تواصل الدكتورة زينب سوار سردها لقصة جلجامش وملحمته الكبيرة .
عقاب الالهة البشر
ولما سمعت عشتار هذا استشاطت غيظا وعرجت الي السماء يا أبي ان جلجامش سبني واهانني ، انتي التي تحرشتي فجنيتي الثمرة ، اخلق لي يا أبتي ثورا سماويا ليغلب جلجامش ويهلكه
وبالطبع غضبت عشتار من هذا الرفض وصعدت الي ابيها انو وامها انتم فبكت لهما ورجتهما ان ينتقما لها من جلجامش وبعد استعطاف شديد قدم ابوها لها سلسة الثور السماوي الذي يمكنه قتل جلجامش
من الناحية الفنية الثور من رموز القوة والصلابة والرجولة وقد ظهر في اوجة مختلفة ومواقع كثير في المنحوتات الرافدية والاختام الرافدية والدلمونية وحتى الاخراجات الفنية مثل مقدمة القيثارة من الخشب والنحاس كما موجود في معبد باربار وان دل فهو يدل علي أهمية هذا المخلوق السماوي والاهمية المعنوية له ، لذا كان مصدر الهام لكثير لمواضيع الفانين التشكيلين بمختلف الاتجاهات.
الانتقام
هبط الثور السماوي وأخذ ينشر الرعب والفزع ، انا سأمسك الثور من ذيله ، طعن الثور السماوي طعنه قاتله وغرس حسامه مابين السنام والقرنين ، الويل لجلجامش الذى مسني واهانني لأنه قتل ثور السماء
- انزلت عشتار الثور السماوي معها حيث اثار الرغب الشديد في مدينة اوروك كلها وعندما واجهاه جلجامش و انكيدو استطاعا ان يمسكا به ويذبحاه عندها جمعت عشتار فتيات المعبد ورحن يندبنه وعاد البطلان الي القصر للراحة من هذا الصراع
- فنيا نرى وصف وتعبير واضح وصريح للواقعة في الاختام الرافدية الاسطوانية اما في الاختام الدلمونية فظهرت صياغة لمفردات وعناصر الحدث و ذلك على حسب التوزيع للشكل الدائري والموضوع فقد اختزل الفنان الموضوع برموز للحدث تأكيد وتبجيل لأبطال الملحمة وقد اتقن وبكل دقة توصيل الحدث مع الحفاظ على القيمة الفنية
يا صاحبي حلت بي اللعنه ، فمن يسقط في القتال ياصديقي فأنه مبارك ، طواك ظلام الليل فلا تسمعني
- عندما نام انكيدوا راى في المنام قصة روها الي جلجامش خلاصتها ان الالهه قد اجتمعوا للتشاور حول مصير البطلين اللذين قطعا غابة الارز وقتلا حارسها خمبابا وقضيا علي الثور السماوي لكن القرار صدر بموت انكيدو كعقاب على ما حدث رغم انه كان تابعا لجلجامش
- مرض انكيدوا فحزن من اجله جلجامش وظل ملازما له يناجيه ويحاول التخفيف عنه الا انه مات ، بعد موت أنكيدو يصاب جلجامش بحزن شديد على صديقه الحميم حيث لا يريد أن يصدق حقيقة موته فيرفض أن يقوم أحد بدفن الجثة لمدة أسبوع إلى أن بدأت الديدان تخرج من جثة أنكيدو فيقوم جلجامش بدفن أنكيدو بنفسه
- فنيا الاحلام هي مصدر قوي للفنان في اظهار الامشاعر والاحاسيس التي لايمكن تطبقيها في الواقع واحيانا تكون بجرس تنبيه لما سوف يحدث من خلال الاحاسيس الكامنة لدى البشر ، واكبر دليل ظهورالاتجاة الرومانسي والسريالي والذين يجتمعون في صلب هذا الموضوع فقد ظهر في الاختام الرافدية والدلمونية ومصدر الهام للعديد من الفنانين
المغامرة ومواجهة الصعاب
الي اين تسعى يا جلجامش ان الحياة التي تبغي لن تجد ، يا صاحبة الحانه اين الطريق الي اتونابشتم ، واذا امكنك فاعبر بصحبته والا فعد الي وطنك اتوشنابي ، انا الذي قهر خمباببا الساكن في غابة الارز ، وانزال السفينة في الامواج وتهيأ للابحار
- ينطلق شاردا في البرية خارج أورك وقد تخلى عن ثيابه الفاخرة وارتدى جلود الحيوانات بدات رحلت جلجامش الى اتونابشتم الذي ستمنحة سر الخلود وصل جلجامش الي ساحل البحر بعد رحلة متوجة بالاهوال حيث التقى بصاحبة الحانه وتحدثت له ناصحة ان الحياة التي تبغيها لن تجدها وان الالهة خلقت البشر وقدرت عليهم الموت لكن جلجامش اصر على تحقيق مطلبه فاوصته بملاح اسمة اتور شنابي الذي يمكنه ان يعبر معه البحر حتى مياه الموت وعندما رأه طلب منه ان يصنع سفينة وبعد ان بدأ في عبور البحر بلغا مياه الموت تخلى البحار عن جلجامش واوصه بان لا تلمس يداه هذة المياه
