DELMON POST LOGO

عائد الى حيفا فيلم يروي النكبه الفلسطينيه

روايه عائد الى حيفا تعرض بتشويق ودقه ودراميه فصول النكبه الفلسطينه من خلال نكبه حيفا بكل تجلياتها

بقلم : عبد النبي العكري

عرض في جمعيه مقاومه التطبيع مع العدو الصهيوني فيلم عائد الى حيفا من انتاج مؤسسه الأرض الفلسطينيه  استنادا الى روايه الشهيد الكاتب غسان كنفاني والتي تعتبر من ابرز الروايات الفلسطينيه والعربيه وأكثرها انتشارا.

الروايه تعرض لنكبه فلسطين من خلال نكبه حيفا , وما رافقها من مجازر رهيبه واباده  من قبل المنظمات الصهيونيه  الارهابيه مثل الارجون والهاجانا بمشاركه قوات الاحتلال البريطانيه, والتي أجبرت غالبيه الفلسطينيين على ترك وطنهم واللجؤ الى البلدان العربيه  المجاوره وهي التجربه التي عاشها غسان كنفان .

فقد ولد في مدينه عكا في 1936 وهجر مع عائلته خلال نكبه 1948 حيث لجات العائله الى  سوريا  وتنقل غسان في عدد من البلدان العربيه واستقر اخيرا في بيروت  التي استشهد فيها الى جانب ابنه اخته لميس  في 8 يوليو 1972 اثر تفجير الموساد لسيارته حيث سكنه في الحازميه ببيروت. وروايه عائد الى حيفا هي واحده من تجليات غسان كنفاني ككاتب وصحفي  ورسام مبدع ومرموق وغزير الانتاج ولكن متميز .وقد عاش غسان وسط المخيمات والتجمعات الفلسطينيه حيثما كان وانظم الى حركه القومين العرب ثم التحق بالجبهه الشعبيه لتحرير فلسطين وعضو مكتبها السياسي ورئيس تحرير مجلتها الهدف حتى استشهاده.

روايه عائد الى حيفا تعرض بتشويق ودقه ودراميه فصول النكبه الفلسطينه من خلال نكبه حيفا بكل تجلياتها بما في ذلك المخطط الصهيوني بالتحالف مع الغرب وخصوصا بريطانيا حيث  وضعت فلسطين تحت الانتداب البريطاني منذ 1920 حتى النكبه في 1948  والتي عملت على استخدام كل الإمكانيات لتنفيذ وعد المشؤؤم في 1917باقامه وطن  قومي لليهود في فلسطين على حساب شعبها الفلسطيني .وتعرض الروايه  في هذا السياق قضيه خطيره وهي قضيه الهويه الفلسطينيه والانتماء لفلسطين .وفي هذا السياق تعرض لحكايه اللاجئ الفلسطيني سعيد وزوجته صفيه واللذان كانا ضمن ضحايا الاجتياح الصهيوني  الرهيب لحيفا في ابريل 1948 بتعاون مع قوات الاحتلال البريطاني  بان يجبرا على ركوب قارب كالالاف مثلهم ويدفعون الى المنافي, دون ان يستطيعا  الوصول لبيتهم وبالتالي ترك ابنهم خلدون ذي الخمسه اشهر لوحده حيث انقذته جارتهم في ذات العماره.وبعد عده أيام اسكنت الوكاله اليهوديه عائله بولنديه وهما الزوجين افرات كوشيني  وزوجته ميريام  العاقر في بيت سعيد وتسليم الوكاله اليهوديه الطفل خلدون الى العائله اليهوديه المغتصبه .تظل ماساه ترك الزوجين سعيد وصفيه ابنهما خلدون تؤرقهما وفي حاله من تانيب الضمير والشوق لرؤيه خلدون وهي مهمه مستحيله  .لكن الفرصه تلوح اثر هزيمه 1967واحتلال إسرائيل لما تبقى من فلسطين (الضفه والقطاع) واراض مصريه وسوريه .وهنا سمحت إسرائيل للفلسطينين  في الأراضي المحتله حديثا بزياره الأراضي المحتله في 1948  لتبرز تفوقها وعجز الفلسطينين والعرب عموما . وهنا ينتهز سعيد وصفيه الفرصه للذهاب بسيارتهما من رام الله الى حيفا حيث يستدلان على بيتهما بسهوله وتفتح لهما محتله البيت ميريام الباب  ونفهم من الحوار انها عرفت بسهوله انهما صاحبا البيت .وهنا فان غياب زوجها افرات هوبسبب مقتله خلال حرب  1967في سيناء .واما الابن وقد اصبح اسمه دوف فيصل متاخرا حيث يخدم في احتياطي الجيش الإسرائيلي .يدور حوار متوتر لكنه  عميق مابين الأربعة ,سعيد وصفيه من ناحيه وميريام ومن تعتبره ابنها دوف حول هويه وانتماء دوف والذي يعتبر نفسه إسرائيليا تربيه وتعليميا وديانه وانتماءا وينكر كون سعيد وصفيه ابويه كما اخبرته مريام بذلك قبل ثلاث سنوات لانه يعتبرهما قد تخليا عنه وان من رباه ورعاه طوال عشرين عاما هما افرات وميريام واللذان يعتبرهما ابويه.

