DELMON POST LOGO

دروس من التجربة العمانية في خفض الدين العام

الدكتور حسن العالي

رفعت وكالة 'ستاندرد آند بورز'  تصنيفها الائتماني لسلطنة عُمان إلى 'BBB-' من 'BB+' مع نظرة مستقبلية مستقرة، نتيجة تحسن الأداء المالي للدولة. ويعد مؤشر التصنيف 'BBB-' لدى وكالة ستاندرد آند بورز هو أولى درجات مؤشر الجدارة الاستثمارية عند تقييم التصنيف الائتماني ويمثل بيئة استثمارية آمنة، حيث عادت سلطنة عمان لهذه الفئة من التصنيف بعد انخفاض دام قرابة 7 سنوات (منذ عام 2017م) جراء تأثيرات الأزمات الناتجة عن انخفاض أسعار النفط العالمية وجائحة كورونا كوفيد-19، واستغرقت سلطنة عمان سنتين ونصف من الالتزام في تطبيق الإجراءات لتستعيد هذا التصنيف.

وقالت الوكالة في تقريرها إن تحسن التصنيف الائتماني يعزى إلى استمرار إجراءات تحسين المالية العامة من خلال المبادرات والإجراءات التطويرية في الجوانب المالية والاقتصادية، وإجراءات إعادة الهيكلة الحكومية التي أسهمت في إعادة التوازن المالي بين الإيرادات والإنفاق العام كما هو مخطط له في الخطة المالية متوسطة المدى وبدء تحقيق فوائض مالية، إلى جانب التزام الحكومة بخفض الدين العام للدولة، وحوكمة الشركات الحكومية وخفض مديونيتها.

الشكل ادناه يبين كيف استطاعت السلطنة خلال ثلاث سنوات خفض الدين العام من ١٥.٦ مليار ريال عام ٢٠٢١ الى ١١.٤ مليار ريال عام ٢٠٢٤، وانخفضت نسبته من اجمالي الناتج المحلي  من ٧٠% عام ٢٠٢٠ إلى ٣٥% عام ٢٠٢٤، اي إلى نحو النصف.

فما هي اهم العوامل التي مكنت السلطنة من تحقيق هذا النجاح:

لقد شملت هذه الإجراءات ثلاثة أقسام رئيسية هي أولا خفض وإعادة هيكلة الدين العام وثانيا المصروفات وثالثا الإيرادات.

اولا: استخدام فوائض النفط في تسديد الدين العام: تشير التقديرات إلى أن إجمالي ما تم توجيهه لسداد خدمة الدين العام منذ عام 2020 حتى نهاية عام 2023 من فوائض الإيرادات النفطية (الإيرادات النفطية التي تزيد عن المقدرة في الميزانية) تجاوز 4 مليارات ريال عماني؛ حيث وضعت السلطنة خفض الدين وأعبائه كأولوية مطلقة في برنامج التوازن المالي ٢٠٢٠ – ٢٠٢٤.

ثانيا: إعادة هيكلة الدين العام: لجأت السلطنة وبصورة ذكية إلى تزمين تسديد مستحقات الدين العام مع تسديد القروض الأعلى تكلفة والاستدانة من السوق المحلي مقابل تخفيض الاستدانة من الأسواق الخارجية، حيث قامت بإعادة شراء بعض السندات السيادية بأقل من قيمة إصدارها وسداد قروض عالية الكلفة واستبدال بعضها بقروض ذات كلفة أقل، وكذلك إصدار صكوك وسندات محلية للتداول في بورصة مسقط بكلفة منخفضة نسبيا. وقد تمكنت السلطنة من خلال هذه الاجراءات توفير نحو ٣٥٠ مليون ريال.

وتبعا لانخفاض الدين العام، انخفضت خدمة الدين العام من نحو ١.٢ مليار ريال عماني إلى مليار ريال عماني.

ثالثا: تقليص نفقات الديوان السلطاني: حيث باشر سلطان عمان منذ توليه مقاليد الحكم بخفض نفقات هذا الديوان من نحو ١٤٠ مليون ريال في ميزانية عام ٢٠٢٠ إلى نحو ٨٥ مليون ريال في ميزانية ٢٠٢٣.

رابعا: تخفيض نفقات الجهاز الحكومي: حيث تم تخفيض ميزانية النفقات بنسبة ١٠% بشكل عام، وقد بلغ  حجم الإنفاق العام للسنة المالية 2023م حوالي 11 مليارًا و350 مليون ريال عُماني منخفضًا بنسبة 6.4 بالمائة مقارنةً بالاتفاق العام المعتمد في ميزانية عام 2022م كما تم تخفيض ميزانية الامن والدفاع بأكثر من ١٠٠ مليون ريال عام ٢٠٢٣.

رابعا: تقليص الجهاز الحكومي: تم تخفيض عدد وزارات الدولة من ٢٦ وزارة إلى ١٩ وزارة فقط،  كما قامت السلطنة بترشيد الشركات المملوكة للدولة وصناديق الاستثمار السيادية في خمسة قطاعات تحت سلطة هيئة الاستثمار العمانية، وهو ما اسهم في تحسين الأداء وتجنب تكرار الجهود.  

خامسا: تم التشديد على حوكمة اداء الوزراء والوزارات وإخضاع الوزراء للمحاسبة عن النتائج التي يحققونها لدى تنفيذ برامج ومبادرات وزارتهم. كما تم مواجهة مظاهر الفساد بكل صرامة وحزم. وبالنظر إلى الاجراءات التقشفية، تم فرض الشفافية في إعلان بيانات الاداء المالي للحكومةً واستخداماتها  للإيرادات  ومصادرها والنتائج التي حققتها لإرسال رسائل واضحة للرأي العام العماني والخارجي.

سادسا: وعلى صعيد الإيرادات : إلى جانب ايرادات النفط والغاز، فرضت السلطنة ضريبة على الدخل الشركات بحيث يعفى الدخل إذا كان اقل من ٣٠ الف ريال ثم تتدرج بنسبة ٣% على المؤسسات الصغيرة وتتصاعد لتبلغ ٧.٥% كحد أقصى. كما فرضت عام ٢٠٢١ ضريبة القيمة المضافة بنسبة ٥%.

وقد بلغت الإيرادات الجارية (من غير النفط والغاز) في عام 2023 نحو 3 مليارات و280 مليون ريال عُماني، منها إيرادات ضريبة القيمة المضافة والضريبة الانتقائية المقدَّر أن تبلغ نحو 590 مليون ريال عُماني، وإيرادات ضريبة الدخل (على أرباح الشركات والمؤسسات) نحو 560 مليون ريال عُماني، وإيرادات الحكومة من توريد توزيعات أرباح جهاز الاستثمار العُماني نحو 800 مليون ريال عُماني، إضافة إلى إيرادات رسوم الخدمات الحكومية المقدرة بنحو مليار و330 مليون ريال عُماني. وهي تشكل بمجموعها اكثر من ٣٠% من اجمالي الإيرادات.

ويلاحظ هنا المساهمات الكبيرة من ايرادات ضريبة الدخل على الشركات وإيرادات جهاز الاستثمار العماني في تنويع الإيرادات الحكومية، وخاصة بعد قيام السلطنة بحوكمة أداء استثماراتها وتنويعها. كما تخطط السلطنة لفرض ضريبة على أصحاب الدخال المرتفع.

وفيما يلي المنافع التي سوف تجنيها السلطنة من خفض الدين العام: