DELMON POST LOGO

محاكمة الصهيونية .. أم محاكمة الامبريالية

     بقلم : مسعود أحمد بيت سعيد – عمان

في كل منعطف تاريخي  تتجلى  مظاهر  الأزمة العربية  بأشكالها   المتعددة  وتتجلى معها  كذلك الحاجة الى تقصي  أسبابها  ؛  والابحاث الجدية التي تناولت   الازمة  والاسباب  تضع الأصبع على  التجزئية و تعزو اليها   حالة البؤس و  الضعف والخذلان .  ولاشك  بان الموضوع  قد أشبع بحث  وتمحيص   ؛ بيد ان تلك   الجهود الفكرية   قد غرقت   في طمى  القطرية المقيتة ؛  وفي غمرة  الأحداث المؤلمة   يبرز  مجددا أهمية  التضامن العربي كعنوان لا مندوحة عنه  في تعزيز  المناعة الوطنية والقومية   ؛ ولن يتأتى ذلك بدون بعث الافكار التقدمية الوحدوية  ونشرها  بين صفوف الجماهير الشعبية  ؛  ومهما تعاظمت  المواجع   ؛  لن تثني   المؤمنين  بحق هذه الامة العظيمة في الحرية  والوحدة والسيادة والتقدم الاجتماعي  عن  التكرار ؛  وان  اعتبر ذلك  من مكرور الكلام  ؛  وحين  التمعن   والتدقيق   في ما تتعرض له  الأمة  العربية  من مأس ونكبات ؛  فان  الدلائل تتجه نحو   الدوائر  الإمبريالية الغربية و الفرنسية والبريطانية  على وجه الخصوص الذين تصدوا للتوجهات الوحدوية   منذ  سقوط الدولة العثمانية واستقلال الحواضر العربية الدائرة في فلكها ؛  ..دون إعفاء النظم والتيارات العربية  الذين نذروا انفسهم لخدمة مشاريع الامبريالية والصهيونية ؛ وقد قيل  الكثير حول الدور البريطاني  في مساندة  العرب على التخلص من السيطرة العثمانية   إلا  ان  المؤكد   بان  الحركة القومية  العربية  الرامية للاستقلال   سبق وجودها  الارهاصات الأولية للسقوط العثماني   و هي من الاسباب  الرئسية التي ساهمت في  مراكمة تناقضاتها الخاصة  وتفجيرها  والتعجيل في انهيارها  ؛  بينما   امتطت  بريطانيا  التطلعات العربية   و تلمست  خطاها وسط  تفاعلاتها   الداخلية  ووجهتها  بما  يخدمهم مأربها  و  متابعة   تنفيذ  اتفاقية   سايكس بيكو  و تنصيب نفسها مع حليفتها الاستعمارية فرنسا  أوصيا على الامة العربية ؛  وللتخفيف من هول الكارثة فقد  وجدوا في    مصطلح الانتداب   غير المتداول  حينها على نطاق وأسع  ضٱلتهم  ؛  اعتقادا  منهم   بان تغيير الاسماء يغير من طبيعة الأشياء  ؛  حيث   استصدروا  قرار من عصبة الامم  بانتدابهما  مناصفة  على الامة العربية ؛   وتعتبر الدولتين  أول من وقف  في وجه  فكرة قيام كيان عربي موحد  ؛  حيث   أدركوا  مبكرا  خطورة الوحدة العربية   وما تمثله من تهديد  لوجودهم  ومصالحهم   وقد انفردت  الامبراطوريتان  بزرع فكرة مواجهة  العروبة بالإسلام   وهي من  الاشكاليات التي  مازالت قائمة الى الٱن  ..  و قد كشفت الايام  بان فكرة الوحدة الاسلامية المعاصرة  هي بالأساس فكرة غربية حاكتها الدوائر الاستعمارية   لقطع الطريق على كل الصيغ الوحدوية العربية ؛  وذلك بحسب ماهو موثق  في مذكرات ساستهم  الكبار ؛  ورغم  طوباوية الفكرة  وعدم قابليتها للتطبيق العملي وفق شروط ومتطلبات  العصر الحديث  الا انها مازالت  تغزو  اذهان النخب  المغتربة عن واقعها  .. وبما ان   دحض الافكار ليس مسألة نظرية   بقدر ما  تختبر صحتها في حيز الامكانية الواقعية و الممارسة العملية  فان المقاربة الموضوعية  تتطلب سؤال   محدد ربما يفي   بالغرض  وهو :  هل وحدة سلطنة عمان ودولة الإمارات العربية المتحدة أو أحدهما مع المملكة العربية السعودية  اقرب للمنطق  أم  وحدة احدهما  مع اندونيسيا أو حتى ايران الاقرب جغرافيا واجتماعيا ونفسيا ؟   وماهي المشتركات  التي ترجح   الثانية قياسا بالأولى ؟  و هل مواجهة العامل الديني  بالعوامل  الأخرى الجغرافية  و التاريخية  واللغوية  والتكوين النفسي   التي بلورتها  قرون طويلة من الصراعات الوجودية والعذابات المشتركة  وصهرتها في بوتقة واحدة وابرزت   شخصيتها   وخصوصيتها  بين الامم  كحالة  موضوعية  مستقلة بحاجة الى اجتهادات  ؛ خصوصا و ان  الجانب  العقائدي من الناحية التاريخية   لم يكن   عنصر تفرقة   ؛ وقد  وحدت  العروبة أبناءها   في صد  الحملات الصليبية  بصرف النظر عن معتقداتهم الروحية   ؛ من هنا  فان   لندن وباريس بمواقفهم  العدوانية التاريخية   تتحملان  الجزء الأكبر  من  التراجيديا العربية  ؛  وفي هذه اللحظات التي تتعالى  فيها  الدعوات لملاحقة  الكيان الصهيوني الفاشي  ومحاكمته   أمام محكمة العدل  الدولية  وان كانت نتائجها معروفة   ؛  اذ  لم يسجل  التاريخ   بان  حاكموا  المستعمرين   انفسهم ؛  ورغم ذلك   لا يجوز الاستنكاف عن استخدام كافة الأشكال النضالية  التي لا تخلو  من الفوائد بل يجب  توسيع   اطار الملاحقة   قانونيا واخلاقيا    لتشمل كافة المستعمرين الذين بنوا حضارتهم وامجادهم على جماجم الشعوب المستعمرة وفتح سجلات اجرامهم   القديمة و الحديثة  وتعريتهم  أمام الرأي     العام العالمي والضمير الانساني المعذب  وفي المقدمة   فرنسا وتلك  العجوز الشمطاء  التي ارتكبت   أكبر الجرائم  في  العصر الحديث   سواء تلك المتعلقة بتقسيم  الوطن العربي واستعماره ونهب ثرواته   أو بمنح الصهيونية وعدها  المشؤوم  "وعد بلفور  "  بإنشاء   كيان صهيوني  على جزء من أرض عربية كانت  منتدبه  عليها بموجب شريعة الغاب .  في  خطوة  عملية  على طريق استكمال  بقية حلقات  المواجهة   وإجبارهم   على الرحيل  من أرض العروبة الطاهرة  .

------------------------

Masoudahmed58@gmail.com