DELMON POST LOGO

كتاب " الدراز بالاسود والابيض " لاحمد العجمي تخطى التاريخ السياسي للقرية

ضرورة ربط المجتمع الدرازي بالحراك السياسي و الاجتماعي و القومي  في البحرين منذ العشرينات حتي السبعينيات

بقلم : عبدالنبي حسن يوسف

في إطلالة كتابية واقعية سردية و طموحة لما تسمو إليه و في كلمة وفاء مستحقة لأهالي الدراز الذين سطروا بكفاحهم موقعاً تحت الشمس.

يأتي الكتاب ملقياً الضوء عليهم تاريخياً و حتى حقبة السبعينات، يبحر الكاتب ليس عميقاً. لكن يستوحي كتابته من عمق وعبق التاريخ ، يسهم مفرداً و يعكس الصورة و الحركة لكن لا يسرح خيالياً في صفحاته كحال  كتاب الاجتماع، بأسلوب محكم لغوياً و يتضمن بعض المفردات التي تتطلب قارئاً خاصاً في مقدمة الكتاب لكنه يتراجع إلى الأسلوب السهل الممتنع في بقية فصوله، وكنت أخشى أن يطغى أسلوبه الشاعري لكونه شاعراً ومحدثً و يسمو بعيداً في الخيال و جمالية الشعر والرؤى الشعرية    في اصداراته الشعرية علي تناوله السردي، لكن الكتاب تمتع بأسلوب سهل وللكتاب طابعه الخاص، حاول الشمولية و الاختصار تاريخياً واجتماعياً واقتصادياً ليكون أحد المصادر و التوثيق و المعرفة لأجيال تتالت لمجتمع الدراز كجزء من نسيج مجتمع البحرين التاريخي الممتد.  

حيث كانت مركز إشعاع ديني و مرجعي و مركز إنتاج  متوافق مع المناشط اللاقتصادية مع  تغيرها عقب إنتاج النفط ، وتأثيراته الاجتماعية بل يتعدى ذلك ليشمل شبه الجزيرة العربية، إنه كتاب يمكن أن يضيف قيمةً كماً ونوعاً ويكون جزءاً من سيل كتابات في نفس المجرى بناء على تغير المناشط ،إنه تحدٍ شخصي لمجتمع يزخر بالكفاءات والمراجع والطبيعة و العيون والتفاعل مع الحضارات التاريخية كدلمون؟ هذا التحدي الفردي هل نجح في بلوغ أهدافه؟ بتصوري نعم ولكن جزئياً لكون هذة الدراسات  تحتاج الي علماء و معاهد  متخصصة و لجان  و محركات بحث  بل و ميزانية مالية لابراز الكتاب و تسويقه بل تدعيمه بأفلام تسجيلية في ظل التطور التكنولوجي لالقاء الضوء على التحولات حقبةٌ بعد حقبة بناء علي  تغير المناشط الاقتصادية. كل فصل  يحتاج لدراسة متخصصة لكنه بدأ و وضع قدماً علي الطريق الصحيح داعياً للبحث أكثر من قبل من لهم اهتمام للتوثيق و التاريخ.

في الكتاب 350 صفحة و بطباعة جيدة من قبل فراديس للنشر والتوزيع و في إطلالته هدية مهداة لأطفال الدراز حيث أنهم الأمل واستشراق المستقبل و لكي يحيطوا علماً بآبائهم و يستخلصوا الدروس و القيم والعبر، و هذا حق ادبي لاهدائه لكن الاهداء الحقيقي لهؤلاء الرجال و النساء آباءاً و أمهاتٍ و أجداداً.

