DELMON POST LOGO

42 % نسبة النساء من عدد طلبة التعليم العالي الملتحقين بتخصصات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات (STEM) العام الماضي

ماذا يعني أن تتصدر النساء البحرينيات قطاع التكنولوجيا عالميا؟
بقلم : ندى السعيد *
تحوز البحرين مكانة متصدرة عالمياً في تمكين الجنسين من الرجال والنساء في قطاع التكنولوجيا، وذلك قد يفاجئ الكثيرين، ولكن هناك العديد من البيانات التي تشير إلى صدارة المملكة في هذا المجال.
فعلى سبيل المثال، شكلت النساء ما نسبته 42% من عدد طلبة التعليم العالي الملتحقين بتخصصات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات (STEM) في العام الماضي، وهي نسبة تتفوق عن مثيلاتها في دول كثيرة وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية.
كما أن نسبة رائدات الأعمال البحرينيات تمثل 40% من مجمل مؤسسي الشركات الناشئة في مجال التكنلوجيا. وفوق هذا، فنحو ثلث القوة العاملة في قطاع التكنولوجيا هن نساء، وهي نسبة تتعدى المعدلات العالمية.
وبإمكاننا أن نرى هذه الحقائق على أرض الواقع من خلال تجربة مجموعة سيتي حين قررت افتتاح مقرها التكنولوجي الجديد في مملكة البحرين. وأحد العوامل الرئيسية وراء هذا القرار هو توافر عدد كبير من الخريجات النساء في البحرين. وهكذا، فقد شكلت الإناث نحو 24% من عدد المبرمجين الجدد الذين تم توظيفهم في هذا المشروع الرائد، وهي نسبة تفوق كل معدلات توظيف النساء في مقار التكنولوجيا التابعة لسيتي في أنحاء العالم.
فكيف يمكن تفسير هذا التقدم الذي أحرزته البحرين؟ وما الذي يمكن للدول الأخرى أن تتعلم منه؟
سنجد أن بعض الأسباب طبيعية وبعضها الآخر مرتبط بالثقافة المجتمعية، ففي مملكة البحرين، غالبًا تتفوق الإناث على الذكور في مراحل التعليم المدرسي، وهذا ما يؤكده تقرير البنك الدولي: "هيومان كابيتال إندكس 2020"، والذي أظهر أن البحرين بين الدول الخمس الأوائل في العالم التي أبدت فيها البنات تفوقًا على أندادهن من الأولاد في نتائج التعليم، خاصة مع استمرار انجذاب الأولاد نحو التعليم المهني والصناعي. وعلى النقيض من الدول الأخرى، فهذا يعني أنه لا وجود للصورة النمطية التي تصم البنات بأنهن "غير قادرات على التفوق في الرياضيات أو العلوم".
فالأداء القوي للبنات في المدارس الثانوية يشير بلا ريب إلى أنهن قادرات على مواصلة دراساتهن العليا في برامج الـ STEM، ولتحقيق المزيد من النجاحات في هذا المجال فإنه يجب تتضافر الجهود بين كل من الحكومة وقطاع التعليم لتعظيم الاستفادة من هذا الاستعداد لدى البنات بتشجيع المزيد منهن للالتحاق في تخصصات الـ STEM. وما يشجع على ذلك التقييم الذي توصل إليه "مؤشر الإنترنت الشامل" الصادر عن شركة "ميتا" (فيسبوك)، والذي أجرته "إكونوميست إمباكت"، والذي أشار إلى أن البحرين متربعة في المقدمة من حيث المهارات التكنولوجية التي تتمتع بها المرأة البحرينية ومعدل التعليم في الـ STEM.
فعلى الرغم من الأعداد الكبيرة للخريجات الجامعيين والمتعلمات في مجالات الـ STEM، فإن نسبة من سيشغلن الوظائف في مجالات التكنولوجيا مازالت ضئيلة. ومع استمرار هيمنة الذكور على مجال التكنولوجيا في كافة دول العالم، فالكثير من النساء حين تخرجهن يقبلن بوظائف تختلف عن تخصصاتهن، أو يعزفن عن الدخول إلى سوق العمل تماما.
وتظهر الاحصائيات ارتفاع كبير في عدد النساء المؤسسات للأعمال الناشئة في البحرين، ولا سيما في قطاع التكنولوجيا وهذا عائد لكونه قطاعا جديدا لا تتواجد فيه عوائق متوارثة تحد من مشاركة المرأة في سوق العمل كما في القطاعات التقليدية الأخرى. ومع ما تشهده القطاعات الأخرى من تحول رقمي، ابتداء من قطاع الخدمات المالية إلى القطاعات الصناعية وحتى التعليم، فنتوقع أن تشهد كافة القطاعات الاقتصادية الأخرى ارتفاعًا في مشاركة المرأة البحرينية في القوة العاملة.
