قال أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الحكومية، بباريس، الدكتور نضال شقير، إن الرئيس إيمانويل ماكرون هو الأقرب للفوز في الجولة الثانية للانتخابات الرئاسية المقرر عقدها 24 من أبريل الجاري، في مواجهة مرشحة حزب التجمع الوطني ماريان لوبان، مضيفاً في حوار أنه إذا فازت لوبان، فستواجه فرنسا مشكلات عديدة، داخلياً وخارجياً... وإلى نص الحوار:
كيف ترى فرص فوز كل من ماكرون ولوبان في الجولة الثانية من الانتخابات؟
الحظوظ أوفر لماكرون، لكن نتائج الجولة الأولى كانت مخيفة، لأننا نرى أن من ضمن الـ4 الأوائل المتقدمين في التصويت، 3 منهم متطرفون، هم ماريان لوبان تطرف يمين، وجان لوك ميلنشون، تطرف يسار، وإيريك زمور، تطرف يمين، وبذلك لدينا تقريباً حوالي 60% من الأصوات هي أصوات متطرفة في فرنسا، وبالتالي هذا الأمر يجعل عملية الجولة الثانية غير مضمونة... هناك أرجحية للرئيس ماكرون، خاصة في ظل الدعم الذي تلقاه من بعض المرشحين الآخرين الذين أعلنوا مباشرة الدعم والتصويت له، أو قيام مرشحين آخرين بإعلان عدم مساندة لوبان، وفي ظل هذه النتائج فإن الهامش يضيق للغاية بينهم، ومن أجل ذلك هناك إمكانية وجود مفاجأة، قائمة لكنها ضعيفة، فحظ لوبان ضعيف، سيكون هناك تقارب في الأصوات، مع أرجحية للرئيس ماكرون.
ما نسب فوز كل من ماكرون و لوبان؟
أعتقد أن نسبة فوز الرئيس ماكرون ستكون بين 52% إلى 54%، وفرص لوبان بين 45% إلى 48%، وفي ظل هذه الأرقام من الممكن أن تحدث مفاجأة، وخاصة أننا نتحدث قبل أيام من الجولة الثانية، ومن الممكن أن يحدث خلالها الكثير... فالمفاجأة موجودة، لكن السيناريو المرجح هو فوز الرئيس ماكرون.
لماذا ستكون هناك أرجحية للرئيس ماكرون؟
لأن فرنسا حالياً غير جاهزة لخطاب متطرف، فخطاب لوبان متطرف، صحيح أن المرشح إيريك زمور حسّن الصورة كثيراً لصالح لوبان، لكنها تظل تمثل اليمين المتطرف في فرنسا، وهذا سيكون له تداعيات كبيرة، فهناك اصطفاف جمهوري دائماً ضد مرشح اليمين المتطرف، ولذلك تأتي الأرجحية للرئيس ماكرون، رغم أن عملية التصويت للفرنسيين هذه المرة لم تنبع من رغبتهم في اختيار مرشح معين، وإنما تتمثل في إعطاء أصواتهم لمرشح آخر كونهم لا يرغبون في الأول، فعملية التصويت كانت ضد الشخص الذين ليس لديهم رغبة فيه، فعملية التصويت لا تتم وفق المرشح الذي يريده الناخب، وإنما ضد المرشح الذي لا يريده.
