DELMON POST LOGO

الذكرى السنوية الأولى للمصالحة السعودية الإيرانية ...

محمد حسن العرادي - البحربن

في مثل هذا اليوم من العام الماضي وبالتحديد  يوم الجمعة  1444/08/18هـ الموافق 10مارس 2023م تم توقيع اتفاقية المصالحة السعودية الإيرانية برعاية صينية في العاصمة بكين، وقد وقّع الإتفاق عن الجانب السعودي مستشار الأمن الوطني السعودي مساعد بن محمد العيبان وعن الجانب الإيراني أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني، وتم الاتفاق حينها على عودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في غضون شهرين، وإنفتح الباب لإنهاء سنوات من التوتر السياسي والأمني والعسكري في منطقة الخليج العربي.

لقد كانت تلك مبادرة شجاعة وبناءة وذات رؤية بعيدة النظر ساهمت في تدشين عهد من الإستقرار وتغليب المصالح والشراكات الإقتصادية والاستراتيجية القائمة على الحقائق التاريخية والجوار الجغرافي على منطق الصدام والتحدي، مما أدى الى تبريد المنطقة وإتاحة الفرصة لمزيد من الحوارات السياسية والإجتماعية لتعزيز  التفاهمات الإقليمية على ضفتي الخليج العربي والتي تعرضت لإنتكاسات متعددة غذتها القوى الاستعمارية الطامحة الى إستمرار النزيف والخلافات خدمة لمصالحها القائمة على مبدأ فرق تسد.

ودون شك فإن هذه الإتفاقية قد تعرضت لإختبارات قاسية خلال هذا العام، لكن الطرفين تمكنا بالحكمةوالحنكة السياسية والإصرار على تجاوز تأثيراتها السلبية، وقاوما بصبرٍ ومثابرة كافة المحاولات المُغرضة الرامية إلى إبطال مفاعيل الإتفاقية، الأمر الذي خلق أجواء من الهدوء وفرصاً لبناء تفاهمات سلام ومصالحة إقليمية حقيقية وليست وهمية كأكذوبة السلام الإبراهيمي المبني على الغش والخداع والمؤامرة، وزاد ذلك من منسوب التواصل والثقة المتبادلة بين إيران وكافة الدول والأطراف العربية، وكان لافتاً تبادل الزيارات واللقاءات المشتركة بينهم على أعلى المستويات السياسية والدبلوماسية.

كما ساهم هذا الاتفاق في إبطاء سرعة قطار التطبيع في المنطقة، وأتاح قدراً كبيراً من الوقت للتفكير في البدائل السياسية التي تطرحها الإستراتيجية الأمريكية والتي لم تكن تهتم سوى باتمام عصر الهيمنة والتفوق الصهيوامريكي على كافة دول المنطقة، غير عابئة بالحضارات القائمة على أرض دول هذه المنطقة، والعلاقات التاريخية المشتركة المعمدة بالدم والتضحيات التي جمعتها دينياً وإقتصادياً وإجتماعياً، لكن الإتفاقية صمدت في وجه كافة الضغوط ومحاولات الإختراق، وساهمت في صد وإفشال كافة المخططات الأجنبية الشيطانية الرامية لإشعال المزيد من المعارك والحروب والهدر في المنطقة.

وحين هب الشعب الفلسطيني المقاوم ليشعل الأرض من تحت أقدام الصهاينة، يوم السبت 7 أكتوبر 2023 المجيد ، إنكشف زيف الإدعاءات التي روجت لإتفاقيات السلام الإبراهيمي المخادع والفارغ من أي قيمة إنسانية، وتعززت القيمة الإستراتيجية لإتفاقية المصالحة السعودية الإيرانية، التي شكلت إستدارة إيجابية مهمة في العلاقات وإخفاقاً كبيراً للدبلوماسية الأمريكية القائمة على أساس تطويع المنطقة لصالح الهيمنة الصهيونية.

وهكذا ضُربتْ صفقة القرن في مقتل، وتم تسفيه أحلام الصهاينة بشلِ الإقتصاد المصري عبر مشروع شق قناة بن جوريون البديلة لقناة السويس، وانطفئت أورار حرب الإخوة في اليمن، وأضطرت أمريكا لكشف كل أوراقها السياسية والعسكرية التي حاولت التدليس عليها عبر سياسة الإحتواء المزدوج تارة، والتخويف من البعبع الإيراني تارة أخرى، فكشرت عن أنيابها العسكرية ونزلت تدافع بنفسها وجبروتها عن الكيان الصهيوني الإرهابي الذي تعرض لأكبر عملية تحدي وجودي، فإذا به نمر من ورق لم يقوى على الصمود والمجابهة أمام ثلة فلسطينية مجاهدة مؤمنة بحقها التاريخي في أرض فلسطين الأبية الطاهرة التي لا تقبل القسمة على إثنين.

سقطت أمريكا في الفخ والشرك الذي نصبته لغيرها، فراحت تخوض الحرب مباشرة كاشفةً عن مشروعها الحقيقي القائم على تغذية وإدارة واستثمار الصراعات العسكرية في المنطقة، المتكئة على الترويج للدور الصهيوني باعتباره بوابة الأمن والإستقرار والحماية، فإذا بعرش الكيان الصهيوني العنصري (نظام الأبرتايد) يهتز ويرتجف ويفشل فشلاً عسكرياً وإستخباراتياً وسياسياً وأمنياً وإقتصادياً وغذائياً بشكل لم يسبق له مثيل منذ فرضه بالحديد والنار ومشاريع الإستعمار على أرض فلسطين المحتلة قبل 75 عاماً، ولم يكن بُداً من التدخل الأمريكي المباشر لأنقاذ الكيان من الهزيمة وحمايته من التفكك والإنهيار والسقوط على أسوار غزة الأبية المقاومة.

وعبثاً حاولت أمريكا إستفزاز السعودية والدول العربية لخوض حربها دفاعاً عن الكيان الصهيوني، لكن السعودية ظلت متمسكة بإتفاقاتها ورؤيتها وموقفها القائم على المبادرة العربية التي رفضها الصهاينة لأنهم دعاة حرب واحتلال، وأثبتت السعودية بأنها ملتزمة بضرورة عودة الحقوق الشرعية للشعب الفلسطيني وأولها حقه في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، ولما كان ذلك غير واردٍ على أجندة أمريكا إلا كنوع من الكذب والخداع الدبلوماسي، فإن جميع محاولات الترويج للسلام الإبراهيمي ستسقط وتواجه بالرفض .

إنها النظرة الإستراتيجية الثاقبة بعيدة النظر التي إعتبرت الإتفاقية السعودية الإيرانية حجر الزاوية في العلاقات العربية الإيرانية، حتى يتوقف البازار الأمريكي عن تسويق مشاريعه القائمة على إشعال الحروب وبيع الأسلحة وتحويل المنطقة إلى سوق للخردوات والحديد الأمريكي الصدء الذي يسميه يدعي بأنه يرتكز على التكنولوجيا المتقدمة، فإذا به أفشل من أن يكتشف مخططات المقاومة الفلسطينية المجاهدة التي مرغت أنف الجبروت الصهيوني والأمريكي، وأسقطته أخلاقياً وقيمياً وإنسانياً فراح يضرب بسلاح الفيتو والإستعراضات العسكرية في كل إتجاه، لكنه عجز عن كسر إرادة الفلسطينيين، كما عجز عن تعطيل أو إلغاء الإتفاق السعودي الإيراني، وفي إنتظار المزيد من التداعيات الإيجابية لهذا الاتفاق التاريخي في السنوات القادمة.