فلم تعد مشاركة النساء في قطاع التكنولوجيا ضربًا من ضروب الرفاهية، بل أصبحت جزء من الثقافة المؤسسية للشركات العالمية. ويتأصل ذلك في الشركات المرتكزة على البيانات والمعتمدة على الذكاء الاصطناعي، علماً بأن القرارات التي يتم اتخاذها بناءً على الذكاء الاصطناعي تعتمد بشكل كبير على مبرمجيها. فبإمكان أولئك المبرمجين أن يبلوروا أي تحيزات مجتمعية في بيانات التدريب التي يتم تغذية أنظمة الذكاء الاصطناعي بها – ما يعني أن بناء فريق عمل متنوع يشتمل على أعضاء من الجنسين سيساهم في الحد من تحيز أنظمة الذكاء الاصطناعي وتعزيز من فاعليتها.
وبشكل أشمل فمن المهم لأية شركة أن تشكل فرق عمل متنوعة لتصبح أكثر قدرة على تلبية تطلعات عملائها، مما يسهم في زيادة إنتاجية الاقتصاد بشكل عام. فطبقا لبحث أجري في الولايات المتحدة، فكل زيادة بنسبة 10% من النساء في فريق العمل يقابله زيادة تبلغ 5% في معدل الدخل لمجمل الفريق.
على أن إنشاء فريق متكامل وشامل في بيئة العمل يتطلب الدعم المستمر من الحكومة، والقطاع الخاص، والمجتمع المدني. وحري بالبحرين أن تفخر باحتضانها مبادرة "المرأة في مجال التكنولوجيا المالية" وهي مبادرة تهدف إلى دعم وتمكين المرأة البحرينية بقطاع التكنولوجيا المالية، كما يوجد أيضا برنامج "المرأة والتكنولوجيا" التابع لبنك ستاندرد تشارترد والذي يهدف إلى تقديم الدعم والإرشاد والتمويل لرائدات الأعمال البحرينيات وشركاتهن الناشئة.
لا يعني هذا غياب التحديات أمام النساء، وخاصة في تسلق السلم الوظيفي، فنسبة النساء اللاتي تزيد رواتبهن على 1500 دينار لا تتعدى 21% من إجمالي العاملين البحرينيين ضمن هذه الفئة. وهذا واجب على الحكومة والقطاع الخاص أن تضع السياسات والأنظمة التي تضمن حصول كل من النساء والرجال على معاملة منصفة ورواتب متساوية، وإدخال السياسات التي تشجع على الموازنة بين الحياة الخاصة والعمل. كما لابد من تسليط الضوء على القدوات النسائية اللاتي يتركن بصمة كبيرة على الشابات لتشجيع الأجيال الجديدة للسعي في السير على نهجهن.
وفي هذا الشأن توجد إشارات مشجعة كان أبرزها التغيير الوزاري الأخير ، والذي بموجبه انضمت 4 نساء للتشكيلة الوزارية الجديدة ، بالمقارنة مع امرأة واحدة في التشكيل الوزاري السابق. ومن بين تلك المؤشرات أيضا إقدام بنك البحرين والكويت على تعيين سبع نساء في مجلس الإدارة لشركات تابعة للبنك هي جي.بي.إس، وإنفايتا، وكريدي ماكس.
وحتى إن بدا الطريق طويلا أمامنا في البحرين، فما حققته المملكة فيه الكثير مما يمكن للدول أن تتعلم منه. من ذلك، مواجهة التحديات، وتشجيع البنات لدخول تخصصات STEM، والانضمام لسوق العمل، وحتى الاهتمام بالترقي المعرفي. أما التحديات والأفكار النمطية والعرفية التي تقف في أوجه النساء المتفوقات أكاديميا فيجب أن يتم التغلب عليها، من أجل أن تتعمق الثقة بالنفس لدى هؤلاء النسوة. وفي الوقت الذي تستمر البحرين في تحويل اقتصادها من الاعتماد على النفط إلى اقتصاد قائم على المعرفة، فإنه لا مناص عن الاستغلال الأمثل لكل القوى العاملة فيها. فالبلاد كلها ستستفيد من تمكين النساء ودخولهن لعالم التكنولوجيا.
----------------------------------------------
** مدير تنفيذي - إدارة الاستراتيجيات ودراسات الأسواق بمجلس التنمية الاقتصادية ( موقع المنتدى الاقتصادي العالمي )