DELMON POST LOGO

البعد الفلسفي والفني لملحمة جلجامش للدكتورة زينب سوار ..البحرين جزء منها 1-2

ملحمة جلجامش

تبدأ الدكتورة زينب سوار ، بسرد ملحمة جلجامش مع بعدها الفني والفلسفي ، وتقول ، تعد ملحمة جلجامش من أقدم النماذج الأدبية ومن الآداب العالمية الكبرى في تاريخ الحضارات، المدونة قبل 4000 عام ، وهي  تشكل أول عمل أدبي متكامل أنتجه الإنسان على وجه الأرض، وقد اعتبرها بعض النقاد والمحللين أفضل ما أنتج من أدب العصر القديم وهي لا تزال تشغل بال الإنسان وتفكيره وتؤثر في حياته العاطفية والفكرية، وقد دونت بالكتابة المسمارية – السومرية والآشورية البابلية ،على احدى عشر لوحا طينيا اكتشفت في عام ١٨٥٣م في موقع اثري بالصدفة وقد كان المكان هو المكتبة الشخصية للملك الاشوري اشور بانيبال في نينوى بالعراق والمحتفظ  بها الان في المتحف البريطاني والالواح مكتوبة باللغة الاكادية وحملت كثير من تصورات الثقافة البابلية الفكرية والدينية والفلسفية.

ونالت الملحمة شهرة واسعة لتناولها موضوعا إنسانيا يتعلق بمسالة جوهرية تخص الإنسان في كل زمان ومكان. فالملحمة تتعامل مع أشياء من عالمنا الدنيوي مثل الإنسان والطبيعة البطولة والحب والمغامرة، والصداقة، والحرب، والحنين، والأماني، والحقد، والذكريات، والرجولة، والانتقام والاحلام وحس المسؤلية  إضافة إلى موضوعها الرئيس الموت وصراع الإنسان وتشبثه بالحياة .

واطلق عليها احيانا هو الذي رآى كل شي وهي اول عبارة فيها ، كما اطلق عليها ملحمة جلجامش نسبة الى بطلها الملك جلجامش وقصته التي شغلت العالم ولازالت الدراسات قائمة عليها . لقد مزجت هذه الملحمة الحقيقي بالأسطوري، والواقع بالخيال، وكانت واقعيتها مزخرفة بالحكمة، وخيالها متسربل بالرمزية.. هي واقعية من حيث تناول الإنسان حياة وموتاً، وهي رمزية لأن أحداثها المفرطة ذات دلالات عميقة، أسطورتها ذات مرامٍ بعيدة

تدور الملحمة حول عدة اقسام رئيسية

الأول  :  يدور حول وصف جلجامش البطل وخلق انكيدو صديقه

الثاني : يوصف بطولات واسفار جلجامش وانكيدو ومغامراتهما

الثالث :  يتعلق بمسالة الحياة والموت موت انكيدو وحزن جلجامش وسعيه للبحث عن الخلود

الرابع :  تروي قصة الطوفان كما يرويها الخالد اتو نبشتم إلي جلجامش لوصوله للخلود

الخامس : يتعلق بمسالة الحياة بعد الموت و العالم السلفي وحال الموتى

اما مواضيع الملحمة وأفكارها هي  اقرب إلى البشرية من الأسطورة فأبطالها تزاوج بين البشرية والقوى الإلهية أو الكائنات الغير بشرية ، ولكن في اغلب الأحيان يكون البطل الرئيس من البشر، وهي تجتاز الواقع بشخصياتها الغير بشرية

شخصيات الملحمة

جلجامش

الشخصية الرئيسية في الملحمة الذي اشتهر بقدرته الخارقة فهذا البطل ثلثيه اله والثلث بشري  والدته من الاله واسمها ننسوب ووالده من  البشر واسمة لوكلباندا ، وهو احد ملوك مدينة اروك وامتد حكمه مائه وسبعة وعشرون عام وقد سخر رعيته كلها فى بنائها، وتحصين أسوارها من الداخل والخارج، قوى البنية ، جميل الطلعة  يحب المغامرة ، ولا يخشى الوحوش والمصارعين ، كما هو موجود في التصور الفني له في التمثال المنحوت لشخصه والموجود حاليا في متحف اللوفر بباريس  وكما ظهر لنا في الاختام الاسطوانية الرافدية والاختام الدلمونية الدائرية والتي تصور قوته الخارقة وحكمته

انكيدو

إنسان متوحش كان يعيش بصورة وحشية فى الغابات، يصارع الوحوش، ويأكل الأعشاب، ويشرب مع الظباء من منابع المياه ، خلقته الآلهة لمنافسة جلجامش لكنه بعد الصراع معه أصبح أخلص أصدقائه وقاما معا برحلات صعبة، ودخلا فى مغامرات عنيفة ، في وصفه الفني كما ظهر في المنحوتات الاختام  الرافدية والدلمونية نصفه انسان ونصفه ثور انسان مقرن