بعد هذه المواجهه يرجع الزوجين سعيد وصفيه الى اللجؤ الفلسطيني  في رام الله مقتنعين ان الانتماء الى فلسطين ليس الماضي والذكريات وانما المستقبل والتضحيات من اجل تحرير فلسطين وهومايجسده ابنهما خالد الذي التحق بالفدائيين والذين سيصححون خطايا وعجز أجيال فلسطينيه وعربيه  . ولاشك ان تصهين فلسطيني ممثلا في دوف هي قضيه مقلقه وخطيره لكنها موجوده في فلسطين المحتله .

ضمن هذه الحكايه الاساسيه هناك حكايه الفلسطيني فارس اللبده اللاجىء في الكويت والذي هو كما سعيد استغل فرصه السماح لسكنه الضفه المحتله  بزياره أراضي فلسطين 1948 ليقوم بزياره بيتهم القديم في يافا  حيث الصوره الوحيده لاخيه الشهيد بدر الذي استشهد خلال حرب النكبه في 1948 .وبالفعل ةعندما فتح باب المنزل فوجئ ان ساكنه فلسطيني يسكن بالايجار من وكاله اداره أملاك الغائبين .لم يمانع مستاجر المنزل ان يسلمه صوره أخيه التي بقيت في مكانها معلقه على الحائط منذ 1948 وحملها معه عائدا الى رام الله  . وفي منتصف الطريق يامر فارس سائق التاكسي ان يرجع الى البيت في يافا . وعندما وصل للبيت سلم الصوره الى مستاجر البيت قائلا " انتم احق بالصوره منا فقد عايشتموها لسنوات واضحت جزءا منكم" . وهو مااكده أيضا المستاجر في ان "العيش المشترك أولى من الذكريات".

فيلم عائد الى حيفا وتجسيد رؤيه كنفاني

  فيلم عائد الى حيفا هو فيلم من انتاج مؤسسه الأرض  ( مؤسسه فلسطينه متواضعه في لبنان )ومن اخراج قاسم حول ( مخرج أفلام وثائقيه عراقي منتم للجبهه الشعبيه لتحرير فلسطين ) وقد جرت العمليات الفنيه للفيلم في المؤسسه العامه للسينما بسوريا ومؤسسه الصخره ببيروت . وقام بالتمثيل مجموعه من الممثلين الفلسطينين   والسوريين واللبنانيين والمانيه شرقيه .مثل بول مطر دور سعيد ومثلت حنان الحاج علي دور صفيه و ومثل جمال سليمان  في دور دوف ومثلت كريستينا شورني دور ميريام ,وتوزعت باقي الأدوار على باقي الممثلين. كما قام بالعمليات الاخراجيه والفنيه خليط من العرب ابرزهم الموسيقي اللبناني  زياد الرحباني والمصور السوري لطفي جورج عبد الله والمونيتير العراقي قيس الزبيدي .

تمت عمليات تصوير الفيلم في الأراضي اللبنانيه وشملت ميناء طرابلس والذي صور به مشاهد اجلاء الفلسطينيين بالقوه من ميناء حيفا ومدينتي اهدن وزغرتا  لتصوير مشاهد مدينتي حيفا ويافا  والشمال اللبناني لتصوير مشاهد من  فلسطين .كما شارك في الفيلم اعداد كبيره من اللاجيئن الفلسطينيين  من مخيمي البداوي ونهرالبارد لتصوير المشاهد الجماعيه لاهالي حيفا .

فيلم عائد الى حيفا هومن صنف الأفلام الروائيه المستند الى "روايه عائد الى حيفا" للشهيد غسان كنفاني  ولذى فهو يعتمد على التمثيل للشخصيات والاحداث وقد نجح المخرج قاسم حول  في اداره الممثلين وكذلك جموع كبيره في مشاهد عده منها الهياج الكبير في مدينه حيفا اثر الهجوم الوحشي عليها من قبل القوات الصهيونيه ومشاهد الاجلاء القسري من قبل القوات البريطانيه المحتله لفلسطنيين بقوه السلاح عبر ميناء حيفا .والى جانب المشاهدالتمثيليه فان المخرج استند الى افلام  وثائقيه لتعرض أوضاعا مطلوب ايضاحها مثل مشاهد استعراض هتلر للقولت النازيه تذكير بالمذابح ضد اليهود وغيرهم والتي استخدمت كمسوغ  لتوطين اليهود في فلسطين بدعم من قبل قوى الحلفاء التي هزمت النازيه  وكذلك مشاهد من الاحتلال البريطاني لفلسطين  ومقاومه الفلسطينيين باسلحتهم البدائيه وبشجاعتهم لقوات الاحتلال البريطاني والقوات الصهيونيه الارهابيه عاليه التسليح والقوه وكذلك مشاهد تدفق سفن الغزاه الصهاينه على موانئ فلسطين بحمايه وتنظيم قوات الاحتلال البريطاني.هذا وقد عمد المخرج ان يكون الفيلم بالاسود والابيض للمشاهد التاريخيه فيما اضحت  بالألوان  للمشاهد المتعلقه بمجريات الاحداث  لمرحله مابعد هزيمه.1967