الكتاب بالرغم من السرد المختصر و المكتنز بالصور للتربة والبحر  والكائنات و رجال الدراز والطبيعة و الكائنات الحية  في البحر و البر  أكثر من الوصف و التحليل في بعض الفصول يعد جزءاً مضافاً إلى سلسلة من الإصدارات في  نفس الصدد تنوعت وتفاوتت في المستوى و  المضمون و الشكل  والتناول وعلي سبيل المثال (الزمن المنسي)الديه نموذجاً والذي صيغ باسلوب أدبي للأديب يوسف حسن و جرداب فيها عين جارية الذي  صيغ بعرض علمي للكاتب حسين مدن و كذلك يبرز

د. محمد السلمان ليؤطر باسلوب حكواتي مقاطع عن تاريخ المنامة و فيديوات مال الله عن أحياء المحرق و مدارسها و كذلك إصدارات عبدالله مدن المتعددة عن التراث والإنسان ، و جديرٌ بالذكر هنا كتابات جعفر حسن( الناقد) عن أحياء المنامة وشريط الذكريات. كل ذلك كان بشغف و دافع  ذاتي في حين ترصد الدول الميزانيات و الكفاءات العلمية  لتوثيق الإرث الإنساني كشاهد علي حضارة البلد والإنسان.

و هناك الكثير الذي  لا يمكن حصره في هذا المقال. لكن  نشد علي يدالكاتب حيث أنه بهذة الخطوة سيثير  حراكا و مداولات و إضافات.

فقد جال الكاتب  بعد مقدمته موقع موثق  بخريطة – طبوغرافية الدراز،عين ام السجور-الزهور، و النباتات-كائنات البر-الطيور- الاسماك- أحياء الدراز-مساكن الدراز تاريخياو و حتي حقبة السبعينيات-المراسم الحسينية و الدينية و تفاصيلها-ماتم و حسينيات و مساجد و خطباء والنساء  الملايات-مصادر المياه- شخصية الدراز- التعليم( الديني و النظامي)- المهن والحرف- الأنشطة الثقافية و الثقافة الشعبية- الأزياء الشعبية و يختم الكتاب  بفصل عن الرياضة حيث امتلأ بألبوم من الصور ذات الدلالة.

أثار الكتاب جملة من الملاحظات و التساؤلات المثيرة لدي قد يتفق معها الكاتب  او القارىء المتمعن او قد يختلف و له كل الحق، لكن  تلك لا تنتقص من القيمة الأدبية أو مضمون  ما تطرق إليه الكاتب وغيرها من الملاحظات ستكون قيمة معرفية  مضافة و مستحقه:

في موقع الدراز هناك جارة اشتركت معها في تاريخ مشترك طوال التاريخ هي  بار بار لم تذكر بعد ما تلاشت قرية  الشريبي  و للعلم أن هذه القرية الأخت للدراز تزخر بالكفاءات و آثارها تدل على القيمة  التاريخية والحضارية ( معابد باربار) فضلا عن الحضور الديني و الثقافي و السياسي المميز.

نأى الكتاب عن ربط المجتمع الدرازي بالحراك السياسي و الاجتماعي و القومي  في البحرين منذ العشرينات حتي السبعينيات و كان التناول بسيطاً و لم  يرتق للمطلوب في  هذا الجانب.

و لا  ندري مبررات ذلك، فقد  كانت القرية مندمجة في هذا الحراك مؤثرة  و متأثرة منذ مطلع العشرينات و الخمسينيات و سخونة أحداث السبعينيات بل كان للمد القومي رجاله وامتداده اليساري ازلامه و انصاره، فضلاً عن كونها معقل الحركة الإسلامية حتي يومنا هذا.

من منا لا يتذكر  عنفوان عيسي مسلم  المدرس و المربي المخلص و حرصه الوطني  والقومي و حرصه علي استقلال البلد  كجزء من الامة العربية في كل الأوساط بل تأطيره القومي.