لماذا لا يوجد مرشح يريده الناخب الفرنسي حالياً؟
لو نظرنا بعيداً، سنجد أن هناك مشكلة قيادات سياسية بأوروبا بشكل عام، ليست فقط في فرنسا، فآخر رجال الدولة كان على سبيل المثال جاك شيراك، فهذه الأمور ذهبت من كلا الحزبين سواء الاشتراكي أم اليميني، ففي الانتخابات الماضية لم ينتخب الرئيس ماكرون، لأنه كان صاحب أفضل برنامج أو أفضل رئيس، وإنما انتُخب لأنه كان هناك خلاف باليمين، حيث إنه رغم وجود فرص قوية لمرشح اليمين التقليدي حينها، لكن كان هناك اختلاف وانكسار كبير في اليمين، أدى هذا الاختلاف إلى تشرذم وتشتت لأصوات اليمين، لذا لم يتأهل مرشحهم للجولة الثانية، والرئيس ماكرون نفسه هو تكرار لسيناريو الانتخابات الماضية، لأن هناك تخوفاً من أن يرأس اليمين المتطرف فرنسا، ولذا نجد اصطفافاً جمهورياً، وذهبت الأصوات لصالح ماكرون، الأمور نفسها تتكرر مع الرئيس ماكرون خلال الانتخابات الجارية، فمرشحة اليمين التقليدي حصلت على أقل من 5% من الأصوات وهذه مشكلة جوهرية كبيرة، واليسار أيضاً تراجع حيث حصلت مرشحته على أقل من 2%، وكان اليمين واليسار هما القوتان الرئيسيتان اللتان تقدمان للساحة الفرنسية الشخصيات السياسية القادرة على الاستقطاب، ولم يعد الأمر كذلك، لذلك صارت الانتخابات بهذا الشكل، حيث يذهب صوت الناخب الفرنسي للشخص الذي لا يريده حتى لا يفوز آخر.
البعض يرى أن ماكرون لم ينجح خلال رئاسته لفرنسا... كيف ترى ذلك؟، ولماذا اتهموه بالفشل؟
اتهام ماكرون بالفشل هو ظلم له، وماكرون رئيس عادي للغاية، جاء في ظروف غير عادية، فلا يمكن الحكم عليه بالفشل، فهو لم يحكم ولم يكن لديه الوقت لإثبات ذاته، أو حتى إثبات أنه سيفشل أو سينجح، لأن عهده بدأ بأزمة السترات الصفراء عام 2018، ثم جاءت جائحة كوفيد-19، ثم الحرب الأوكرانية، فلم يكن لديه الوقت ليعمل، حتى يتم الحكم عليه، فبماذا فشل؟ فهو لم يحقق الكثير لأن الظروف لم تساعده، ومن الظلم أن نقول أنه فشل، وعلى مدار حوالي عامين ونصف كانت ظروف العالم مجمدة، بسبب جائحة كورونا، وقد اتخذ إجراءات من شأنها تقليل نسبة البطالة، فلا يمكننا أن نحكي كذلك عن فشل برنامج للرئيس ماكرون، لكنه في هذه الانتخابات، من الممكن أن يبرهن ويستطيع تنفيذ إصلاحات أو رؤى اقتصادية وسياسية يريدها، لكن في ظل السنوات الماضية لم تساعده الظروف، فالعالم أجمع كان يعاني، والكثيرون يتحدثون حالياً عن أنه أفضل من المرشحة لوبان، كونه يمتلك برنامجاً اقتصادياً واضحاً، فالأمور لديه واضحة أكثر من لوبان.
معنى ذلك أن المرحلة المقبلة ستتيح الفرصة لماكرون لإثبات نفسه بشكل أكبر؟
من المؤكد ذلك، فنحن لا نتحدث عن ماكرون كشخص، ماكرون خلق تياراً، فإذا فاز في الانتخابات، ستكون لديه الفرصة للحديث عن خططه المستقبلية، وعن ما إذا كان نهجه سيستمر في الانتخابات النيابية المقبلة أم لا، وأظن أن الانتخابات البرلمانية المقبلة فرصة له حتى ينفذ ما يريده داخلياً.
