والتقارب العمري مع الطالب حتى يتمكن من إقناعه بصحة رأيه، وحتى لا يضطر الطالب للجوء إلى وسائل التواصل الاجتماعي للبحث عن الإجابات عن الأسئلة التي تؤرقه، والوقوع فريسة لخطاب الكراهية السائد على الانترنت. ومن المهم معالجة التناقض الذي يعاني منه الطلبة في هذا العصر التكنولوجي الرقمي، حيث يكون فكر الطالب متأرجحا بين الالتزام بالقيم الدينية والأخلاقية السامية التي يتعلمها في المدرسة، والقيم والممارسات الأخلاقية التي يتعلمها من خلال متابعة منصات وسائل التواصل الاجتماعي.
وضمن هذا السياق، يجب على الدول الإسلامية والعربية أخذ زمام المبادرة من خلال تبنى إجراءات إستراتيجية تحد من بروز ظاهرة ازدراء الأديان في عقر دارها، ولعل من أهمها تطوير مناهج وطرق التدريس، بحيث يتم فيها التركيز على القيم الأخلاقية الرفيعة كالتسامح بين الأديان، والعمل والكفاح المشترك من أجل تسيّد قيم المساواة والعدالة والتعاون بين شعوب دول العالم المختلفة.
المحور الثالث: الجهود المبذولة للتصدي لظاهرة ازدراء الأديان
أولا – المواجهة القانونية للحد من ازدراء الأديان
إن قضية ازدراء الأديان تتطلب مناقشة عميقة واقتراح حلول جذرية، حتى لا تسقط الإنسانية في الكراهية المتبادلة، ولا تؤدي هذه الكراهية إلى تطرف فكري، يأخذ صورا متعددة على أرض الواقع.
إن الدول العربية والإسلامية مطالبة بقوة بأن تضغط بشدة على هيئة الأمم المتحدة والدول الأعضاء بشكل منظم ومستدام لإصدار قرارات دولية وقوانين قطرية تجرم التهجم على الدين الإسلامي والاعتداءات على المقدسات والرموز الإسلامية والدينية عموما. أما التستر خلف حرية التعبير فهو عذر قبيح ينقضه الموقف الغربي ضد معاداة السامية الذي لا يمنع أو يجرم انتقاد اليهود، فقط، وإنما أيضًا ممارسات الاحتلال الإسرائيلي والصهيونية التي تخالف القانون الدولي.
جدير بالذكر أن الجهود المبذولة ذات الصلة بمكافحة ظاهرة ازدراء الأديان قد اقتصرت على سن القوانين والتشريعات ذات الصلة، إذ تجرم معظم التشريعات الجنائية الوطنية خاصة في العديد من الدول العربية والإسلامية أفعال الإساءة إلى الأديان والرموز الدينية، سواء كانت تلك الأفعال قولية أو مادية. وقد لوحظ أنه في كثير من الأحيان لا يعمل بهذه القوانين إلا في نطاق ضيق.
والواقع أن سن القوانين غير كاف، إذ يلزم أن يستتبعه خطوات وإجراءات أخرى تتمثل فيما يلي:
1- مراجعة الخطاب السياسي والثقافي والإعلامي والديني وذلك بما يكفل احترام كافة الأديان.
2- العمل على توضيح الصورة الصحيحة للإسلام وقيمه السمحة من خلال تنظيم ورش العمل والندوات والملتقيات الحوارية الإلكترونية للطلبة والشباب من مختلف الأديان والطوائف والدول.
3- بذل المساعي الدولية لوضع اتفاقية تحرم وتجرم الإساءة إلى الأديان والرسل والعمل على إضفاء صفة الإلزام على القرارات الصادرة عن منظمة الأمم المتحدة وأجهزتها في هذا الشأن.
4- حث الدول – وبصفة خاصة الغربية الأوروبية – على ضرورة مراعاة التوازن بين حرية الرأي والتعبير واحترام المقدسات والرموز الدينية.، وعدم الإساءة إلى الإسلام تحت مبرر حرية التعبير.
ثانيا – المواجهة المجتمعية لازدراء الأديان
لقد شددت الأديان السماوية على أهمية الأسرة وضرورة حمايتها من مختلف الأخطار، وأولت الأسرة عناية بالغة، لتكون النواة الأولى التي يعمر منها الكون وتتفرع منها المجتمعات والشعوب، وينبثق منها التصوّر الواعي الصحيح للطفل عن الدين ودوره في المجتمع، وأهمية تماسك المنظومة الأسرية والمجتمعية بصفته السبيل الوحيد للحفاظ على المجتمعات الإنسانية.
إن الأسرة هي حجر الأساس الذي يرتكز عليه البناء الاجتماعي، وقد تعرضت الأسرة العربية لهزات متتابعة أوهت أركانها وصدعت بنيانها بدءا من المفهوم والمدلول، إلى المقصد والهدف، الأمر الذي يستدعي التصدي للمشكلات التي باتت تواجه المجتمع العربي في جذوره وأساسه، والعمل على إعلاء شأن الأسرة وتعظيم دورها في مكافحة التعدي على الأديان.
ومن هذا المنطلق يجب مواجهة التحديات الأساسية التي تواجه الأسرة اليوم، خاصة تلك التي تستهدف تغييب عوامل تكوين الأسرة السليمة في العصر الراهن، وتعزيز ظهور القدوة الحسنة كتجسيد عملي مباشر يسهم في تربية النشء وتشكيل بنائه الإنساني، في ظل بروز العديد من النماذج السلبية التي تؤثر على الفرد والمجتمع.