من منا لا يتذكر جعفر علي احمد الدرازي و هو من أوائل من ابتعثتهم هيئة الاتحاد الوطني للدراسة في القاهرة و كان مديراً عاما لصندوق التعويضات التعاوني( كفاءة إدارية عالية الجودة و اللانتاج  حيث افتتح  بعد التقاعد مكتب استشاري متخصص في التأمين ) وقوميته وطنيته و ترشحه للمجلس الوطني.

كل هذه الرجال و غيرهم امتد تاثيرهم  على عموم الوطن و ساهموا بجدارة في رقي الوعي العام  السياسي و الاجتماعي.¬

الانشطة الثقافية( هل من النشاط الثقافي دخول الراديو و السيارة و المركبات) نعم من الجميل ورودها  للتوثيق ذكر ذلك  النشاط الثقافي هو مجمل نشاطات مؤسسات  القرية و افرادها من مسرح  و شعر و أدب و ندوات سياسية و صحية  المنوط  القيام بها من قبل مؤسسات القرية وأفرد القرية المميزين  و تحديدا نادي الدراز( نادي  ثقافي  و رياضي)  تاسس سنة  1958 لكن الكاتب لخص  نشاطه في المجلة الحائطية و اسكتش مسرحي شارك به النادي في  مهرجان مسرح القرى  بنادي الديه في السبعينيات.

برأيي أن هناك الكثير يمكن أن يرصد و يوثق  للنشاط الثقافي  علي غرار أندية المنطقة التي تأسست في تلك الفترة كنادي السنابس ونادي جدحفص وما قامتا به من ندوات أدبية و سياسية.

استعرض الكتاب خطباء المنبر الحسيني و كون مجتمع البحرين مترابطا  فخطباء المنبر من غير الدراز من البحرين و الاحساء والعراق ( الذين ارتقوا المنبر في الدراز) و الذين أثرو ايجابا في الوعي العام  لم تذكر.

الكثافة السكانية حسب المراحل التاريخية او طبقاً إلى الاحصاءات الرسمية و التطورالدمغرافية حيث تعطي مؤشرات للتوسع بالنسبة للمساحة أو الزيادة السكانية لم يشر لها.

يزخر المجتمع الدرازي بالشعراء و أصحاب المواهب الشعرية  فصحي و شعر عامي و قد ادرج الكاتب ستة شعراء من ناظمي شعر الفصحى والمقفي ومن بينهم  الاستاذ د.عبدالواحد الدرازي.

تمنيت لو أختار قصيدة له أو نمودجا لشعرة وهو الذي يمتلك قريحة شعرية مميزة و للعلم هو الحائز على المرتبة الثانية في في مسابقة الشعر الذي تنظمها إدارة الإعلام و نشرت في مجلة البحرين اليوم في السبعينيات.

الجيل الذهبي من المعلمين جيل استثنائي و أيضاً من منا لا يتذكر  نعمان ملا صادق- عيسي مسلم- علي عبالله مكي- د عبدالواحد الشهابي-محمد جعفر موسي-هانى موسي حسين-محمد محسن عطية-جعفر كاظم ود علي الدرازى و غيرهم(صورهم منشورة من صفحة  141 الي145) و يشكر الكاتب  للجهد  المبذول فقد  أفرحني ذلك  و عرفانا من الكاتب  لهذة الكوكبة من المعلمين الذين كانوا شموعاً تحترق  لتنير  دربنا  و كنت اتمنى سيرة ذاتية لنماذج منهم لنتذكر الجميل من نتاج تعبهم و بشهادة الاستاذ أمير  قاسم رئيس الانشطة الطلابية و الثقافية سابقا  بوزارة التربية والتعليم  و الأستاذ محمد  البناي مدير مدرسة سابقاً  أنهم جيل  استثنائي أعطى من جل علمهم و وقتهم  لتأسيس أجيال متسلحة  بالعلم. كرمتهم الدولة التكريم المعتاد بعد خدمة خمسة وعشرين عاماً ( لا صور لتكريمهم في الكتاب)  لكن هم يستحقون أكثر من  ذلك من قبل الدولة و المجتمع و مؤسساته .