لو فاز ماكرون برئاسة فرنسا، ما الذي تتوقع أن يفعله بداية؟
سيعمل كثيراً على القدرة الشرائية، وعلى إصلاح نظام التقاعد، ونظام الصحة، لأنه كانت هناك مشكلة خلال جائحة كورونا، خاصة أن فرنسا مثل أوروبا تسير على مرحلة صعبة اقتصادياً، نتيجة الحرب الروسية- الأوكرانية، وارتفاع أسعار الغاز والمحروقات والمواد الغذائية، وسيعمل على زيادة القدرة الشرائية، حتى لا يشعر المواطن الفرنسي بالفرق، وسيهتم بالقدرة الشرائية في الداخل الفرنسي، أما خارجياً فمن المؤكد أن لديه برنامجاً في هذا الصدد، وخاصة أن ماكرون حالياً هو القائد الأوحد أو الأبرز لأوروبا، خاصة بعد أن خرجت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل من الحكم، وكذلك خرجت بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، فهو له دور كبير في أوروبا، وهناك إصلاحيات أمامه في أوروبا، وأيضاً عملية الاكتفاء الأوروبي، والأمر نفسه على فرنسا، الاكتفاء في مجال الطاقة والدفاع، خاصة مع حديث فرنسا حالياً عن ضرورة وجود قوة أوروبية قوية قادرة على الدفاع عن أوروبا حال وقوع أزمات.
قال ماكرون أنه حال فوزه سينشئ هيكلاً جديداً بعيداً عن كل الخلافات، وسيكون حركة جديدة... ماذا يقصد بذلك؟
الأمر غير مفهوم... ومن غير الواضح ما الذي يريد أن يشكله سياسياً، هل هو ائتلاف أم حزب، أم ماذا؟، فلم تتبلور الرؤية الكبيرة لهذا الموضوع بعد، وهل الأحزاب الأخرى ستقبل هذا الأمر؟، لا أعتقد ذلك، وأعتقد أنه لن يكون هناك شيء قبل الانتخابات النيابية المقبلة، فنحن بصدد تغير كبير في المشهد السياسي في فرنسا، فالمشهد السياسي التقليدي انتهى لأن كلا الحزبين الاشتراكي واليميني التقليدي، حصلا سوياً على أقل من 7%، وهذه بداية النهاية لهما، فقد تحدث ماكرون عن بعض التعديلات والنقاط في البرنامج، منها سن عملية التقاعد، ومن الممكن أن يشكل تحالفات، فالانتخابات في فرنسا مرتبطة ببعضها، وهنا المقصود الانتخابات النيابية، فهل ستعبر نتائج الانتخابات النيابية عن الرئاسية؟ لا أعتقد، لأن هناك أحزاباً كان لها وضعها، لكن قلّ تأثيرها، وهناك في هذه الانتخابات ظهرت ظاهرة تعرف باسم «الصوت المجدي»، بمعنى إعطاء الصوت لمرشح آخر حتى يصيب المرشح الذي لا يريده بفراغ، فهناك كثير من الأصوات ذهبت لصالح لوبان، من أجل عدم التصويت لمرشح اليمين التقليدي، وكذلك الأمر في اليسار لم يعطوا للحزب الاشتراكي، وإنما أعطوا للمرشح ميلنشون، وأعتقد أن كل ذلك سيتغير في الانتخابات النيابية المقبلة، لأن كل حزب سيحاول أن يثبت نفسه على الأرض.
قلت إن الانتخابات النيابية ستحدد شكل الأحزاب وقوتها على الأرض، هل معنى ذلك أن الحزب الاشتراكي واليمين التقليدي، لا يعكسان الوضع الحالي لهما؟
هذه أهمية الانتخابات النيابية، وسنرى خلالها هل التصويت لها سيكون على وتيرة الانتخابات الرئاسية ويعكسها أم لا، ولا أعتقد أنها ستكون انعكاساً للانتخابات الرئاسية، وخلال الانتخابات البرلمانية سنعرف ما إذا كانت الأحزاب التي انحدرت في الانتخابات الرئاسية، قد انحدرت تماماً، أم لا.