عشتار

هي إلهة الحب والحرب عند البابليين ، وكلمة عشتار بالعبرية معناها نجمة الصباح وهي  الهة جميلة ومدللة تزوجت أكثر من مرة ، وعندما أعجبت بجلجامش عرضت عليه الزواج منها، مع الكثير من الهدايا والعطايا، لكنه رفض بشدة، وأهانها فصعدت إلي أبيها لكى ينتقم لها، فأعطاها مقود الثور السماوى ليقتل جلجامش وصديقه لكنهما تغلبا عليه وذبحاه وتقربا بقلبه إلى الإله شمس رموزها التي ظهرت جلية في المنحوتات والأختام الأسطوانية،  فهي حزمة القصب ذات النهاية المعقوفة، والنجمة الثُّمانية إشارة إلى نجمة الزُّهْرة

ننسوب

أم جلجامش حكيمة الحكيمات وقد ساندت ابنها كثيرا وباركت صداقته مع انكيدو  ظهرت دور الام في حياة الانسان

خمباببا

العفريت المارد، الذى كان مكلفا بحراسة غابة الأرز، قوى جدا، من خلق الإله انليل شمس الإله الذى كان يتضرع له جلجامش لحمايته  وهو انسان ضخم ويظهر بمخالب اسد وشعر طويل ملتحي واحيانا مقرن بفم كبير واذنان بارزتان  .

أتو نبشتم  - زيو سدرا

صاحب العمر الطويل الإنسان الذى أنقذ البشر من كارثة الطوفان بواسطة بناء سفينة كبيرة ، والذى منحته الآلهة بعد ذلك صفة الخلود بشرط أن يعيش مع زوجته بعيدا عن البشر عند منبع الأنهار

أتو شنابى -  الملاح الذى صحب جلجامش لعبور البحر، حتى بلوغ مياه الموت  

سدوري

صاحبه الحانة التى حاورت جلجامش، ودلته علي الطريق الذى يوصله إلى هدفه

انليل

اله كبير هو الذى قرر عقاب جلجامش، وموت صديقه انكيدوكما كان هو صاحب قرار إغراق البشر بالطوفان.

البطولة

هو الذي رأي كل شئ بذكره يابلادي ، انه البطل سليل اوروك والثور النطاح انه المقدم في الطليعة

- تبدأ الملحمة بديباجة في التعريف ببطل الملحمة والتغني بإمجاده وتوجز كذلك موضوع الرواية وخاتمتها فهو حاكم مدينة ارورك قوي البنية جميل الطلعة مخلوق من زواج بين الهة وبشر، حاكم مستبد ، ظالم ، يعتبر رعيتة ملكه الخاص

أننا أمام إنسان خارق للقدرة الجسدية، مقاتل جبار، يحسب له ألف حساب، ذو موهبة على البناء والتعمير، باني للمدن بطريقة جديدة فيها من الجمال والقوة والإتقان ما يجعل بناءه فريدا، صاحب فهم كبير، سائح ورحال في الكثير من المدن والأماكن، مما أعطاه فهم ورجاحة العقل معا، فيميز جلجامش عن الآخرين

جلجامش هو خلق نادر للآلهة، فلم تخلقه كبقية البشر، بل مميز ليس له نظير، فهو يمتلك الجمال  والشجاعة والقوة   فكانت هيئته توحي بالعظمة، طول في الجسم وعرض في الأكتاف وكأنه احد مصارعين اليوم، فالأوصاف الشكلية والصفات الخلقية تجعل من جلجامش كائن فريد ليس له نظير أبدا، فهو إنسان في همومه وطموحه، وإله في شكله ومقدرته الخارقة

من الناحية الفنية أظهرت المنحوتات الاثرية الصورة الرمزية والشكلية لشخص البطل الخارق في العضلات وتصغير ماهو اقوى من قوة الانسان بالنسبة للاسود ، اختيار الألوان والخطوط للفنانين تأكيد للقوة للشخصية المميزة  

الحيلة واستغلال الاغراء

وعلمت الوحش اللغز فن المرأة ، إذا حفى بك وانعطف حبه إليك  ، انضي ملابسكِ فيضطجعُ عليكِ ، أدِّي له ذلك المتوحّش، وظيفةَ المرأةِ، ستُنكِره حيواناته التي رُبِّي وسطها ، ستهفو شهوتُه إليكِ.

