DELMON POST LOGO

احمد العجمي يصدر كتاب "الدراز بالأسود والأبيض": انه تدوين بعض ملامح الدراز واطيافها التي بقيت عالقة في اذهان وقلوب من عاشوا حراكها

المرزوق: تحية لمن زرع النخل فحفظ الناس من الجوع ومن عاديات الزمن  تحية إلى من ركب البحر وخاطر ليحصل على لؤلؤة تلبسها اميرة في الهند

الموسوي: على هذه القرية مرت منعطفات كما كل الوطن، بعضها يبلغ وجعه مداه حتى النخاع وبعضها الآخر يزيح آثار الحزن المفرط ويبسط الفرح على رمالها

ارتبط اسم الدراز عبر التاريخ بالآثار التاريخية واهمها "معبد الدراز" وعين "ام السجور" التي طمرها أحد خلفاء الدولة الاموية نكاية بهم لتمردهم على الدولة الفتية آنذاك.

وارتبط اسم الدراز بعد ذلك بانها مولد الفقيه شيخ حسين بن محمد بن احمد العصفور الدرازي (1216 هجرية)، الذي اختلف مع بعض أهالي الدراز ونزح الى قرية الشاخورة وبنى حوزته هناك وتحتضن الآن قبره بعد مقتله من قبل الخوارج، وآثار علمه لاتزال باقية في النفوس حتى اليوم.

وفي العقود الأخيرة، ارتبط اسم الدراز بصلاة الجمعة الأسبوعية التي تقام في جامع الدراز الكبير بأمامة الشيخ عيسى قاسم ومن بعده تناوب بعض المشايخ على إمامة الصلاة، وآخرهم الشيخ محمد صنقور، وهي أكبر صلاة جمعة.

وتمتاز الدراز بساحل أبو صبح بمسجده العتيد الذي يحمل نفس الأسم، وقد سمي الساحل بأسمه. يوجد في الساحل مرفأ الصيادين وسفن الغوص، والذي كان مكان تنزه أيام الجمعة في فترة الستينات والسبعينات بسبب جمال الشاطئ ووفرة الخدمات السياحية.

كل هذه المعالم يفردها لنا الشاعر احمد العجمي في كتابه "الدراز بالأسود والأبيض" الذي يقع في 350 صفحة من القطع الكبير وبغلاف فني، وهو معززا بالصور التي أغلبها أرشيفية. وبالتفاصيل كيف عاش ويعيش اهالي الدراز، تطرق الى احياء القرية ومساكنها ومساجدها ومآتمها وطيورها واسماكها والمهن والأنشطة والثقافة الشعبية والمعتقدات وعادات الزواج والأزياء وحتى المطبخ الدرازي، مع ابرز الشخصيات من وجهاء وأعيان ورجال علم ودين ورياضيين وغيرهم من الأهالي البسطاء. كتاب من المفترض ان يكون في مكتبة كل درازي بل كل بحريني، لأن العجمي في تطرقه إلى قرية الدراز كأنها تمثل قرى البحرين ومدنها، حيث تتشابه عادات الناس وتصوارتهم ومعاملاتهم. إنها البحرين وأوال ودلمون.

لقد اعطى المؤلف صورة مشهدية عامة لما كانت عليه الدراز حتى نهاية السبعينات من القرن الماضي، شارحا الهندسة الاجتماعية والثقافة المبنية على العائلة الممتدة وعلى التكافل الاجتماعي والاقتصادي.

يقول الكاتب الصحفي الدرازي رضي محسن الموسوي على الغلاف الاخير من الكتاب: "كأنها سردية تحفر في ذاكرة الزمن الجميل، تستحضر بعضا من تفاصيل الحياة في قرية أبت إلا أن تكون جزءً متوثبا على هذا التراب في هذا الوطن، لتسهم بقسطها في رفعة شأنه. انبتت حصادا ثرياً توزع على صنوف العلم والمعرفة بعد أن قرر شبابها ركوب البحر إلى مواطن تحصيل العلم والدراسات العليا قبل افتتاح الجامعات هنا.

هادئة تلك الدراز. كانت تحتضن بحرها الذي هرب ولن يعود، تستذكر صوت خرير مياه "الفوارة" العذبة وهي تتدفق صوب البحر لتختلط المياه الحلوة بالمالحة، تنساب التركيبة الجديدة بجانب (كوكب) كان الصبية يتنافسون على ملئ قنينة مياه عذبة من قعر أرض البحر!!

كان ساحل أبو صبح لا ينام حتى شروق شمس يوم الجمعة. حافلة تلك الليلة بكل شيء بهيج. كانت الجموع موزعة على رمال الساحل الممتد حتى البديع غربا وباربار شرقا، ويحاط ببساتين تزرع الفرح وكل جميل.

على هذه القرية مرت منعطفات كما كل الوطن، بعضها يبلغ وجعه مداه حتى النخاع، وبعضها الآخر يزيح آثار الحزن المفرط ويبسط الفرح على رمال ساحلها كسجادة ناصعة الجمال تراقب النخيل الباسقات من زاوية مسجد كانت له قصته الاسطورية على الشاطئ.

أحسن المؤلف في استخراج خبايا كثيرة من ذاك الزمن والأمكنة، في عمل طوبوغرافي حفر في الذاكرة الجمعية لقرية مزج حياة أهلها البحر والزراعة والتجارة والمهن التي عرف بها أهل البحرين، وبعضها مهن ضاربة جذورها لحقبة الحضارة الدلمونية. جهدٌ فرض شروطا إضافية لمن سيكتب فصولا جديدة عن الدراز، حيث لايزال الكثير من الخبايا ينتظر من يُحضّر ليكتب عن هذه القرية الوادعة وأهلها الذين نحب."

ويقول الأستاذ احمد علي المرزوق في تقديمه للكتاب: "تقدير كل مجتمع وأهميته منوط بمدى اسهامه في تقديم وطنه وربما إضافة لحركة التنمية ونهضة البلاد، وبما اثر به الفكر الإنساني والحضارة البشرية". هكذا رأى الكاتب قريته الدراز.

وأضاف "الدراز، هذه القرية الوادعة الكبيرة باهلها والمتحفزة دائما للريادة والعمل والعطاء، والتي امتد تاثيرها الى ما حولها من القرى، بل وامتد في بعض الأحيان ليشمل الوطن كله. فالعلامة الشيخ حسين ال عصفور الدرازي ترك منهجا فقهيا وتراثا علميا غزيرا ما يزال حتى اليوم منارة يستضئ بنورها أهل البحرين وأهل البلدان المجاورة".

واختتم بالقول "تحية إلى أجدادنا في الدراز الذين صنعوا شيئا للوطن واسهموا في بنائه، تحية إلى الأجساد التي لوحتها حرارة الشمس ومياه البحر المالحة، ولسعت اقدامها رمضاء الهجير، تحية لأولئك الذين تحملوا شظف العيش ولوعة الغربة وفراق الأحبة، تحية لتلك الكوكبة التي حملت مشعل النور إلى القرى المجاورة لتؤدي واجبها نحو أبناء الوطن تربية وتعليما، تحية لمن زرع النخل فحفظ الناس من الجوع ومن عاديات الزمن، تحية الى من ركب البحر وخاطر ليحصل على اللؤلؤ تلبسها اميرة في الهند أو جميلة في أوروبا ليعيش هو في ستر وعزة، تحيل الى كل هؤلاء ".

يقع الكتاب من إصدارات دار فراديس للنشر والتوزيع ويباع بالمكتبات.

المؤلف احمد العجمي