- من الناحية الفنية تم وصف الرحلة في العديد من الاعمال الفنية الحديثة والاختام الرافدية والدلمونية ، تأكيد علي ذلك وجود القارب وهو الرمز الأبرز في جميع المواضيع باشكال مغايرة ، وجود شخصين في القارب ، حركة الخطوط في الاعمال ترمز الى اللهفة والشغف للحصول على الحياه الأبدية والمكلله بالمصاعب
الرغبة والبحث عن الخلود
سافتح لك يا جلجامش سراً خفياً ، يوجد نبات مثل الشوك ينبت في المياه وشوكه يخز يديك كما يفعل الورد ، فإذا ما حصلت يداك على هذا النبات وجدت الحياة الجديدة ، وربط بقدميه احجار ثقيلة ونزل الى اعماق المياه ابصر النبات
شاهد اوتو نابشتم شجاعت جلجامش في عبور مياه الموت متجها ناحيته تعجب من جرأته وحين قابلة جلجامش طلب منه المساعدة في ايجاد سر الخلود وانساب حديث
بين جلجامش أوتنابشتم يبدأ الأخير بسرد قصة الطوفان العظيم الذي حدث بأمر الآلهة وقصة الطوفان هنا شبيهة جدا بقصة طوفان نوح ، وقد نجى من الطوفان أوتنابشتم وزوجته فقط وقررت الآلهة منحهم الخلود بعد أن لاحظ أوتنابشتم إصرار جلجامش في سعيه نحو الخلود قام بعرض فرصة على جلجامش ليصبح خالدا، إذا تمكن جلجامش من البقاء مستيقظا دون أن يغلبه النوم لمدة 6 أيام و7 ليالي فإنه سيحقق الحياة الأبدية ولكن جلجامش يفشل في هذا الاختبار إلا أنه ظل يلح على أوتنابشتم وزوجته في إيجاد طريقة أخرى له كي يحصل على الخلود.
تشعر زوجة أوتنابشتم بالشفقة على جلجامش فتطلب منه مساعدته ارشاده على عشب سحري تحت البحر بإمكانه إرجاع الشباب إلى جلجامش بعد أن فشل مسعاه في الخلود، يغوص جلجامش في أعماق البحر في أرض الخلود دلمون البحرين حاليا ويتمكن من اقتلاع العشب السحري
من الناحية الفنية شغل هذا القسم من الملحمة الكثير من الفنانين والادباء على مدى العقود بداية من الموروثات الاثرية وخصوصا النبات كرمز وارد في صور عديدة في الاختام الرافدية والدلمونية وتناول العديد من الفنانين المعاصرين الموضوع والتركيز على شخص جلجامش بقوةاندفاع الى الأسفل في تلهف للحصول على الخلود كما هو ظاهر عند الفنان المبد الأستاذ هشام زباري
أهوال العالم السفلى
فأخذ النبات الذي يخز يديه وقطع الاحجار الثقيلة من قدميه فخرج من عمق البحر الى الشاطئ ، يعود الشيخ الي صباه كالشباب ، فورد نزل فيها ليغتسل في مائها ، فسمت الحية نفس النبات فتسللت واختطفت النبات ثم نزعت عنها غلاف جلدها
بعد حصول جلجامش على العشب السحري اتجه إلى أورك لكن في طريق عودته وعندما كان يغتسل في النهر سرقت العشب إحدى الأفاعي وتناولته فرجع جلجامش إلى أورك خالي اليدين وفي طريق العودة يشاهد السور العظيم الذي بناه حول أورك فيفكر في قرارة نفسه أن عملا ضخما كهذا السور هو أفضل طريقة ليخلد اسمه
ويذكر في اللوح الثاني عشر من الملحمة انه بعدما عاد جلجامش خائبا من نيل الخلود صار شغلة الشاغل التفكير بمصيره في عالم مابعد الموت فجاء وصف ذلك العالم وحال الموتى فيه باستعادة حادثة نزول صديقه انكيدوا الى ذلك العالم
فنيا احتل مما سبق رمز النبات والافعى الكثير من المواقع ارتباط للخلود من اهما وجود الثعبان في رمز الصيدلية وذلك لكتب الحياة الأبدية أيضا تناوال الاختام الرافدية والدلمونية للهذة الرموز
الخلاصة
• تعد الملحمة علي جانب من الأهمية في تصويرها تصويرا مؤثرا جوانب مهمة من حضارة وادي الرافدين، فهي لدراس هذه الحضارة منجم زاخر لاستقاء أوجه ومقومات أساسية عن أحوال العراق القديم، كعقائد القوم الدينية، وآلهتهم وآرائهم في الحياة والكون