ماذا يحدث إذا فاز مرشح من اليمين المتطرف برئاسة فرنسا؟
ستحدث مشكلة كبيرة، فإذا فازت لوبان، ستواجه فرنسا مشاكل اجتماعية كبيرة، فهناك خطاب متطرف للغاية ضد المهاجرين، وخاصة المسلمين، فوصول مرشح من اليمين المتطرف سيحدث إشكالية كبيرة، وهناك أيضاً إشكالية أخرى إذا فازت لوبان، فأوروبا في حرب مع روسيا، وهناك عقوبات، وموقف لوبان ليس واضحاً، وحتى الساعة هناك انتقادات لعلاقة لوبان مع الروس، فهي لديها قرض كانت قد حصلت عليه في انتخابات الرئاسة الفرنسية عام 2017، لتمويل حملتها الانتخابية آنذاك، وحتى هذه اللحظة ما زال قائماً، ففرنسا ليست جاهزة للتحول نحو التطرف، ويأتي على رأس الدولة مرشح متطرف، فلو فازت لوبان ستواجه فرنسا العديد من المشاكل.
ما أبرز هذه المشاكل؟
أول شيء هو المشكلات الداخلية، لأن لوبان لديها نظرة معينة للمهاجرين بشكل عام، وهناك مشكلة أيضاً مع الجاليات المسلمة بشكل خاص، وهناك مشكلة خارجية مع الاتحاد الأوروبي، كما أن لوبان لديها موقف تجاه الاتحاد الأوروبي، ولا تريد الاستمرار فيه، وكذلك العلاقة مع حلف الناتو، وهناك مشكلة ثالثة خاصة بالحرب بين روسيا وأوكرانيا، لأن لوبان لديها علاقات مع روسيا، وهذه أيضاً مشكلة كبيرة، وهناك مشكلة أيضاً مع الحلفاء كالولايات المتحدة، وهذا كله سيوضح كيف سيكون المشهد حال فوز لوبان، فالتداعيات لن تكون داخلية وإنما خارجياً أيضاً.
لو فازت لوبان برئاسة فرنسا، كيف سيكون شكل العلاقات مع الشرق الأوسط والدول العربية؟
من المبكر طرح هذه الإشكالية، لكني أعتقد أن العلاقات العربية مع فرنسا، خاصة فيما يتعلق بالتعاطي والتعاون ضد الإرهاب لن تتأثر كثيراً، خاصة أن الكثير من الدول لديها علاقات جيدة، وللعلم هناك جاليات عربية بفرنسا صوتت لصالح لوبان، وأعتقد أن الدول العربية هي دول برجماتية، وستبحث فقط عن مصالحها في هذه المرحلة، فتوجهات لوبان غير واضحة بشكل كبير، ومن الممكن أن يكون هناك تدهور في العلاقات مع الجزائر والمغرب وتونس، لكن الدول الأخرى لن يكون معها مشاكل، فضلاً عن أن برنامجها غير واضح حتى يمكن القول إلى أين هي ذاهبة.
كيف ستكون العلاقة مع واشنطن خلال الفترة المقبلة حال فوز ماكرون أو لوبان؟
من المؤكد أن علاقة لوبان -حال فوزها- مع واشنطن ستكون متوترة للغاية، لأننا نعرف أنها قريبة نسبياً من روسيا، وكان لديها انتقادات من التبعية الأوروبية والفرنسية لأمريكا، فالعلاقة الأمريكية-الفرنسية ليست في أفضل أحوالها في عهد ماكرون، لكن الرئيس ماكرون رئيس برجماتي، يمكن للدول أن تعمل معه، وهو الخيار الأفضل لواشنطن، ويمكن هنا الإشارة إلى أن ماكرون يحرص على السيادة، وكان يفكر في الانسحاب من حلف الناتو، لكن بشكل عام، ستستمر العلاقات على ما هي عليه، وستكون معقولة وجيدة حال فوز ماكرون.