اشتكي اهل اوروك المساكين الالهة من ظلم حاكمهم جلجامش فخلقت له انكيدو منافسا له من البشر قوي البنية جدا ويغطي جسمة الشعر ويعيش في الغابات ويتصارع مع الوحوش  وصف انكيدو واغواء البغاء له

بينما قابلته المرأة وانتصرت عليه، فالمرأة في هذا الجزء من الملحمة كانت أقوى من الرجل وأكثر فاعلية منه، فهي تمتلك من القوة النفسية ـ عدم خوفها من الوحش ـ الشيء الكثير، كما تمتلك من القوة ـ العاطفة ـ ما تجعل من الوحش يتأنسن ، فسلم أنكيدو نفسه للمرأة واخذ بكلامها، بدأت تظهر عليه ملامح الإنسان المتحضر العاقل ، استخدام قوة المرأة يعطي تأكيدا على العبقرية التي وصل إليها المجتمع السومري، وأيضا المقدرة الفنية على مفاجأة القارئ أو السامع للأحداث الملحمة

وهذا الأمر يشير إلى تطور فنية الكتابة عند السومريين، التي تهتم بإبراز الانفعالات والهواجس عند شخوص الملحمة، مما يجعلها أكثر إقناعا وتماسكا في أحداثها إذن هناك مخلوق متوحش يمتلك هيئة مرعبة

من الناحية الفنية تم توظيف دور المرأة بشكل واضح الملحمة الهمت للفنانين للتوظيف الصحيح للعناصر الشكلية في الاعمال الفنية الحديثة

الاحلام وشفافيتها ، الصداقة

• راى جلجامش في المنام الحلم وقص لامه  ما حدث انه صاحب قوي ، يعين الصديق سيأتي إليك ، انه اقوى من في البلاد وذو عزم شديد ، وسأكون له صاحبا وصديقاً وفياً ، لقد ظهر بطل ند وكفؤ للبطل الجميل ، رأى جلجامش انكيدو الهائج  ، وتصارعا ومارا خوار ثوريين وحشيين

• كان لقاء جلجامش بانكيدو قاسيا فقد تصارعا طويلا حتى ظهر انتصار جلجامش عليه الا انه عرف مدى قوة وباس انكيد وتعاهدا على صداقة عميقة باركتها ام جلجامش التي اعتبرت انكيدو بمثابة الاخ تماما واوصتة برعايته ، التخلي عن القوة بالحكمة اقوى من القوة نفسها تجلى واضح في تحول العداء الي الصداقة

• من الناحيد الفنية أظهرت الصياغات الفنية في الاختام الرافدية والدلمونية اتحاد الصداقة في وحدة وتكامل العمل سواء في الشكل الدائرى او المستطيل واتزان العناصراما في الاعمال الحديثة ظهرت اتجاهات مختلفة لدراسة الموضوع وطرحه باساليب مختلفة كل اتجاه ياخد منحى مختلف عن الاخر ،الاانه يصل الى نفس الهدف.

 

المغامرة ومواجهة الصعاب والصداقة

خمباببا زئيره مثل عباب الطوفان  ، انه يعرف الطريق الى غابة الارز ،دعه يتوغل في مسالك خمباببا ، انت الذي مارست النزال والصعاب ، تشجع وكن بجانبي فتعود إليك شجاعتك ويفارقك الرعب والشلل ، وعانق كل منهما الاخر وهمسا سائران في الطريق

قرر الصديقان الذهاب الي غابة الارز للقضاء على حارسها المارد الضخم خمبابا وقد تصدى لهما لكنهما بالتعاون والوحدة استطاعا ان يهزماه ويقتلاه ثم عادا الي مدينتهما منتصرين واقاما احتفالا، القوة الحقيقية تكمن في قوة ارتباط الصداقة في تحدي الصعاب والخوف على الاخر فالحكمة والتحالف يتحقق الفوزوالنجاح والوصول للهدف ، في التعبير الفني تظهر أوجه مختلف ترمز لما تتطرحه الملحمة من معنى

الحيلة واستغلال الإغراء واهمية الجنس للحياة البشرية

ولما ان تكلل جلجامش تباجه ، رفعت عشتار الجليله عينها ، تعال يا جلجامش وكن عريسي الذي أخترت ، انت كالباب الخلفي لا يحفظ من ريح ولا عاصفة ، انت قصر يتحطم في داخله الابطال ، انت نعل يقرص قدم منتعله

• اعجبت الاله عشار بجمال جلجامش وهو متربع علي العرش فطلبت منه ام يتزوجها في مقابل ان تمنحه الكثير من العطايا لكن اجابها بالرفض القاطع كاشفا عن ماضيها القاسي مع ازواجها السابقين والمصائر المأساوية التي انتهوا بها

• الطلب الذي تطلبه عشتار من جلجامش يؤكد الحاجة الجنسية لكل كائن حي فالملحمة لم تقتصر هذا العمل على البشر وحدهم بل تعدى عمله إلى الآلهة، من هنا نجد عمل الجنس ذوأهمية، وجعلت منه الملحمة يسموعلى بقية الأفعال الأخرى

• من الناحية الفنية صورت الاختام الدلمونية موقف عشتار في اغراء جلجامش واعجابها به تحتل عشتار النسبة الأكبر في الختم لثقتها المطلقة في قوة حيلها وتحقيق مطالبها كونها  الاه ابنت اله اما في اعمال الفنان المتألق هشام زباري ظهرت بكامل الثقة ولكن يشوبها الألم في اللون الأحمر ونزل العناصر الي الأسفل تاكد خيبت الامل.