يذكر الكاتب من باب الطرفة أنه فى يوم 19 من رمضان( يناسب ذكرى ضربة ابن ملجم للامام علي( ع) و كان يجري ضرب و رمي بالحجارة مع أطفال بني  جمرة القرية المجاورة برأيي أن ذكرها ليس له محل من الإعراب وأنه لا ضرورة لذكرها و غير مناسب بالمرة.

الجانب الرياضي مليء بالصور و قد أوفى الكاتب حقه و تجاربهم لا تختلف ولا تبتعد عن القرى الأخري في الفرق  و تكوينها و تمويلها وفي الدمج كذلك الا في كثرة عدد الفرق( كل حي له فريق  و يضاف اليهم فرق الشباب و الناشئة) و هي  ظاهرة لها إيجابيات وعليها سلبيات إلا أن ليس هناك بيانات عن ضم الفريق القومي لأحد لاعبي كرة القدم أو لعبهم مع فرق كبار في الدوري البحريني.

إذ كانت التغطية السردية لحد فترة السبعينيات  وهنالك صفحات من العلاج الصحي و المولدات و العلاج الشعبي او الأدوية وووو  لكن أجيال  الدراز  تقاطرت على الالتحاق  بالجامعات المنتشرة في الوطن العربي بل يمكن التساؤل عن أول ملتحق بالجامعة؟و في  حقبة السبعينيات التحقوا بالخدمة بوزارة الصة  لدرجة الاستشاريين و اصبحوا نموذجا  يحتذي به أمثال د.طه الدرازي و د عبدالحسين العجمي و لم  تطل هذه الشخصيات الذكر لا بالصورة و لا بالقلم ( علما بان جمعية الدراز  أجرت مع د. طه الدرازي مقابلة لسيرته الذاتية المضيئة).

يتكيء الكاتب و يريح القاريء بفصل  فيه من الجمال والرومانسية و التوثيق والوهج العاطفي والاجتماعي  عندما يعرض  بأرييحية خطوة خطوة لطقوس و مراسيم الزواج التي كانت منال كل واحد من جيلنا و التى لا زالت مستمرة روحاً و تبدلت جزئياً في بعض طقوسها لذلك هذا الكم من الفولكلور و الأهازيج و الجلوات وهي مشتركة مع مجتمع البحرين و القرى بشكل خاص و مشتركة بشكل عام مع مجتمع الجزيرة كالقطيف و الاحساء، ومن جمال هذا الفلكلور ركب البعض الموجه لسرقته و تحويره، عندما  كنا طلابا امتاز طلاب بغداد و غالبيتهم من المنامة أيان السبعينيات بترديد بعض جلوات الزواج في المناسبات بترديد رائع و متسق فنياً.

( بان الصبح بانيه) (و أمينه في أمانيها) وكنت أنا شخصياً في اواخر السبعينات لافتاً  لها لكن كنا نفتقد لعرضها  كما هي أو مطورة عندما نقيم احتفالنا السنوي على مسرح الجامعة بجامعة الكويت في السبعينيات.

-  استقى الكاتب جانباً من بحثه من مصادر  تاريخية أمثال  بلجريف و التاجر و بعض  المصادر و ألبومات أفراد من عوائل معروفة و كنت أتمنى منه بحثاً ميدانياً عن طريق أشخاص رواة لكي  يكون معززاً توثيقياً و مع ذلك ندين له بالريادة في الكتابة عن الدراز الإانسان والتاريخ و الطبيعة.

زخم مجتمع الدراز، القابع في رحم المجتمع البحريني ايجاباً يحتاج لأكثر من ذلك، و حسناً فعل الأستاذ أحمد العجمي خطا و جاسر ووثّق شاعراً بأهمية و أمانة الكلمة والصورة طارقاً الأبواب للآخرين.