• أن الموت ضعف ملازم للإنسان وأن الآلهة قد استأثرت بالحياة وحدها ولكننا نقرأ في غير الملحمة أن بعض الآلهة يموت وأن منها ما يموت
• إن توجهات جلجامش للاستفسار عن معني الحياة وجواب صاحبة الحانة له بأن الحياة أن يكون كرشه مملوءا علي الدوام وأن يدلل الصغير وأن يفرح الزوجة لم يكتف جلجامش به فهو قد ترك ذلك وعزم سفرا شاقا كاد يؤدي بحياته وهو الوصول إلي أتونبشتم واستفساره عن الطوفان لأنه أدرك أن هناك مسائل تؤثر علي حياة البشر يحتاج لها حل وأن التلذذ بالحياة لا يكون إلا بالجد والتحدي والعمل الشاق
• لم ينفك جلجامش بالاستفسار عن معني الخلود بموت خله وصديقه أنكيدو بل صمم علي مقارعة الموت وهو في سفره إلي أتوبنشتم ليسأله عن الطوفان وفي خضم ذلك عاودته فكرة الخلود إذ دله أتوبنشتم علي نبات الخلود بعد أن طلبت زوجة أتوبنشتم من زوجها أن يعطيه ما يخفف من عناء سفره إليهم وظهر لنا هنا حكمة الحاكم صاحب المسئولية والذي يهم لامر رعيتة من خلال تفكيرة لاخذ النتبة لمدينة ارورك ومشاركته لنيل الحياة الأبدية
• لعب الجنس دوره في انتقال الإنسان الرافديني من حياة البداوة إلي حياة الحضارة كما فعلت البغي حين كشفت عن مفاتن جسمها أمام أنكيدو لاستمالته إلي الحياة المدنية كما لعبت العوامل الأخري دورها كالعامل الاقتصادي والاجتماعي والثقافي.
• كان الإنسان الرافديني في الملحمة لا تنفك علاقته بالآلهة فهو يستعين بها في كل خطوطه ناسبا إليها الخير والشر الذي يصيبه رغم هذه الآلهة تتصف بصفات غير ثابتة سببت له مشكلات كثيرة كما في المعركة الكلامية التي وقعت بين جلجامش وعشتار آلهة الجنس والحب إذ قال لها جلجامش أفحش الكلام والسب وأتهمها بأنها سببت الأذي والألم لقلوب البشر.
• حاول الإنسان الرافديني أن يجعل جلجامش في مصاف الآلهة إذ كان ثلثاه آله وثلثه الآخر بشر فضلا علي قيامه بمغامرات عبر الجبال والبحار والغابات لا يقوي البشر عليها إذ كان كامل القوة يعلم ما خفي من الأمور.
• ملحمة جلجامش لم تكن إلا من وحي تفكير صاغها لتمثل الواقع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي إذ وضعها السومريون ثم كتبها البابليون والآشوريون بلغتهم .
لم ينفرد سكان العراق القدماء باهتمامهم بمسألة الحياة والموت بل عالجت هذه القضية آداب وأقوام كثيرة من كمختلف العهود والأزمان فنجدها متغلغلة في مآثر اليونان الأدبية وتجد علي سبيل المثال في الأدب العربي قصصا طريفة عن أخبار المعمرين وأخبار الكثير من الأبطال الذين ركبوا الأخطار والمغامرات لنيل الخلود والبقاء وحتى التاثر في دلمون واضح
اختلطت في الملحمة عواطف متضادة كشفت عن شخصية الإنسان الرافديني منها الصمود والضعف والفرح والحزن وتجاوز المحن والتخطيط للمستقبل فالبطل جلجامش بكي علي أنكيدو بعد موته بكاء الثكالي وذرف الدموع عليه حتي فاضت علي وجنتيه ولكنه بقي ذلك البطل الذي لم ينفك يسأل عن معني الحياة والخلود وعن كوارث الطبيعية ما يفرح منها وما يحزن.
استفادة الفنانين المعاصرين من مواضيع الملحمة في الصياغات الفنية المختلفة والتي تعد مصدر الهام لهم في طرح قضايا فنية متميزه
التحليل الفلسفي للملحمة يبرز القيمة المعنوية للحياة الاجتماعية وقيمة القيم والمبادئ في الحياة في عدة مظاهر القوة في التخلي عن مصدر القوة بالعقل لاكتساب القوة الاكبر في الصداقة والقناعه بفعل الافضل للخلود الابدي
عالم الاحلام يتاكد من خلال الرؤية في عالمنا الحديث القصد في ان الاحلام الذي يراها قد تتحقق او انها تنذير للوجود الواقع ويظهر ذلك في حلم جلجامش لرؤية انكيدو وحلم انكيدو في رؤية اجتماع الالهة