ينطلق  الفيلم من بيت عائله سعيد في منفى الداخل (رام الله) حيث يدور نقاش بين سعيد وابنه الذي يريد الالتحاق بالفدائيين فيما يرفض أبوه ذلك  وهومشهد رمزي لاندفاع  الشباب الفلسطيني حينها  للالتحاق بالعمل الفدائي .ثم حديث مضمر بين سعيد وزوجته صفيه حول فرصه عودتهم الى حيفا لتفقد بيتهم ورؤيه ابنهم خلدون الذي تركوه رضيعا في بيتهم في حيفا قبل عشرين عاما, حيث اكرهوا على مغادرتها بدونه.

يقود سعيد سيارته الى حيفا وفي شوارعها وحاراتها التي لم تتغير كثيرا حتى يصل الى بيتهم دون عناء .يطرق سعيد الباب فتفتح له ساكنه البيت اليهوديه البولنديه ميريام  الباب ويدخل الزوجان بتردد ليكتشفا ان لاشيء أساسي قد تغير من اثاث وديكور البيت . لكن الزوجين لم يجدا  زوج ميريام  افرات حيث تبين لاحقا انه  قتل في حرب 1956 وابنهما خلدون حيث أوضحت لهما ميريام انه عاده مايتاخر في الرجوع الى البيت  .وفعلا يصل دوف ( وهو الاسم اليهودي الذي اكتسبه خلدون ) متاخرا ويدخل البيت وهو في لباسه العسكري كضابط احتياط في الجيش الإسرائيلي  حيث يشكل ذلك صدمه للزوجين الفلسطينيين  بحيث ان سعيد رفض ان يصافحه.

يدورالحوار  باللغتين, العربيه (بين الزوجين الفلسطينيين ) والانجليزيه بين (سعيد وميريام ودوف ) حوار درامي يكشف عن أعماق الكارثه الفلسطينيه  مجسده في هاتين الاسرتين .ويتمحور الحوار حول احقيه ملك البيت (كرمز لفلسطين ) هل هو لعائله سعيد أصحاب البيت الأصليين(الفلسطينيين) اوبيت (الكيان الصهيوني) لعائله افرات و ميريام(المستوطنين الصهاينه)؟ اما القضيه الأخرى وهي محور الروايه والفيلم فهوانتماء الطفل والذي اصبح شابا , خلدون الطفل الفلسطيني الذي اضطر ابواه سعيد وصفيه لتركه وعمره خمسه اشهر في بيتهم بحيفا التي طردوا منها بالاكراه, وظل يبكي لثلاثه أيام حتى سمعت بكاؤه جارتهم اليهوديه المطلقه تورا زوشتايل والتي تعهدته بالرعايه وتخبر بذلك الوكاله اليهوديه والتي تشترط على الزوجين اليهوديين افرات كوشن وزوجته العاقر ميريام كوشن بتبني الطفل كشرط لمنحهم بيت عائله سعيد ذاته  وتطلق عليه اسم دوف والذي يكتسب من خلال تربيه العائله  وتنشئه الدوله الصهيونيه وتكييف المجتمع الصهيوني لما يعرف دوف به نفسه  "على امتداد عشرين عاما ربتني عائلتي اليهوديه كيهودي وانا ادرس في مدرسه يهوديه واتكلم العبريه واصلي في  الكنيس اليهودي واخدم كاحتياط في الجيش الإسرائيلي ومستعد للقتال من اجل وطني إسرائيل ) وهو ماعلق عليه سعيد " لقد جئنا بحثا عن خلدون ولم  نجده ." وخاطب سعيد دوف " انت تقاتل من اجل إسرائيل  وعلى الجانب الاخر ابننا خالد الذي يقاتل على الجانب الفلسطيني "

وفي طريق العوده يعترف سعيد "ان قضيه فلسطين ليست الذكريات والماضي بل الحاضر والمستقبل و الفدائيين هم الرد على هزائمنا و خيباتنا وعجزنا وخياناتنا" في اشاره  لالتحاق ابنه خالد بالفدائيين ,حيث تعرض مشاهد لتدريبه مع الفدائيين والمفارقه ان مدربه فارس  اخ الشهيد بدر الذي ذهب مثل سعيد الى يافا .

الملاحظ هنا ان حوار البيت  اقتصر على سعيد باستثناء بضعه جمل لصفيه وهو بنظري خطا لان القضيه وهي في جوهرها الصراع على فلسطين والانتماء اليها  وصراع الهويات كما عبر عنها في انتماء خلدون او دوف تهم المرأه (صفيه  ) كما تهم الرجل  (سعيد)خصوصا ان الاثنين عاشا تجربه النكبه  وما بعدها وفقدهما لابنهما خلدون معا وتحملا المعاناه  معا . وتظل أي مراجعه لفيلم عائد الى حيفا حافزا لمشاهدته.